في ذكرى مرور عقد على احتلال العراق عقد المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات 10-11 نيسان/ أبريل 2013 مؤتمرًا أكاديميًا تضمن أيضًا شهادات لشخصيات سياسية عراقية و غربية على صلة وثيقة بتفاصيل الحدث قبل وإبان وقوعه. اهتمامي بمعرفة التفاصيل الدقيقة في المشهد العراقي والتي تغيب عنا هدفه الوقوف على التجارب التي مر بها العراق دولة ومجتمعًا، بغية إجراء المقارنات مع الواقع السوري واستخلاص النتائج، خاصة وأن سوريّة تتشابه إلى حد كبير في بنية مجتمعها وخصوصيته مع المجتمع العراقي لجهة التعدد المذهبي والطائفي والاثني.
تفاجأت عندما ذهب بعض الباحثين إلى الربط ما بين احتلال العراق، و انطلاقة الثورة والسورية، فعلى سبيل المثال رأى محرر الشؤون الدولية في صحيفة الانبدبندت جوناثان ستيل أن ما يحصل في سوريّة مرتبط بل يفوق في تداعايته احتلال العراق لجهة نفوذ القاعدة، والطائفية، والحرب الأهلية. وللأسف هذه النظرة - وقبل الدخول في نقاشها- ليست خاصية غربية بل تتشارك مع رؤية مثقفين عرب وسوريين يدعي بعضهم تأييد الثورة، لكنهم وفي تحليل عجائبي يستخلصون أن " الثورة السورية لها مفعول الاحتلال الأميركي".
إن دحض هذه الفرضية لا يحتاج كثير من الجهد، بل إن المتابع البسيط لانطلاقة ومجريات الثورة يستطيع -ومن موقع القوي- تصحيح الاختلال الذي يعاني منه البعض، والذي يمكن رده إلى تحزب سياسي، تقوقع فكري، انحياز طائفي أو ربما نظرة استعلائية على الشعب الثائر.
1) لا يمكن تفسير انطلاقة الثورة باحتلال العراق وكأنه عامل محفز. بل على العكس كان الاحتلال عاملاً مثبطًا لخروج المجتمع السوري على نظامه في مرحلة الضغوط الدوليّة عام 2005. فنتيجة مشاهد الخراب، والاقتتال والانقسام الطائفي اضطر الشعب السوري إلى تجاهل أولوياته الحياتية ورغبته في التغير السياسي، ووقف إلى جانب النظام في مواجهة الضغوط المفروضة عليه. كما أن الغالبية الشعبية نظرت بازدراء إلى أصوات معارضة طالبت باستنساخ التجربة العراقية في سورية تحت مسمى " نظرية الصفر الاستعماري". وحتى بعد انطلاق الثورة، لم يرفع المحتجون شعار " إسقاط النظام" بداية، وطالبوا بالحرية والإصلاح بقيادة النظام، كفرصة أخيرة لتجنب تداعيات مجتمعية سلبية قد تنجم عن ذلك على الرغم من قناعتهم أن بنية هذا النظام غير قابلة للإصلاح، وأنه ينظر و يتعامل مع الشعب " كقوة احتلال" ليس إلا.
2) انطلقت الثورة بمظاهرات سلمية وحافظت على هذه الخاصية شهور عدة، وهذه السمة هي سمة مشتركة في ثورات الربيع العربي. حتى أن ظاهرة العسكرة لم تتوضح بشكل رئيس في مشهدها حتى منتصف عام 2012. وقد امتنعت القوى الغربية عن التدخل لمناصرتها على الرغم من كم وكيفية العنف غير المسبوق ضدها. وهذا دليل على وطنيتها واستقلاليتها، بل هي أقل الثورات في العالم تدخلية.
3) يتحمل النظام السوري المسؤولية عما يعيشه العراق من استقطاب طائفي، وتدخل قوى خارجية في مصيره، فالقاعدة في العراق لم تنمو وتعزز قوتها لولا التسهيلات التي قدمها النظام خاصة بين عامي 2003-2007. كما أن استئثار حكومة المالكي الطائفية بالسلطة، وازدياد النفوذ الإيراني لم يكن ليحصل لولا انقلاب الأسد على القائمة العراقية وزعيمها أياد علاوي عام 2010 مقابل تسهيلات وصفقات اقتصادية قدمها المالكي. الأمر الذي أعاق وجود حكومة وطنية تستمد شعبيتها من العراقيين الطامحين إلى بلورة هوية عراقية وطنية تسمو على الانتماءات الطائفية الفرعية التي يعتمدها المالكي لترسيخ سلطته.
لا يتسع النص لذكر عوامل أخرى تدحض السخافات والافتراضات الحاقدة على الثورة. ويمكن الادعاء بعد انطلاق الانتفاضة العراقية المباركة ضد حكم المالكي أن الثورة السورية لها مفعول " استقلالي" وليس " احتلالي". وفي النهاية تشترك الثورة السوريّة مع احتلال العراق في بعد وحيد هو القدرة على إعادة رسم الخارطة الإقليمية والدولية لجهة صعود قوى ودول و أفول أخرى.
*باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية