أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حوار الطرشان بين المعارضة و المجتمع المدني

مواطنة ..فساد .. وامور اخرى , موزاييك الشعب السوري

على مدى عقود، وعلى مساحة الوطن العربي، غيب علمان من العلوم، ووضعا على قائمة الممنوعات، تحت طائلة الملاحقة الأمنية، حتى نسلهما السياسي، والمثقف والمواطن، ومسحا من الذاكرة، لاعتمادهما على النقد، وهما العلوم الإنسانية، والاجتماعية.



فالمتتبع للحوارات التي أجرتها الفضائيات، مع النخب السياسية والفكرية، وما يكتب حاليا، يجد ضبابية واضحة، وخلطا بين المجتمع المدني، والمجال السياسي، كون موضوعيهما الإنسان المتموضع طبوغرافياً على الأرض، يشكل بكل أطيافه وسكنه وثقافته وضرائبه وخدماته ومشاهداته وإرهاصاته المجتمع المدني، مجتمع المدينة الذي يناضل بشتى الطرق السلمية، الصدامية، التظاهرية، الاحتجاجية، لانتزاع حقه في المواطنة من الرموز التي تسلقت إلى السلطة ديمقراطياً وعسكرياً ووراثياً، وشكلت الدولة التي تستمد وجودها، وشرعيتها من الإنسان، الذي يشكل المجتمع المدني.

لذلك من العسير، محاربة الفساد، وإسقاط النظام، وتعدد الأحزاب، وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، والإصلاح من الداخل أو الخارج، وإرساء معاني الديمقراطية، والحرية، والمساواة، قبل أن يفك الارتباط والتشابك والتداخل بين المجتمع المدني وتجمع الدولة من قبل المتخصصين والأكاديميين، وتحليل الثقافة السائدة وأداء كل منهما لنصل إلى الخطاب الفاعل والمؤثر والمجدي، وبغياب مثل هذا التحليل تبقى المعارضة تخاطب وتحاور نفسها ودعاة الإصلاح السلمي والراغبين تغيير النظام من الداخل أو الخارج في حوار اقرب لحوار الطرشان، ويبقى النظام وإصلاحاته يراوح مكانه خارج المكان والزمان، ويبقى هذا الشعب مغيباً مقهوراً مجهول البنية والتكوين.

المواطنة ليست مفهوماً سياسياً وحسب، بل هي مفهوم اجتماعي واقتصادي. منذ عامين حصل في دمشق تمرد مدني على السلطة لم يلتفت إليه احد، شارك فيه عضو مجلس الشعب الأخ والصديق محيي الدين حبوش، احتجاجا على تنظيم أو إزالة منطقة عشوائية في أطراف دمشق، ولانعدام الثقافة المدنية، وضبابية الرؤية لمفهوم المجتمع المدني والتجمع السياسي ومفهوم والدولة مرت الحادثة من دون أي تعليق، ورغم أنها أثارت شهيتي للكتابة، لكن ليس لدي منبر، فتقريري الأمني، ولم يزل من منبت إقطاعي، فأنا مواطن بلا مواطنة، كأي شيوعي أو إخواني، قيم تحت مقولة معنا أو عدونا، مواطن أو بلا مواطنة.

وكثير من المسميات جاءت بولادة قيصرية، للكثير من الشرفاء والوطنين، جردوا من حقوقهم المدنية، لا لشيء إلا لأنهم لا يرون الوطن بعيون أمنية والمجتمع المدني لمدينة مثل دمشق، هو الإنسان الدمشقي العريق، الذي هجر حارته، مخلفا وراءه المختار والقبضاي وابنة الحارة والجار وآثار المدينة القديمة والتاريخية، ليسكنها وافدون من شتى القرى والمدن بشكل جماعي تعبث وتخرب في هذا الكنز التراثي، وأقام الدمشقي العريق في أماكن جديدة وفي عمارات غاية في الجمال تحظى باهتمامات مميزة من الدولة، من طرق وسيعة وكهرباء ومياه وشلالات مياه...
ومن العمارة الواحدة، في الأحياء الجديدة والراقية، ترى فتاة غربية الملبس، وأخرى إسلامية الحجاب، أحدهم يركب سيارته، وآخر دراجته، والبعض الآخر مترجلاً، وتسمع صوت بائع العقابية على عربته يرتدي جلباباً، وعلى رأسه كوفية، يتحدى المتجر الذي أمامه بكل ما فيه من ديكور ومن أصناف البضائع الغربية.

وعلى أطراف دمشق أبنية - بل مدن - عشوائية، بنتها هجرة غير مراقبة أو مدروسة حتى ولا مرئية، وربما محمية، تحمل معها ثقافتها وعاداتها وتقاليدها طلبا للرزق أو سعيا لاقتناص فرصة يدفعها إهمال الدولة إلى سرقة الكهرباء ومخالفة القوانين، وغالبا ما تدخل في صدام مع السلطة تؤوي إليها الفقير المستقيم واللص المحتال، المؤمن الورع وتاجر المخدرات، وترى مدناً صغيرة، نشأت تحمل في عاداتها وتقاليدها وتراثها ثقافة القرية والضيعة، ففي جرمانا كأنك في جبل الدروز في لهجتهم وحسن ضيافتهم وهمومهم، وفي الميدان تسمع اللغة التركمانية كأنك في إحدى قرى حمص، وفي جبل قاسيون الهموم الكردية واللغة الكردية، هذا النسيج البشري يشكل المجتمع المدني لدمشق التي تشمخ بشواهدها التاريخية فالجامع الأموي والكنائس وقبر صلاح الدين والتكية السليمانية وسوق الحميدية، هذه الشواهد المتنوعة الأعراق حاضرة في ذاكرة المجتمع المدني عنواناً لصناع التاريخ في الماضي، وحجر الأساس في الحاضر لصناعة المستقبل.

والوحدة الوطنية لهذا الموزاييك المدني، هو الذي حدد رموز الدولة في الخمسينيات من خلال صناديق الاقتراع، ولا فرق من يكون رمزا، شكري القوتلي العربي، أو فارس الخوري المسيحي، أو خالد العظم الكردي الشيوعي، أو هاشم الأتاسي التركماني، أو حسني البرازي الكردي، أو أكرم الحوراني الاشتراكي، أو زهر الدين الدرزي. هذا هو المجتمع المدني، موضوع النظام وإصلاحاته، وموضوع المعارض وطموحاته. هذا المجتمع هو عين تراقب الدولة على مدى التزامها ببرنامجها السياسي، إذا كانت ديمقراطية، أو على سياساتها الداخلية والخارجية سواء كانت شمولية أو ملكية أو..... وفي كل الأحوال، وفي كل الأنظمة، يبقى المجتمع المدني قصيدة الدولة وقيثارتها التي تعزف عليه أنغامها، وتحيك قصائد الحب والود والغرام له.

لكن الدولة مضطرة وفي أحيان كثيرة تحت ضغوط اقليمية أو دولية أو طائفية أو عشائرية، للتراجع أو التقدم، فتربح هنا وتخسر هناك، تلتزم في برنامجها طوراً، وتخالفه طورا آخر. فالدولة الديمقراطية تستعين برموز مترابطة بتسلسل هرمي المسؤولية، سياسية وإعلامية وإيديولوجية.... عالية التأهيل، منتقاة بعناية فائقة الدقة، تعزف على قيثارة وحيدة النغمة، وترشيها بأرصدة وميزات وخدمات وكل ما من شأنه التأثير على الرأي العام، وتوجيهه لطمأنة الناخبين، أصحاب التفويض - بموجب البرنامج الانتخابي- وتسهيل هضم سياسة الرموز الذين انتخبوا بموجب ذلك التفويض وقد تكذب هذه الرموز وتضلل (أسلحة الدمار الشامل) وتختلق الحروب (حرب العراق وأفغانستان) والتعبير السياسي ذو التأثير النفسي - الخطر على الأمن القومي الأميركي - وقد لا نهضم بعض هذه الرموز سياسة الدولة فتسقط - كولن باول - وقد تكشف بعض وسائل الإعلام وبعض المفكرين والمعارضة زيف هذه السياسة وآثارها الاقتصادية والعالمية والمحلية فتتصدى لها وتؤثر في قطاع واسع من الشعب - المظاهرات في أميركا وأوروبا -.

أما الدولة ذات الأنظمة الشمولية فهي الراعية لحقوق ومصالح شعبها الحبيب على قلبها، تسهر على راحته وأمنه الغذائي، وتبث في كل زاوية أذن أمنية ترصد كل من يعبث في برنامجها الملهم من عنده سبحانه وتعالى، وتأخذه أخذ عزيز مقتدر، وكأن أمه لم تلده، وكل ما تطلبه من هذا الشعب هو الهتاف والتصفيق لكل ممارساتها وسياساتها التي لايأتيها الباطل من قريب ولا من بعيد، من خلال أجهزة أمنية منتقاة بعناية.


وكلما ازداد الشعب جوعاً وقلقاً على الوطن وخوفا على الاستقلال كلما صادرت الدولة حقوق المواطنة بقوانين الطورئ والأحكام العرفية، وأسقطت حقوق الشعب المدنية، وصادرت إنسانيته وعقله وفكره، وتوصفه بالشعب الأبي الصامد وتكرمه بحرية اليدين للتصفيق، وبحرية اللسان للهتاف والتأييد. ولم يزل دوي الهتافات واختلاط الأهازيج يؤرقني عندما صاح الخطيب والزبد على شفتيه بعد احتلال الجولان "نحن وإن خسرنا أرضاً، فقد ربحنا النظام"!

[email protected]


 

اسامه الدندشي - زمان الوصل
(162)    هل أعجبتك المقالة (129)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي