أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عار الأحلام الكاذبة ... خالد المحاميد



اقتنعت أخيرا بأن الشبيحة والمنحبكجية أقل شأنا من كلاب المزابل، بل ان " ابن المرزباني " مؤلف كتاب " تفضيل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب " لم يعط الكلاب حقها من الكرامة بالقياس إلى ما هم عليه الشبيحة والمنحبكجية من انحطاط أخلاقي وقلة شرف ، وقد سخر أبو عمرو الجاحظ من مقولة ان الكلاب هي من مسخ الجن ربما لأن الكلاب فيها من الأخلاق أفضل مما عند بعض البشر.
ومع أن المسعودي في كتابه "أخبار الزمان" حط من قدر الكلاب حين ادعى ان الكلاب خلقت من ريق إبليس حين بصق على أدم، إلا أنه لو علم مافي الشبيحة والمنحبكجية من قلة شرف ونذالة لوجد في الكلاب ما يشرف الشبيحة والمنحبكجية لو أنهم ارتقوا إلى مقام كلاب المزابل هذه
مناسبة هذا الحديث هو تحرير الرقة وسد الفرات من أوغاد عصابة آل الأسد وتطهيرها من رجسهم.
جميعكم تعرفون الرقة التي بدا اسمها يدوي في وسائل إعلام عصابة البعثيين منذ عام 1968 منذ أن اقترح الروس وكان اسمهم آنذاك الإتحاد السوفييتي، بناء سد ضخم على نهر الفرات يشبه السد العالي في مصر، فالروس الأوغاد كسبوا نصرا معنويا ببناء السد العالي، فأصبح المصريون يرددون صباح مساء مع عبد الحليم حافظ ناصر .. ناصر .. واحنا بنينا ونحنا حنبني السد العالي.
على هذه الشاكلة ومثلما انخدع المصريون ببناء سد لم يغير من أحوالهم التعيسة شيئا يذكر، قرر الروس بناء سد الفرات، فخرج علينا إعلام عصابة البعثيين بين ليلة وضحاها بشعارات أذهلت السوريين، فأصبحوا يصحون وينامون على اسم السد
ما إن تقول لأحد صباح الخير حتى يرد عليك صباح السد
العصابة البعثية لم تترك وسيلة إعلام ولا منبر إلا وأرسلت ديوك البلاغة العقائدية يصيحون عليه .. السد .. السد
وما إن حلت كارثة المقبور حافظ الأسد على سوريا عام 1970 حتى كانت فكرة السد قد اختمرت في عقول وقلوب السوريين، السد المنقذ ، السد العظيم ، السد المعجزة ، السد التحدي، السد المهيب ،سد الأسد، سد البعث، بحيرة الأسد، حتى أنهم نسوا ان اسمه سد الفرات، فأطلقوا عليه اسم سد الثورة، وكأن الثورة العرجاء كانت فقط بحاجة إلى سد يمنع انهيارها.
منذ عام 1970 مع انقلاب حافظ الأسد، صار السوريون يحلمون بمستقبل لا تنقطع فيه الكهرباء لست أو عشر ساعات يوميا، الماء سيكون متوفرا فالسد على وشك الإنجاز، وماهي المدارس؟ أليست مجرد بضعة غرف ، هل سيكون بناءها أصعب من بناء السد؟ والجامعات ماذا عن الجامعات؟ حين ينتهي السد سيبنون الجامعات ماذا لديهم من عمل غير بناء الوطن ورفاهية أبنائه، السد سيغير ، السد يعمر، السد يجلب الثراء ، ولا تنسوا المصانع ، الروس يقولون ان السد قادر على تشغيل ألف مصنع كبير، تخيلوا الف مصنع حديث في إنحاء البلاد، لا بطالة بعد السد ولا جوع ولا حاجة، سيكون عند الجميع سيارات خاصة وشقة، هذا إذا تواضع شعبنا وقبل بشقة، ولا تسألوا عن الخبز والرز والقطن فمياه السد ستروي ملايين الهكتارات .
لم يبق من حلم إلا وربطته عصابة حافظ الأسد بالسد، فهذا البناء الذي لا نعرف كيف سيكون، هو أكبر من أحلامنا المتواضعة، صحيح شعب لا يستحق أن يحلم بأقل من إمكانياته، هكذا كان إعلام عصابة حافظ الأسد يروي أحلام السوريين بأوهام مستقبلية لا وجود لها، ربما سننافس ألمانيا في صناعتها ، وسنلتفت إلى اليابانيين باستعلاء، وسنهزأ من الإيطاليين.
تحول المواطن السوري إلى كائن حالم، ومن فرط أحلامه صار يظن انه يعيش حقيقة واقعية، حتى أن الرجال الذين كانت تثقل كاهلهم الديون رفعوا رؤوسهم عاليا بكبرياء، يردون على دائنيهم بصوت جهير" سنعطيك مصاريك على قفى الصرماية لكن انتظر حتى ينتهي السد"
لم يفكر احد كيف لعسكري مهزوم سلم أرض وطنه للعدو من دون قتال ان يخلق كل هذه الانتصارات على الأرض، فبدلا من القبض على المجرم الذي تخلى عن الجولان طوعا ومحاكمته وتعليقه على حبل المشنقة في ساحة المرجة، حوله البعثيون الأنذال إلى نبي وقديس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، صار هو الأب والأم والزوج والولي والحاكم والفقيه والبطل والمناضل والزعيم وهو بالتالي الوطن نفسه .
بعد ان اكتمل بناء السد وحانت لحظة الدخول إلى الجنة الموعودة، زادت ساعات انقطاع الكهرباء، كنا قبل السد نعاني من أربع او خمس ساعات يوميا بلا كهرباء ، وبعد بناء السد صارت الكهرباء تنقطع من ثمان إلى عشر ساعات، وصار لدينا ثلاثة أنواع من الخبز ، خبز للفقراء ملوث بالزيوان والسوس، وخبز لأبناء الطبقة المتوسطة من قمح رخيص مستورد، وخبز للأثرياء أطلقوا عليه اسم خبز سياحي، وكأن السياح يأتون إلى سوريا ليأكلوا الخبز، لا لينهشوا لحوم السوريات الجائعات.
أين السد ؟ سال الناس بهمس خائفين من أن يسمعهم زبانية حافظ الأسد، لا مصانع ولا مدارس ولا جامعات، لا طرق ولا وظائف ، لا خبز ولا حقول خضراء ولا سيارات ولا شقق، لا كهرباء ولا ماء، لا حديد ولا إسمنت، تبخرت الأحلام ولم يتبق سوى الشعارات واللافتات التي اهترأت من كثرة ما حدقت فيها أعين المحرومين
لم يتبق شيء سوى الهشيم والفقر والإباحية ومصائد الفساد والثراء من السرقة والنهب، والابتزاز، وامتلأت السجون بالمعتقلين، وزاد عدد القوادين والعاهرات والمهربين الذين تحالفوا مع السلطة الأمنية وتقاسموا معهم أموال الإبتزاز والفساد
فأستأثر ابناء الفاسدين والمهربين والقوادين بمقاعد الجامعات، واضطر ابناء العمال والفلاحين إلى الهجرة تاركين خلفهم وطنا محطما وأحلاما ميتة وآباء وأمهات بجراح غائرة ودموع لا تنضب.
هكذا كانت سوريا حين غادرها حافظ الأسد، تاركا لابنه المعتوه وطنا بائسا تحكمه عصابة من اللصوص والمغامرين، ولم يعد أحد يذكر السد العظيم منقذ سوريا ، فالروس الذين بنوه تعذروا في النهاية بأن المياه المتدفقة في نهر الفرات لا تكفي لتشغيل عنفات المولدات الكهربائية، وهكذا انتهينا بلا سد ولا كهرباء ولا ماء ولا ولا سكن ولا وطن ولا أحلام.
في ليلة ليلاء تحول الحلم من بناء سوريا الحديثة بفضل سد الفرات إلى بناء سوريا المستقبل بفضل معتوه يدعى بشار الأسد، جاء وفي جعبته ألاعيب سحرية يسميها المعلوماتية، فانتقلنا من أحلام السد إلى أحلام الكمبيوتر
لكن كما هو الحال دائما ، إذا كان عسكري مهزوم باع شرفه ووطنه قد جعلنا منه نبيا ، ألا يمكننا أن نحول معتوه إلى نبي جديد؟
فنحن السوريون لا نستطيع ان نعيش من دون أنبياء كذبة وملفقين، نحن السوريون ابناء الستينات والسبعينات الذين صدقنا أكذوبة السد، لكن رحمة الله واسعة كما يقولون، فقد ولد لنا رغما عن أنوفنا جيلا لا يؤمن بالأحلام الكاذبة والأنبياء المزيفين، فاضطر ليتخلص من عصابة يقودها معتوه، إلى حمل السلاح والدفاع عن شرفنا المذبوح
نعم ... هذا هو السد الحقيقي الذي سينقذ السوريين من عار الأحلام الكاذبة، إنها الثورة .




(105)    هل أعجبتك المقالة (106)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي