أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

استراتيجية الأسد بين قاعدة الظواهري .. وقاعدة الخامينائي ... فرحان الأسمر


يرى البعض أن تعاطي النظام السوري مع الإنتفاضة يشبه تصرف الفرد الذي يصاب بداء عضال ، إذ يبدأ الأمر بالإنكار ... ثم محاولة الإستفادة من حالته المرضية من خلال ابتزاز الآخرين أو استعطافهم ... وينتهي الأمر بالتسليم للأمر الواقع .. ولكي يكون هذا التوصيف دقيقا ، علينا أن ندرك أن هذه المراحل التي تحققت حتى الآن ، لم تتحقق عفويا كما في حالة الأفراد إنما نفذها النظام السوري بتخطيط مسبق ، مستفيدا مما حدث في تونس ومصر وليبيا ، متزودا بخبرته القمعية وبوعود حلفائه الروس والإيرانيين بدعمه بالسلاح والخبرة والرجال ، ويؤكد ذلك وثيقة المخابرات العامة التي سربت أول أيام الانتفاضة والتي ما زلنا نرى تطبيقاتها بتدرج دقيق
مرحلة الإنكار الأولى لم تكن فقط بدافع عدم التصديق العفوي ، بل كانت من جهة لرفع معنويات مؤيديه وقواته الأمنية على الأرض ، ومن جهة ثانية لكسب الوقت عله يستطيع قمع الإنتفاضة في زمن قصير يستطيع معه القول : فعلا لم يحدث شئ مهم ، الأمر لا يعدو أنه تصرف لبعض المندسين قامت جماهيرنا الواعية بالقضاء عليهم . وإذ انتهت هذه المرحلة بالفشل لجهة القضاء على الإنتفاضة ، لكنه نجح في شئ مهم كان جزءا من الخطة المعدة سلفا ، إنه منع الإنتفاضة من التحول إلى ثورة بالمعنى الأكاديمي لكلمة ثورة ( على الأقل لجهة امتلاك خطاب سياسي واضح ورؤية استراتيجية ) ، بغض النظر عن التوصيف الايديولوجي للثورة ، فقد نجح النظام بآلته القمعية من إجهاض المسار الطبيعي الذي يجب أن يؤدي إلى تشكل قيادة ثورية من صفوف المنتفضين ، فإن الصف الأول والثاني والثالث قد تمت تصفيته قتلا أو اعتقالا أو تهجيرا ، بينما تولى " القيادة " شخصيات في الخارج لم يكن لأكثرها أي علاقة بالاتفاضة ، لذلك كانت قيادة فوقية منفصمة عن الواقع وغير منسجمة معه .
في الوقت ذاته كان النظام يمهد أرضية المرحلة الثانية ، الابتزاز والاستفادة ، فقد دفع الانتفاضة دفعا نحو مواجهة العنف بالعنف ، ولئن كانت مظاهر التسلح الأولى عفوية وضمن إطار ردة الفعل والدفاع عن النفس ، فإن غياب القيادة الثورية الحقيقية جعل قرار التسلح الواسع قرارا خارجيا ، مرتبطا بولاءات عديدة ومتعددة وأحيانا متناحرة ، وبمشاريع سياسية وحزبية مختلفة ( إخوان مسلمين – سلفيون جهاديون ) ، ساهم النظام في توجيه دفتها نحو التطرف الاسلامي والقاعدة من خلال إطلاقه لبعض شخصيات هذا التيار ومنهم ( الجولاني ) ذاته ، ومن خلال توظيفه لاختراقاته لهذه الجماعات ( اختراقات طالما تباهى بها سابقا ) ، كل ذلك بهدف ابتزاز الأصدقاء لزيادة دعمهم ، فهو يبتزالروس من خلال خوفهم من التيار الجهادي على حدودهم وفي ديارهم والايرانيين من موقعهم الايديولوجي الديني وحلم مشروعهم الاسترتيجي التوسعي ، ويبتز ( الخصوم ) الغربيين بإظهار نفسه أنه يتساوق مع استراتيجية الغرب في محاربة الإرهاب وما على هؤلاء إلا أن يقفوا معه في هذه الحرب المزعومة
لكن الشئ الجديد في هذا السياق ، هو أن التحالف بين النظام السوري والنظام الإيراني ، قد انزلق إلى ارتماء النظام السوري في حضن المشروع الإسلامي السياسي الإيراني ، ليس فقط من خلال الدعم المادي والتسليحي الايراني ، بل من خلال المشاركة العسكرية المباشرة الايرانية والميلشيات العراقية ، وعلى نطاق أوسع ميليشيا حزب الله اللبناني ، مشاركة صارت علنية ولم يعد أحد يجهد نفسه في نفيها سوى شبيحة الإعلام الذين تصلهم الحقائق متأخرة
وإذا عقدنا مقارنة بين مشروع القاعدة السياسي ومشروع ايران السياسي ، لوجدنا تطابق شديدا ، القاعدة تريد دولة الخلافة الاسلامية لتسود العالم كله ( أستاذية العالم ) يحكمها خليفة المسلمين " نموذجه اليوم هو الظواهري " ، ويدفع فيها أهل الكتاب الجزية صاغرين ، وتطبق أحكام الشريعة وتكفر الديمقراطية وكل بدع المدنية والعلمانية
أما مشروع إيران فهو في إقامة دولة الولي الفقيه ، وتعميم النموذج القمعي الايراني وتطبيق الشريعة ، انتظارا لظهور المهدي المنتظر ، وقد سبق لحسن نصر الله أن قال : هدفنا النهائي ليس فقط إقامة جمهورية اسلامية في لبنان بل أن يكون لبنان جزءا من الجمهورية الاسلامية التي يقودها الولي الفقيه ،
نقطة أخرى يتشابه بها المشروعان ، وهي أن كل منهم يتوسل الانتشار الجماهيري من خلال إعلان العداء لأمريكا واسرائيل ، إعلان أثبتت كثير من الوقائع أنه ذو بعد تكتيكي لم يمنع يوما من عقد الصفقات الساسية المتعددة
النقطة الوحيدة التي يختلف فيها المشروعان ( قاعدة الظواهري وقاعدة الخامينائي ) ، إضافة لاختلاف التكتيكات ، هي أن أحدهم إسلام سياسي سني والآخر شيعي
ضمن هذا الإطار فإن الشعب السوري الذي رفض قاعدة الخامينائي الداعمة للنظام ، أظهر في يوم الجمعة التي أعقبت إعلان مبايعة جبهة النصرة للظواهري ، أظهر حسا وطنيا رائعا من خلال رفضه لفكر وتوجه قاعدة الظواهري وذلك من خلال مظاهرات وشعارات أعادت الأمل بعد اليأس ، الأمل بأن لا حياة للتطرف في سوريا ، ولن يقبل السوريون أن يستبدلوا استبداداً باستبداد آخر
بسبب كل تلك المعطيات ، وخصوصا انزلاق النظام لأحضان ( قاعدة ) الخامينائي ، إضافة لحسابات سياسية أخرى ، فإن الغرب لن ينصب النظام محارباً جديداً للإرهاب ، ذلك أن التوجه الغربي اليوم يقوم على شئ آخر وهو استشعار الخطأ في التعاطي الملتوي مع الانتفاضة السورية ، وأن هذا التعاطي الخاطئ هو المسؤول عن تنامي قوة جبهة النصرة ، وبالتالي لا بد من عزلها عن طريق تقوية الجيش الحر بفصائله المؤمنة بمدنية وديمقراطية الدولة المستقبلية ، والرسالة التي أرسلها النظام ومخططوه الايرانيون من خلال توقيت الإعلان عن انتماء جبهة النصرة ( لقاعدة ) الظواهري سوف تقرأ في الغرب بغير الطريقة التي أرادها النظام مثل كثير من الرسائل الأخرى ، وأشهرها إرسال الشباب الفلسطيني لاقتحام حدود الجولان المحتل وقول كلنتون وقتها ( ليعلم الأسد أنه ليس الشخص الذي لا يمكن الاستغناء عنه ) ، ومن يراقب تصاعد التسريبات الصحافية الغربية عن الأسلحة الكيماوية يدرك أن من جملة ما ترمي إليه – إضافة لرسائل التحذير – فإنها ترمي إلى موازنة حملة النظام الإعلامية بخصوص موضوع القاعدة ، وبهذا تسقط ورقة الابتزاز من جديد ... الورقة الوحيدة التي ستصمد هي ورقة حرية وإرادة الشعب السوري

(104)    هل أعجبتك المقالة (114)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي