الغرب وتسليح المعارضة
ترفض الولايات المتحدة والغرب عموما، تسليح المعارضة السورية تحت ذريعة معلنة هي الخوف من وصول السلاح إلى تنظيمات إسلامية جهادية متطرفة قد تستخدمه ضد المصالح الغربية في النهاية، وها قد مضى على بداية الصراع المسلح ما يقارب السنة وخمسة أشهر لم تُقدّم خلالها للمعارضة المسلحة ممثلة بالجيش الحر أي مساعدة عسكرية تستحق الذكر في الوقت الذي تصارع فيه نظاما مجرما مدججا بالسلاح ومدعوما بقوة وسخاء من قبل حليفين قويين هما إيران وروسيا.
هذا الموقف الغربي المعلن، إضافة إلى أنه متناقض مع الحقائق على أرض الواقع، فإنه ينطوي على تداعيات خطيرة وكارثية على غير صعيد.
فهو متناقض لأنه، وبشكل غير مباشر، يؤدي إلى دعم وتقوية وتعزيز التنظيمات الجهادية التي يدعى الغرب محاربتها ويخشى أن يؤول السلاح إليها! فضعف الجيش الحر الناجم عن نقص السلاح يؤدي إلى إطالة أمد الصراع العنيف مع النظام، وإطالة أمد الصراع العنيف يؤدي إلى خلق البيئة المناسبة لقدوم هذه التنظيمات ونموها. فجميعنا يعرف أن الإسلام في سوريا هو، تاريخيا، إسلام معتدل، ونسبة السلفيين والمتشددين فيه تكاد لا تذكر، والتنظيمات الجهادية المتشددة التي تنشط على الساحة السورية الآن إنما هي تنظيمات وافدة بمعظمها، ولم يكن لها أي أثر قبل الثورة، ولا حتى بعد أشهر من انطلاقتها، وأي من السوريون لم يسمع مثلا بجبهة إلا بعد بداية العام 2012، أي بعد تسعة أشهر من انطلاقة الثورة.
إذن يكمن التناقض في أن الغرب يرفض تقديم السلاح للمعارضة لكي لا يصل إلى التنظيمات المتطرفة، بينما هو يعمل بنفس الوقت على تقوية هذه التنظيمات عبر توفير البيئة والذرائع المناسبة لها للعيش والنمو!!
أما بشأن التداعيات الكارثية لهذا الموقف على سوريا والشعب السوري فنجد أنه قد ضَمن التفوق العسكري الهائل للنظام وانفراده باستخدام كل أصناف الأسلحة ضد المعارضة المسلحة وحواضنها الشعبية، وبشكل عام ضد كل مناطق الحراك الثوري، وأعطاه الضوء الأخضر لارتكاب أبشع ما سطره التاريخ من مجازر وجرائم ضد شعبه، وفتح البلد أمام التنظيمات الإسلامية الجهادية التكفيرية العدمية للقدوم والنمو وممارسة نشاطاتها الجهادية المسلحة وغير المسلحة، ووضع الجيش الحر، بفقره وبموارده الشحيحة، في موقف الضعيف نسبيا أمام تلك التنظيمات
إذن الجيش الحر، الذي يمثل حقيقة المعارضة المسلحة، يعاني من حالة عوز شديدة، ويفتقر إلى الدعم والمساعدة، بينما يقدم المال والسلاح للتنظيمات الجهادية، والتي تنمو وتتضخم مستغلة بيئة الحرب والعنف السائدة، ومستفيدة بشكل خاص من نجاحاتها العسكرية في محاربة النظام وتحقيق الانتصارات النوعية عليه، وقد بدأت فعلا تستثمر نجاحاتها لتحقيق أهدافها وهي إقامة الدولة الإسلامية العتيدة، دولة الخلافة، فبدأنا نسمع عن برامج تعليمية إسلامية، سعودية المنشأ في الغالب، تدرّس للطلاب في بعض المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام، وبدأنا نسمع، ونرى أيضا، محاكم شرعية تقام في تلك للمناطق تحاكم الناس وفق شرع الله وتنفذ أحكامها فورا دون أن تتوفر لديها أبسط شروط ومبادئ العدالة........
أما عن تداعيات هذا الموقف على الخارج، فسينتهي الصراع في سوريا ذات يوم، وسيجد الغرب نفسه أمام كم هائل من المجاهدين الأشداء المدججين بالسلاح وبالعقيدة الجهادية المعادية للغرب أساسا، والباحثين عن مواقع جديدة لمتابعة جهادهم، ولن تتمكن قوة في العالم من ضبطهم والسيطرة عليهم، ولنا في تنظيم القاعدة عبرة قوية، فقد سمح لهذا التنظيم بالعمل والنمو في أفغانستان لإزعاج وطرد المحتلين السوفييت، وما كان لمجاهدي هذا التنظيم بعد انتهاء مهمتهم في أفغانستان سوى الانتشار والبحث عن مواقع أخرى لمواصلة الجهاد، لكن ضد الولايات المتحدة والغرب هذه المرة، فكانت هجمات أيلول 2001 المعروفة وغيرها...
إذن نحن نربي، أونسمح بتربية وحش مفترس فتاك، وسيصل هذا الوحش إلى مرحلة يصبح معها خارج السيطرة، وسيبحث عن ضحاياه في كل مكان على سطح الكوكب، والغرب المتفرج سيكون على رأس هؤلاء الضحايا.
لكن ألا يعرف الغرب أن موقفه هذا سيؤدي إلى هذه النتائج؟ قد نكون سذجا لو اعتقدنا ذلك، خاصة أن هذه النتائج أصبحت الآن أكثر من واضحة.
إذن القصة ليست قصة الخوف من انتقال السلاح إلى الأيدي الخطأ، بل هي على الأرجح قصة المصلحة الإسرائيلية.
والمصلحة الاسرائيلية تقضي بعدم وجود دولة عربية حرة وديمقراطية على حدود إسرائيل، لأن وجود مثل هذه الدولة يشكل خطرا حقيقيا على موقع اسرائيل المتميز في المنطقة، وعلى تفوقها النوعي، وعلى مشاريعها الاستعمارية، وربما على وجودها. والمصلحة الاسرائيلية خط أحمر يصعب على الدول الغربية تجاوزه، ولا يمكننا أن نتوقع منها ذلك، وبالتالي يجدر بالمعارضة السورية عدم التعويل على الدعم العسكري الغربي طالما أن اسرائيل لاترى أن من مصلحتها حسم الصراع في سوريا.
أما لمن يتوجسون ريبة أو يساورهم القلق من وجود ونشاط التنظيمات الإسلامية المتشددة في هذه الفترة على الأراضي السورية، فأقول لهم أولا أن التعجيل بإسقاط النظام هو الهدف الأهم والأسمى والأعلى في هذه المرحلة، لأن الخطر الداهم على سوريا والسوريين يكمن في امتداد فترة بقاء هذا النظام، ونحن بحاجة إلى المساعدة العسكرية الهامة التي تقدمها هذه التنظيمات للوصول إلى هذا الهدف، وأقول لهم ثانيا أن غالبية المسلمين في سوريا يتميزون بالاعتدال والوسطية، ويرفضون التشدد والتطرف، ولن يسمحوا بوصول أية قوى متطرفة إلى مواقع السلطة والقرار في سوريا الجديدة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية