أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خواطر ذاتية في ذكرى ميلاد البعث

كنت في الصف الخامس الابتدائي، على ما أظن في عام 1979، عندما جاءني معلمي وطلب مني مراجعة مدير المدرسة. ذهبت إليه ليطلب مني إعداد كلمة باسم تلاميذ المدرسة من أجل إلقائها بعد أيام بمناسبة ذكرى "الحركة التصحيحية المجيدة"، وذلك على ما يبدو وفقاً لاعتبارات عديدة، بينها أنني من المتفوقين دراسياً، إضافةً إلى كوني "عريف الفرقة" و"الأسبوعي" الذي يردِّد كل يوم شعار البعث "أمة عربية واحدة" فيرد الطلاب بتتمة الشعار "ذات رسالة خالدة"، لكن بالطبع من دون أن أفهم معاني كل هذه الكلمات في ذلك الوقت.

ذهبت إلى البيت فرحاً باختياري لهذه المهمة، وبدأت الكتابة. كانت إحدى العبارات التي أدخلتها في نص الكلمة عبارة موجودة على "الجلاء المدرسي" آنذاك، وأذكر أن هذه العبارة تبدأ بـ "عهداً إليك أيها القائد أن أكون مجداً في دراستي......". رآني والدي وأنا منهمك في هذه "المهمة العظيمة"، فأخذ الورقة وقرأ ما كتبته، وأنا أنتظر إعجابه، فإذا به ينفعل ويمزِّق الورقة، ليسألني عشرات الأسئلة حول الأمر، فيما كنت مندهشاً من هذا السلوك.

بعد ذلك، أخذ يكتب ورقة بديلة على هيئة رسالة، كي أسلِّمها لمدير المدرسة. وأذكر عبارة في رسالته انحفرت في ذاكرتي وقتها، إذ يقول "لا أريد أن أعلِّم ابني الكذب والنفاق والدجل". وبالفعل، أخذت الرسالة وسلّمتها لمدير المدرسة في اليوم التالي.

كانت دهشة أستاذي ومدير المدرسة لا توصف. وأخذا يوجِّهان لي عشرات الأسئلة التي لا أفهمها. بل إنهما كانا مربكَين ولا يدريان ماذا يفعلان في هذا الموقف. بعد ذلك، يبدو أن المدير وضع خطة التحرك. فكان القرار الأول "عزلي" عن جميع مناصبي في المدرسة، كأسبوعي عام في المدرسة وعريف للفرقة الطلائعية. بل إن معلمي بالغ في الأمر وجعلني أغادر المقعد الأول إلى المقعد الأخير في الصف. كان شعوري أنني تحوَّلت إلى كائن أجرب بعد أن كنت المتفوق والمدلل.

بعد ذلك توقعنا الأسوأ في العائلة، بخاصةٍ عندما طلب المدير حضور "وليّ الأمر" تحت طائلة الطرد من المدرسة. فما كان من والدي إلا أن جاء إلى المدرسة ودخل غرفة المدير، فإذا بمعظم معلِّمي المدرسة يتعرفون عليه كونه كان أستاذاً لهم في مرحلة من المراحل. انحرج المدير ولفلف الأمر، ليخبرنا بصراحة أنه قد أبلغ "الجهات المختصة"، وهم في طريقهم إلى المدرسة، إلا أنه تكفّل بحلّ الموضوع.

هناك بالتأكيد آلاف من هذه الحوادث في سورية. لكن بيت القصيد هنا هو عبارة "لا أريد أن أعلِّم ابني الكذب والنفاق والدجل". ربما لأن هذه العبارة تلخِّص المسيرة السياسية الكاملة لحزب البعث في السلطة خلال نصف قرن، وهي المسيرة التي جعلت من رئيس وزرائنا يرقص في الشارع تعبيراً عن ولائه للنظام، وحوَّلت أعضاء مجلس الشعب إلى مجموعة من الأراجوزات، وقيادات أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" إلى مسوخ، وعناصر الأمن و"حماة الديار" إلى كائنات بلا ضمير، وقيادات الحزب ذاته إلى شبيحة، وقيادات النقابات المهنية إلى عناصر أمن وكتّاب تقارير بزملائهم، وغيرها من المآسي التي لا تعد ولا تحصى.

أيديولوجية البعث المكثفة بالوحدة والحرية والاشتراكية، فقدت بريقها منذ زمن بعيد في سورية، ربما بشكل أساسي بسبب الممارسات التي تتنافى معها بالدرجة الأولى، أو بالأحرى بسبب سياسة "الكذب والنفاق والدجل" الآنفة الذكر. حزب البعث لم يمارس السياسة فعلاً إلا عندما كان في المعارضة، أي قبل 8 آذار 1963، واقتصر دوره في ما بعد ليكون واجهةً إعلامية أيديولوجية لتغطية الفساد الحاصل والممارسات الاستبدادية، ثم تحول تدريجاً إلى جهاز أمني منذ الثمانينيات، لينحدر إلى مجرد جهاز تشبيح مع انطلاقة الثورة السورية. إنها مسيرة التفسخ والانحلال والانحطاط.

هل يعود حزب البعث إلى ممارسة السياسة؟ في الحقيقة أتمنى ذلك. فتحوّل الحزب من جهاز أمني وتشبيحي إلى حزب سياسي خطوة في الاتجاه الصحيح، على العكس من الدعوات القصيرة النفس التي تنادي بحلّ الحزب في سياق الدعوة لرحيل النظام، فترك الأمر لأهله "الرفاق البعثيين" أجدى وأنفع من نظريات القسر والاجتثاث، ولأن هذه الدعوات تأتي في منزلة إعادة تأسيس مبدأ الحظر السياسي الذي طالما عانى منه السوريون، ومن الحكمة عدم إعادة إنتاج المأساة ذاتها.

(99)    هل أعجبتك المقالة (100)

جورج - ابومحمد

2013-04-11

بعض الطائفيين اتهموا حازم نهار بالطائفية وهو قمة المرض والشعور بفقدان الاتزان فحازم نهار الذي وقف بوجه النظام يوم كان المعارضون يخافون من الاستماع الى نكتة عن النظام اصبح طائفيا ............ المشكلة يا استاذ حازم ان النظام سيذهب ولكن الطائفية التي نخرت جسد المرضى يصعب الشفاء منها ومن يكره الحرية يصعب ان تقدمها له بالاكراه ولو خيروا السوري البسيط العادي بين التحالف مع الشيطان وبين البقاء تحت ظلم النظام لاختار التحالف مع بن لادن في قاع البحار على البقاء تحت القهر والظلم واما من اعتادوا الزحف على بطونهم فسوف يزحفوا اليوم وغدا وفي المستقبل لان الكرامة ابعد ماتكون عنهم ..


لجينة

2013-04-13

(حذف لمخالفته قواعد التعليق).


يونس قاسم

2013-04-13

حزب البعث عبر تاريخ طويل في السلطة هوحزب رديء بكل المقاييس ،سقطت بنيته الفكرية الطفولية الشيفونية ،منذ أن استلم السلطة كما أشار الدكتور حازم النهار ،مورست تحت اسمه أسوء أشكال حياة الغاب ،مارس قهراًٍ يومياً على المواطن السوري ،وأصبح الإنتماء له كالإنتماء للوطن ،فلا وظيفة ،وكثير من الأحيان لاكرامة مشروخة إن لم تكن بعثياً،مما أدى لتشكل حزب تعبر عنه المسيرات المسيرة من الطغاة وفي كل المناسبات ،حيث قسم يجيش رغبة أو كرهاً للمشاركة في المسيرات بحكم وظيفته ،وقسم يهتف بحماس طلباً للإرتفاء أو محافظة على موقع ،وقسم يهرب من المسيرات من بدايتها ،وقسم لم يحضر اجتماع حزبي من سنوات،وقسم يجمع الأسماء لكتابة التقارير الأمنية والحزبية ،وقسم يلقي بالكلمات الطنانة والرنانة كذباً ورياءً ،وقسم يبقى في المكاتب يدير البلد حيث يشاء السلطان ،وهؤلاء جميعهم بعثيون .فمن العدل والإنصاف أن يحلّ هذا الحزب لتاريخه الإجرامي بحق الشعب السوري ولمجافاة شعاراته العقائدية لوجدة الشعب السوري،ومحاسبة كل من تلوثت يداه بمال ودماء السوريين ،والإفساح للكتلة الكبيرة من هذا الحزب أن تختار طريقها بحرية في سوريا الجديدة ،بعيداً عن اسم هذا الحزب الذي يجب أن ينسى الشعب السوري اسمه المرتبط بالويلات إلى الأبد ..


سوري منصور

2013-04-23

لا أدري لم حكمت لجينة على القصة بأنها مفبركة... ولا أدري إن كنتي أنتي سورية أم لا ؟ فإذا كنتي سورية فلا بد أنك تعرفين أنه في المدرسة لايكون اسبوعيا على الصف أو العريف إلا من كان شاطر في الدراسة أو حزبي... يعني مدعوم إن لم يكن من المتفوقين.... وكم شاهدنا العشرات من هؤلاء... كان في مدرستنا شخص من المتملقين والحزبيين اسمه وليد السعدي... يأتي الى المدرسة بدون لباس " الفتوة" ويصاحب مدرب الفتوة ويمسك بيده وكأنهما أصدقاء رغم الفارق العمري... خلصنا من المدرسة... على حد علمي أنه دخل كلية الفلسفة ولم يكمل بها...... وإذ بنا نراه دخل كلية الشريعة " مهمة حزبية".... دارت الأيام.... جاء الى الامارات ليعمل في إحدى صحفها وصعد بسرعة عجيبة فيها.... وكانت له حظوة كما قيل في السفارة ولدى السفير وكافة الموظفين... تفاجأنا آخر الأمر بأنه يعمل رئيس تحرير مجلة اسبوعية أعتقد اسمها المنارة تصدر في الامارات وأنه يحمل لقب دكتور.... بس دكتور بشو ما بعرف ؟!!! يا عمي الحزبية والواسطات في بلد الواسطات بتعمل كل شي... فلا تستغربي من هيك قصة كتبها الدكتور حازم... لأنها مكررة مع عشرات بل مئات الطلاب غيره... ويلعن روحك يا حافظ على .......اللي خلفتو....


التعليقات (4)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي