نشر موقع "ذي ستار" الكندي تقريراً عن حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية التي تعرضت لها نساء سوريا، مركزاً على قصة مروعة لامرأة تدعى "نور"، هذه قصتها كما روتها لمراسلة الموقع في عمان:
الزنزانة كانت صغيرة، ثلاث نساء، كلهن عراة، قيدن إلى كل زاوية من الزانزنة. نور جرى تعريتها كذلك ووضعت في الزاوية الرابعة مكبلة.
كلّ يوم، ولمدة تزيد عن 60 يوماً، تقول نور إنها كانت وسجينات أخريات يُغتصبن في أحد أسوأ فروع الأمن سمعة (فرع فلسطين)، موضحة أن بعض الوحوش كانت تأتي بزيها العسكري وآخرين بزي مدني.
لقد كان المدنيون حسب قول نور "من الزوار الذين كانوا يلعبون ورق الشدة مع رجال الأمن.. لقد كانوا يخاطبونهم أمامنا: إذا أردت، فلدينا بنات هنا!، موضحة: ماتت بنتان من نزيلات زنزانتي.
ميتة
نور، طبعاً ليس الاسم الحقيقي للضحية، التي تتذكر بمنتهى الألم ما تعرضت لها بين ديسمبر/كانون الأول 2011 وفبراير/شباط 2012. وكيف انتهك جسمها الذي لم يعد ينتمي إليها كما تقول، لكنّها تحاول حماية روحها على الأقل.
تضيف: هذه الحرب نقلتني من عالم إلى عالم آخر، كنا نقول إن عجلة الحياة لابد أن تدور لكن العجلة دارت عليّ، بعدما كانت حياتي طبيعية.
جريمة "نور" انها كانت تلتقط صورة مظاهرة مناوئة لنظام بشار في حمص في أحد الأيام، وعلى عكس كثيرات ممن تعرضن لعنف جنسي خلال النزاع، وفضلن الصمت لحساسية الموضوع، فإن "نور" لم يكن لديها ما تخسره على حد تعبيرها، فزوجها أخذ ابنهما اليافع إلى البحرين، وباتت "ميتة" في نظر أهلها.
تقول: عائلتي أصدرت لي شهادة وفاة، أحد إخوتي تولى إصدارها!
بينما تعلق "مرام" السورية البالغة 42 عاماً، والتي عاشت قرابة 30 سنة في الأردن: المرأة يجب أن تكون صافية مثل الزجاج عندما تتزوج، حتى إنها مازالت تخجل أن تذكر كلمة "اغتصاب" على لسانها، عندما تتكلم هي وقريباتها عما يسمعن من أخبار الانتهاكات في بلادهن.
إنه أمر بالغ السوء، بل هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لامرأة، بينما الناس يرون أن الأنثى التي لاتستطيع الدفاع عن نفسها، تكون راضية بما يحدث!
"مرام" جزء من شبكة صغيرة، مكونة من ربّات بيوت سوريات متزوّجات من رجال أعمال، مستقرين منذ فترة طويلة في الأردن، وهذه الشبكة تحاول التخفيف عن السوريات المكتئبات بإحالتهن إلى الأطباء أو تقديم العون لهن.
واحدة من اللواتي ساعدتهن الشبكة، لاجئة تدعى "هدى" وهي أم لخمس بنات، قالت إنها عاينت مشهد اغتصاب جماعي مروع، دفعها وبناتها للفرار سريعاً من منزلهن في حمص.
تقول هدى: أنا لا أكذب ولو بكلمة، لقد حرقن قلبي.. في الأسبوع الأول من مارس/آذار 2012، لا أستطيع تذكر اليوم بدقة، كنت في منزلي بحي باب السباع، حيث تعرض الحي للقصف والنهب، فغادرت البيت مع أطفالي، وفي شارع العدوية رأيت صفاً من 10 إلى 15 امرأة، كنّ يمشين أمام الدبابات لجيش النظام.
وتتابع: جنود بشار اغتصبوهن أمام الدبابات، في البداية استخدموهن دروعاً بشرية، ليعبروا إحدى مناطق المقاومة، وبعد أن عبروا، قام الجنود بتعرية النساء واغتصابهن ثم قتلهن.
يطاردونها
وبالعودة إلى الضحية "نور"، التي لاتعتقد أن ترى من دمروا حياتها مسجونين، حيث تصدمنا بمشهد أكثر من صاعق، موضحة كيف يستخدم بعض السفلة الفئران كـ"أداة اغتصاب"، "تعرضت لمثل هذا، وكذلك فتاة أخرى، لكنها نزفت بشدة وماتت".
وتقول نور إن سجانيها ما زالوا يطاردونها، وإنها تغيّر مكان سكننها كلّ بضعة شهور، منذ أن اكتشف الرجل المسؤول عن فرع فلسطين عنوانها في عمّان، وأرسل لها من يهددها.
ربما لا تكون نهاية اعتقال "نور" وتوقف مسلسل اغتصابها سارة لها، لكن الذي حدث أن أحد حراس الفرع الذين ساهم باغتصابها، هو الذي ساعد على إطلاقها في فبراير/شباط 2012، عندما كان بقية الحراس في مهمة لقمع مظاهرة في أحد احياء دمشق، وهي ترى أن الحارس الذي ساعدها ربما يكون أحس بالندم على ما اقترف.
وتوضح: قال لي لقد أجبرت على فعل ذلك، أنا لم أرد فعله.. بقيت في درعا 3 أيام مع زوجته وأمه، ثم تولت عائلة بدوية تهريبي إلى الأردن.
الدكتور محمد أبو هلال، طبيب نفساني من دمشق هرب إلى عمّان، بعد أن احتجز السنة الماضية وتم تعذيبه من قوات أمن النظام، يتولى علاج 200 مريض في عيادتين، بمعونة فريق من المستشارين.
صدمات المرضى حادّة، لكن لا أحد اعترف منهم بتعرضه لاغتصاب، كما يقول أبو هلال، مضيفاً: نحن نعتقد أن عناصر النظام تمارس الاعتداء الجنسي على المعتقلات داخل السجون.
ليتني متّ في السجن
زوجة أبو هلال، الدّكتورة هالة الغاوي، تنقل عن امرأتين لاجئتين في مخيم الزعتري تعرضهن للاغتصاب ثم ما لبثن أن أنكرن ذلك لاحقاً، ربما خوفاً من الفضيحة.
تقول الدكتورة هالة عن إحداهن: كانت عاطفية جداً وكنت تنتحب أمامي، لكنها في اليوم التالي، أنكرت أنها حدثتني بهذا الأمر، ربما خافت من زوجها أو إخوتها، خافت أن يطلقها زوجها أو يعمد إخوتها إلى قتلها.
ليست النساء المغتصبات وحدهن في خطر، فالنساء اللواتي يحاولن مساعدة الضحايا هن في خطر أيضا.
"ميمونة السيد" سورية، افتتحت ملجأً صغيراً، حيث ساعدت 15 إمرأة، من ضمنهن "نور"، وقدمت لهن علاجاً ودعماً نفسياً.
شبكة من أصدقائها وأقربائها في سوريا، أرسلوا الضحايا إلى "ميمونة" التي كان زوجها يدرّب حراس الملك الأردني على "الجودو"، ومع ذلك فقد تلقت تهديدات بالقتل بعد أن صوّرت فضائية عربية الملجأ وبثت تقريراً عنه، لكنها تقول إنها ليست خائفة.
وتواصل: ألعب دوراً في تحرير بلادي، بينما تجمع الأموال لصالح السوريين عبر خياطة ألبسة تحمل ألوان علم الثورة، كما تصنع "مسبحات" تبيعها في مزادات خيرية في السعودية.
وترى "ميمونة أن 4 آلاف امرأة وبنت على الأقل اغتصبن من قبل قوات بشار، مستندة على شبكة اتصالاتها مع نشطاء سوريين يتوزعون في مختلف مناطق التوتر.
وها هي "نور" من جديد وبعد أن هربت من المعتقل، تعيش مع 3 بنات يتيمات وعمتهن، حيث تدفع نفقات علاجها من محسنين أردنيين وسعوديين، قالت إنهم عرضوا الزواج بها لكنّها رفضت.
تقول نور: أنا محطمة من الداخل، لن أتزوّج ثانية، لكنها تعترف أن عيش امرأة عزباء بمفردها يجلب الازدراء، ثم تعود لتتذكر: عندما كنت في السجن مع نساء أخريات كان حلمنا بأنّ نخرج ونعود إلى بيوتنا، ونجد من يتفهمنا ويتعاطف معنا، لكن عندما أرى كم أعاني أتمنى لو كنت متّ في السجن.
"نور" تختصر قصة المغتصبات بعد أن دارت عجلة الحياة عليها وباتت "ميتة"

ترجمة: زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية