أسابيع الرعب في حلب بعيون منتج أفلام ألماني
قضى منتج الأفلام مارسيل ميتيلسيفين أسابيع لتصوير الرعب في حلب، وأخبر الصحافي الأمريكي المستقل جيمي ديتمير عما يحدث حقا داخل سوريا.
وحسب موقع "ذي ديلي بيست"، يروي ديتمير عن ميتيلسيفين: قبل هذه الرحلة، سافرت إلى سوريا 15 مرة خلال السنتين الماضيتين، وزرت دمشق، حمص وإدلب، لكن كنت أتجاوز حلب لشعوري أن هناك صحافيين يغطون أحوال المدينة.
لم يكن في بالي تصوير فيلم معين، فقط أردت إعداد برنامج وثائقي يركز على المدنيين، متمنيا أن لا يظهر فيه أي مقاتل، لقد أثار الموضوع اهتمامي بينما كانت جموع من المدنيين تقرر العودة إلى حلب، رغم أن الخطر ما زال ماثلا، عبر الغارات الجوية ولاحقا صواريخ سكود.
عندما تتمشّى في الشوارع يخيل لك أول وهلة أن كل شيء طبيعي، لكنك ما تلبث أن تدرك الخطر عندما تسمع صوت غارة، وبالطبع لا يمكنك إغفال أكوام القمامة التي تملأ أرجاء المدينة.
لم يبق هناك عمال نظافة، ولذا شرع الناس في تنظيم أنفسهم لتنظيف الشوارع، وقد كنت متشوقا لمراقبة هذا العمل الجماعي، فوجدت منافسة تجري بين مجموعات مختلفة، فمن جهة هناك هيئات تدار من قبل المعتدلين، وأخرى يشرف عليها الإسلاميون الأصوليون، مثل جبهة النصرة.
وهكذا، ترى شوارع تنظّف من قبل النصرة، ومدارس تدار بإشرافها، إلى جانب مجموعات أكثر اعتدالا تنظّف الشوارع وتدير المدارس، في تنافس مستمر.
من هو الذي يكسب؟ لقد قابلت أناسا كثيرين شرحوا أفكارهم المعتدلة، لكن الإسلاميين الأصوليين يعملون بشكل جيد، إنهم أكفاء بدرجة عالية كما إن لديهم أموالا أكثر، إنهم أذكياء جدا أيضا، من خلال إبقاء مقاتليهم خارج المدينة والاحتفاظ بعمال الإغاثة التابعين لهم داخل حلب.
أكثر المدنيين يقولون بأن "جماعة النصرة" قد يكونون أصوليين جدا، لكنهم على الأقل يساعدون وينفذون استراتيجية عملية.
أهذا ما يرعبك؟!
حجم ومستوى الرعب والحزن وصلا إلى درجة تشجع الناس على أن يصبحوا راديكاليين، مثلا، كنت أتحدث مع حفّار قبور أثناء دفنه لجثة طفل، وقد بدأ الحفار الصراخ في وجه آلة التصوير التي أحمل قائلا: أحفر هذا القبر لطفل بعمر 7 سنوات والعالم، أمريكا، يراقبون ولا يفعلون شيئا، وأنت تلومني إن اصبحت متطرفا أكثر، أهذا ما يرعبك؟!
أعتقد أن نظام بشّار الأسد يتبع خطة تقضي معاقبة المدنيين وإيذائهم؛ لجعلهم أكثر تطرفا، حتى يتسنى له لاحقا أن يدعي بأنه يحارب إرهابيين.
صورت طفلين يعملان في مشفى، وكنت أحاول إيجاد طريقة لإظهار الرعب الذي يدور هناك، دون التركيز كثيرا على القتلى والمصابين، أنا بطبعي أكره التصوير في المستشفيات، لكنّي كنت في حاجة للمشاهد التي تصور الطفلين، لأظهر التباين بين هذين الطفلين وغيرهم من يلعبون في الشارع.
رأيت محمد عسّاف بعمر 12 سنة، يعطي أوكسجينا إلى بنت صغيرة ممددة على نقّالة في مشفى دار الشفاء الدار بحلب، لقد صعقت لرؤية محمد لكنّي أدركت بأنني يمكن أن أروي القصة، من خلال نظرات عيونه المعبرة.
تبعته وعرفت أين ينام في المستشفى وسمع قصته، ردّ فعل الناس هنا في ألمانيا كان: لماذا يتركه والداه يعمل هناك ويتعرض إلى كم كبير من المشاهد المأساويةة؟، لكن محمد يقول إن عمله هو نوع من "الجهاد"، ليس الجهاد بمعناه التقليدي، لكنه الجهاد الذي يخفف عن الآخرين ويساعدهم، إنه يعمل بقدر طاقته الصغيرة في محاولة لجعل الأشياء تبدو بشكل أفضل، وهو يدعو عمله هذا "الجهاد الأصغر"، لذا –وببساطة- تركه أبواه ليمارس هذا الدور.
شقيق محمد بعمر 16 سنة، يعمل أيضا في المستشفى مع أبيهما، الذي كان ميكانيكيا قبل الحرب الأهلية، في البداية كان يتولى تهريب الدواء إلى المشفى وهو الآن يدير الصيدلية.
لمحت كذلك يوسف محمد (11 سنة) الذي كان يمسح بلطف وجه شخص مجروح، يوسف كان يتيما وكان يتردد على المشفى، حتى بدأ العمل واستقر فيه، لكن وبعد 3 أيام من تصويري يوسف كان الغلام يلفظ أنفاسه الأخيرة على سرير في المشفى!
كان عندي رحلات خطرة أكثر إلى سوريا، لكن المأساة في حلب كانت أشد حدّة، من قصّة محمد إلى مراقبة "اصطياد الجثث" وإخراجها من نهر قويق، لقد كانت مشاهد قاسية جدا، ومع أني رجعت إلى ألمانيا فما زلت أجد صعوبة في نسيانها.
ترجمة: زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية