أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثورة السورية بعد سنتين .. ما الذي حصل و ما المآل؟ ... فراس قصاص

بعد مرور عامين على اندلاع الثورة السورية و على عكس ما كان متوقعا ، لم يسقط النظام السوري و لم يلق مصير مثيليه في مصر وتونس ، صحيح أن السوريين حققوا تقدما مهما على طريق تفكيك سلطة بشار الأسد، فأفقدوه السيطرة على مساحات شاسعة من البلاد ،إلا أن الدمار الذي ألحقه النظام بالبنية التحتية في سورية وأعداد الشهداء والجرحى والمفقودين واللاجئين والنازحين التي وصلت عتبة مهوولة ، والتشوش الذي أصاب المشهد الثوري والعام في سورية ، ترك الوضع السوري في محنة بالغة . الغريب هو تحييد العامل الدولي الذي كان مقدرا له أن يكون أحد أهم عوامل قوة الثورة السورية ، ووقوف العالم دون إرادة حيال القمع والجرائم التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري ، و كأن الصورة الحية والموثقة، للتوحش الذي ضرب حياة السوريين بهذه القسوة ، أصبحت دون قيمة وبلا أي تأثير على ضمير الإنسانية شعوبا و إدارات سياسية ، و لا حتى استخدام الطائرات والصواريخ والأسلحة المحرمة دوليا ضد المدنيين أفرز ردود أفعال دولية حاسمة تنسجم و الفاصل التاريخي الذي تمر به البشرية في القرن الحادي و العشرين .

عوامل متعددة يمكنها أن تفسر الصورة المعقدة التي أحاطت بالحدث السوري ، أهمها تلك المرتبطة بكيفية إدارة القوى المنخرطة في الصراع الحاصل بين السلطة المستبدة التي تدافع عن استبدادها وفسادها من جهة، وبين الشعب الثائر من أجل حريته وكرامته من جهة أخرى ، ذاك العامل كان صعب التعيين في المراحل الأولى لانطلاق الثورة السورية ،لكنه أخذ يتضح و يظهر بآثاره وعلاماته الكثيرة المرافقة لتعثر انتصار الثورة الكامل طوال الاربع و العشرين شهرا الماضية .

بالنسبة للسلطة المستبدة التي بدت متكلسة وغير قادرة على تحقيق الاستجابة الصحيحة لمتطلبات اللحظة التاريخية التي تمر بها سورية عند اشتعال الثورة ، وعلى العكس مما دأب المعارضون السوريون قوله ، استطاعت أن تدير صراعها ضد شعبها بقدر عال من التخطيط والمنهجية والسياسة التي لا تنقصها المعرفة بمكامن القوة والضعف التي تحوزها ، و بالممكن والمتاح توظيفه لمصلحتها ، محليا وإقليميا ودوليا . محليا استدعت ما كانت قد كرسته من تناقضات ( دينية و مذهبية – اثنية ) في البنية الاجتماعية السورية واستفادت من هياكل الدولة الأمنية والعسكرية التي فصلتها على قدها السلطوي ، ومن شبكة المصالح المعقدة والماكينة البيروقراطية التي شيدتها طوال العقود الماضية . إقليميا استفادت من الوضع الجيوسياسي المعقد للمنطقة التي تنتمي إليها سورية ، وضمنت حياد العامل الإسرائيلي أو كسبته بتخويف الإسرائيليين من نظام سياسي قادم ،لن يستطيع أن يوفر الراحة التي ضمنتها هي لهم في الجولان السوري المحتل، إضافة إلى أنها أفادت من المحور الإيراني الذي تنتمي إليه ، سياسيا و عسكريا إلى الحدود القصوى . أما دوليا فقد وظفت خبرتها في تصنيع و استدعاء البيئة المناسبة لنشاط الجماعات الأصولية في إرباك الموقف الدولي من الحالة السورية و إدخاله في حالة القلق والانفعال بدلا من المبادرة و الفعل ، كما تنبهت بشكل مبكر لأهمية الدور الروسي ، ولاستياء روسيا من تدخل الناتو في ليبيا ،ولما اعتبرته خداع في تفسير قرار مجلس الأمن المتعلق بليبيا، فحركت السلطة السورية عددا كبيرا من أنصارها ودبلوماسييها في موسكو ،وأنشأت خطا ساخنا مع الروس ، وبنت لوبي داعم لها ، ثابرت من خلاله على تقديم سيناريو مشوه عن الثورة السورية ، عن أسبابها وداعميها وناشطيها و رهاناتها ونتائجها ، مستغلة هواجس روسية متعلقة بأمنها القومي وتمدد الغرب صوبها وانحسار مساحات نفوذها وتخوفها من الإسلام الأصولي وخبرتها السيئة من الثورات الملونة في محيطها وحساسيتها من احتمال اندلاع احتجاجات شعبية على أراضيها .

بيد أن النجاح الذي حققته السلطة المستبدة السورية لم يتوقف عند ذلك الحد ، بل وصل إلى أقصى ما يمكن ،حين عمدت إلى تقنين جرعات العنف والقمع الذي واجهت به المجتمع السوري لتزيد من كمه و نوعه بشكل تصاعدي مع استمرار الثورة ، بحيث يتحقق لها نتيجة لذلك هدفين مهمين لهما قيمة استراتيجية في صراعها الوجودي الذي تخوضه ، الأول تستدعي من خلاله عنفا ثوريا مضادا ( له شرعيته ) يزداد و تتعقد آثاره هو الآخر مع الوقت ، لتصل شيئا فشيئا بالوضع السوري إلى ما وصل إليه بالفعل، والثاني تتجنب به خدش الحياء الدولي وإثارة الضمير الإنساني بما قد يدفع لعمل عسكري دولي حاسم ضدها ، إذ أن الرأي العام الدولي الذي أمكنه أن يتقبل في الأيام الأولى للثورة السورية سقوط 5- 10 شهداء في اليوم ، صار يتقبل مع سياسة التقنين والرفع المتزايد لجرعات العنف سقوط 300 شهيد يوميا ووصول عدد الشهداء عتبة المائة الف شهيد ، الأمر الذي لو حصل في الايام الاولى للثورة لكانت اثاره مختلفة جذريا .

أما قوى المعارضة السورية التي تولت بشكل أوتوماتيكي دفة إدارة الوجه السياسي للثورة ، فلم تفشل فقط في مهمتها ،بل كانت عبئا حقيقيا على الثورة الشعبية وإعاقة موضوعية لها ، فقد كانت بنخبويتها وكتلويتها وانغلاقها الأيديولوجي وغياب علاقتها الأصيلة مع القيم الديمقراطية وبعدم ممارستها السياسة إلا بوصفها حديث في العام عن الديمقراطية والاستبداد وحقوق الإنسان ، و بعدم قدرتها على الانتقال من السياسة بوصفها خطاب نظري إلى حيث تصبح آليات وخطوط عمل على الأرض ،كارثة على الوضع الثوري في البلاد ، لم تستطع أن تتفاعل معه ولا أن تؤثر فيه ،فتركت الواقع الداخلي على العموم يتحرك محصلة لتفاعل معطياته و حيثياته الذاتية دون أن تتلافى الألغام (طائفية – اثنية – عشائرية ) التي عكف النظام على صنعها وتكريسها طوال العقود الماضية ، وعجزت رغم إدراكها لضرورة العامل الخارجي في انتصار الثورة ،عن الاستجابة لهذا الفهم بموقف واضح وحاسم من موضوع التدخل الدولي مع بداية قمع النظام للثورة ،ثم افتقدت حين حسمت موقفها في وقت لاحق ، للتقنيات السياسية المناسبة القادرة على التأثير في الإدارات السياسة للدول والضغط عليها من أجل دعم الثورة والانتصار لها ، فكانت محصلة موقف المجتمع الدولي من الثورة السورية نتيجة لدينامياته الذاتية ومحصلة لتفاعل مصالح أطرافه وتجاذباتها ،مضاف اليه نجاح النظام النسبي في اللعب على بعض الأوراق الإقليمية و الدولية و تسخيرها لمصلحته. و فوق كل ذلك دخلت هذه المعارضة في صراع مسف ومزر على الهيمنة فيما بينها فبددت هيبتها أمام شعبها وأمام العالم وبدت إمكاناتها في تقديم البديل السياسي الفعال عن الاسدية في سورية أكثر ضعفا .

إذن نجاح نظام بشار الاسد في ادارة صراعه مع الشعب الثائر المترافق مع فشل المعارضة في العمل على الوجه السياسي للثورة ،هو العامل الذي عقد المشهد السوري كثيرا و فاقم تداعياته وعظم تضحيات الشعب السوري الى هذا الحد ، لكن هل يعني كل ذلك أن الثورة ستفشل و ان النظام سيكسب المعركة على شعبه ؟

ليس من قبيل التعبئة النفسية ، و لا من قبيل التفاؤل المفرط و الاعتباطي ، تجزم هذه السطور بأن ذلك مستحيل ، لأن الثورة قد انتصرت بالفعل ،أولا بتغييرها العميق للإنسان السوري و سبل تعاطيه لشأنه و انخراطه في الاجتماع السياسي السوري وثانيا لإطلاقها جدلية صراع اجتماعي منتج ايا تكن اثاره و تداعياته مكلفة و صعبة و ثالثا لأن النظام السوري الذي يعاني من حت سياسي واقتصادي وعسكري وأمني متفاقم يفقد سيطرته على البلاد بشكل متزايد حتى أن سقوطه بات مسألة وقت ليس أكثر .

(124)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي