أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"غجر اللجوء" عشقوا الحرية ولم يثوروا على العبودية وأساؤوا لسمعة السوريين.!

حارة الغجر في دمشق

عرفوا دروب العبودية فابتعدوا عنها وجعلهم عشقهم للحرية يعيشون بعيداً عن التنظيمات البشرية المعتادة واختطوا لأنفسهم مجتمعاً خاصاً أًحيط عبر التاريخ بالكثير من الغموض والغرابة والخروج عن المألوف. إنهم الغجر أولئك الرحالة الظرفاء المنبوذون، من أكثر شعوب العالم غموضاً وعزلة عبر التاريخ، اختاروا منذ الأزل حلم الرحيل والهروب المتواصل دون تحديد الوجهة التي سيختارونها فالحنين إلى اللامكان واللازمان هو جوهر الحلم الغجري، ليس لدى الغجر وطن وعلى نقيض جميع البشر ليس لديهم حلم العودة إلى وطنهم الأصلي "الهند". . وغجر سورية اليوم يعيشون واقعاً مريراً لايختلف كثيراً عن واقع السوريين عموماً فالأماكن التي يعيشون فيها أصبحت هدفاً لصواريخ ودبابات وقذائف النظام وتشرد الآلاف منهم في الدول المجاورة لسورية كلبنان والأردن وتركيا والجزائر فدفعوا فاتورة اللجوء مثل غيرهم.

ورغم أن نسبة الغجر بشكل تقديري تمثل 0.5% إلى 1.% من تعداد سكّان سورية، إلا إن معظمهم لا يتمتّعون بأيّة جنسيّة وغير مسجَّلين كمواطنين سورييّن، ومعظمهم أيضاً رحّل ويسكنون الخيام البسيطة. وكان الغجر ولا يزالون مجتمعاً مغلقاً على نفسه لم يتعاطَ أبناؤه السياسة ولم يتقلدوا أية مناصب سياسية لأنهم كانوا يُعتبرون حرفاً ساقطاً من حسابات النظام السوري رغم أن شبابهم كانوا يُساقون لأداء الخدمة الإلزامية مثل غيرهم من الأقليات في سورية، و لم يكن لهم أي دور مشهود في الثورة السورية لأسباب غير معروفة رغم أنهم يكرهون العبودية ويعشقون الحرية وتعرضوا لما تعرض له السوريون من عسف وتنكيل وظلم واضطهاد وتمييز. 

"الغجر يصعدون إلى السماء" 
حي جـــورة الـعـــرائس الواقع إلى الغرب من مدينة حمص تتناثر على مساحته الجغرافية مئات البيوت العشوائية، التي تضم عائلات غجرية بأكملها تحول إلى أرض يباب بسبب القصف المستمر الذي تعرض له باعتباره ملاصقاً لحي بابا عمرو، ولتسمية هذا الحي الذي يقطنه الغجر قصة طريفة رواها لي كبار السن في الحي المذكور منذ سنوات ففي أواخر الخمسينيات من القرن الماضي اشتهرت فتاة من هذا الحي بجمالها الأخاذ ورقصها الفتّان فهام بها أحد وجهاء المدينة على طريقة الفيلم الشهير (الغجر يصعدون إلى السماء) تزوجها وبنى لها بيتاً وأسكنها هناك وسرعان ما تجمع حول هذا البيت غجر حمص من بني قومها فسُمي حي (جورة العرايس) الذي أصبح أثراً بعد عين الآن بسبب القصف الذي طاله مع أحياء الانشاءات وبابا عمرو المحيطة به من قبل جيش النظام ، وثمة رواية شعبية أكثر طرافة تقول: إن هذا الحي أخذ اسمه من عرائس الجن التي كانت تسبح بالقرب منه على ضفاف نهر العاصي -كما روى لنا العديد من أبناء هذا الحي – وكان أبناء هذا الحي من الغجر يزاولون مهنة الرقص والغناء في الحفلات الشعبية وتسمى الفتيات اللواتي يقمن بهذا العمل «الحجيات» ويطلق على هذه الفئة من الغجر تسمية «الريَّاس» وهم يعتمدون في معيشتهم على حرفة الرقص والغناء وخاصة النساء منهم بخلاف ما هو معروف عند «القرباط» الذين يحترفون النجارة (صنع الغرابيل) والحدادة وصبغ الأحذية وخاصة بالنسبة لصغار السن وتصليح الأسنان ولهم شهرة واسعة في هذا المجال. ورغم أن بعض الغجر القرباطية في جورة العرايس يرون أنه لا حظ لزواج النوري من غير النورية إلا أننا كنا نرى في بعض البيوت عروساً من الريف بل إن أحدهم متزوج من مصرية وآخر من جزائرية وهم يتقنون العديد من لهجات المغرب العربي والكثير من المفردات الفرنسية أما ممارسو مهمة الأفراح والذين يسمون الرياس فكانوا سابقاً على شكل فرق جوالة صغيرة تشاهدهم في مواسم عودة الحجاج وحفلات الأعراس والختان، آلاتهم الإيقاعية هي الطبل والدربكة والصنيج أما آلات النفخ فأهمها (الزرنة) وآلات العزف الوترية هي الربابة والبزق والعود وإن كان البزق هو سيد آلاتهم يبرعون فيه بما لا ينافسهم فيه أحد ومن أشهر عازفي هذه الآلة الفنان الغجري الكبير محمد عبد الكريم (أمير البزق) الذي أطلق عليه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب لقب «باغانيني الشرق»، لحّن عدداً كبيراً من الأغاني لمشاهير المطربين والمطربات العرب آنذاك ومنهم بدرية حلمي «راوية» عزيز شيحا - سعاد محمد - محمد غازي - ماري عكاوي - فهد نجار - نورهان - ياسين محمود - صباح فخري - هيام يونس - صالح عبد الحي - سهام رفقي - ماري جبران - أسمهان - فايزة أحمد - نجاح سلام - وللأمير مقام خاص به مسجل باسمه (مريوما) ومعزوفة الافتتاح للإذاعة السورية ويعتبر من المساهمين بتأسيس الإذاعة السورية والقدس والشرق الأدنى كما يعد أسرع عازف بزق في العالم حيث سبق له التنافس مع العازف التركي الشهير شنشلار وفاز عليه بالسرعة وتعتبر معزوفة محمد عبد الكريم (رقصة الشيطان) من أجمل معزوفات البزق على الإطلاق، غير أن هذا المجد الفني الطويل لم يشفع لأمير البزق في أن يعيش حياة كريمة في ظل نظام استبدادي يسعى بكل ما يملك لتسييد التفاهة وتهميش مظاهر الإبداع والتميز فمات محمد عبد الكريم في حي عين الكرش في بيته المتواضع ولم يترك سوى بيريه كان يضعها على رأسه وغلاية قهوة وعصاة يهش بها على غنم المرارات، وإمارة ثكلى تنوح على أمجاد الفن العظيم، وقد تسنى لكاتب هذه السطور أن يجري مع أمير البزق الذي كان حالة خاصة من الغجر المهمّشين حواراً نادراً قبل وفاته بسنة واحدة.

غجر اللجوء
كان الكثير من الغجر قبل اندلاع الثورة السورية يزاولون مهنة التسول لكن ضيق ذات اليد لدى السوريين وفقدان الأمن حرم هؤلاء الغجر من مصدر عيشهم الأساسي غير أن ظروف لجوء السوريين إلى بلاد الجوار دفعهم لركوب موجة الحاجة وأنعش رغبتهم في امتهان التسول فأعطوا صورة سلبية عن السوريين الذين لم يألفوا مثل هذه الأعمال من قبل. 

أمام الباب الجنوبي لمسجد المفرق الكبير كانت تجلس "أم نمر" مع ابنتها التي تعاني من المرض المنغولي قالت لنا: "لو عندي مال لما اخترت هذا العمل، يعني كويس أنو الناس بتطلّع علي وعلى بنتي على الرايحة والجاية" وتضيف بحسرة : "والله أكثر الأحيان بحط اللي بطالعوا كلو على أجرة البيت وعلى تسديد الديون وبنام بلا عشا" ، وعلى بعد خطوات من أم نمر تجلس متسولة غجرية أخرى تُدعى "أم حسن" وهي تردد بعض العبارات المعروفة في عالم المتسولين "الله يرزقك ... حسنة لوجه الله ... الله يخليك ... مقطوعة والله" قالت إنها من مدينة درعا وأنها فرت من جحيم الحرب الدائرة هناك، وعندما سألناها لماذا لا تلجئين إلى الجمعيات الخيرية قالت إن هذه الجمعيات لا تقدم لها المساعدة لأنها وحيدة "عم أشحد لأني بلا معيل عندي دزينة ولاد وما حدا عم يعطيني شي من الجمعيات شو بدي ساوي".

أطفال الغجر ضحايا التسول
لا تملك وزارة التنمية الاجتماعية في الأردن إحصائيات عن أعداد الذين تم ضبطهم من المتسولين الغجر القادمين من سوريا لأن كوادرها التي تقوم بحملات مكافحة التسول لا تسأل المتسولين عن جنسياتهم لمعرفة أعداد المضبوطين بجرم التسول من سواهم، غير أن أغلب الذين تم ضبطهم من هؤلاء هم من النساء والأطفال بحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة التنمية الاجتماعية الدكتور فواز الرطروط "يُمارس التسول من قبل فئتين من الناس الفئة الأولى هم البالغون الذين أعمارهم فوق الـ 18 سنة والفئة الثانية هم من دون الـ 18 سنة "وفيما يخص الفئة الثانية الأطفال يعتبر ضحايا التسول أو ممارسيه من الأطفال هم ضحايا محتاجين للحماية والرعاية وغالبية المضبوطين المتسولين –كما يقول د . الرطروط – من البالغين وعلى وجه التحديد الإناث. 

ويشير فارس الخزاعلة رئيس قسم الدفاع الاجتماعي في مديرية التنمية بالمفرق لـ "زمان الوصل" إلى أن عناصر مديرية التنمية الاجتماعية في محافظة المفرق ألقوا القبض خلال شهر كانون الثاني على 28 حالة تسول من بينها 5 إناث و10 حالات أحداث، لافتاً إلى أن كوادر القسم تواجه معاناة في عمليات التفتيش على أعمال التسول وخصوصاً ما يتعلق بضبط الأطفال على مواقع الإشارات الضوئية ومن دون أن يكون بحوزتهم بطاقات شخصية تسهل عمليات التعامل معهم، وأوضح الخزاعلة أن الحالات التي يتم ضبطها من المتسولين خلال الدوام الرسمي يتم تحويلها إلى الحاكمية الإدارية بهدف ربطهم بكفالات عدلية تمنع عودتهم إلى عمليات التسول مرة أخرى فيما يتم تحويل الأحداث إلى مركز (مأدبا) للمتسولين. 

فئة مهمشة ومنعزلة
محمد سعيد الطالب محامي وناشط إنساني يعمل في جمعية المركز الإسلامي الخيرية يرى أن الغجر -بكل المقاييس- لا يمثلون السوريين فهم فئة مهمشة ومنعزلة لا يحمل معظم أفرادها ما يثبت أنهم سوريون، إلا أنهم ككل الغجر فى أنحاء المعمورة لهم طبائع خاصة، فهم غير مندمجين فى المجتمع بجميع أطيافه، يعشقون حياة البداوة، وكانوا قبل الثورة السورية يتواجدون يمارسون الرقص والغناء في الموالد والأفراح الشعبية ويقومون بالتسول في أغلب الأحيان، كما اعتادوا التجارة وتهريب كل الممنوعات من سلاح ومخدرات.

وقد حاولنا كجمعية المركز الإسلامي نقل بعض أصحاب الخيام من الغجر في المفرق إلى شقق تأويهم ولكنهم لايريدون الانتقال ولا حتى العمل ويصرّون على التسول وممارسة بعض الأعمال المشبوهة وبالذات النساء الأمر الذى يسيء إلى اللاجئين السوريين فى هذه الظروف الصعبة والحرجة التي يعيشونها.

ويضيف المحامي الطالب: "إن هذه الظاهرة أساءت إلى السوريين الشرفاء الذين يتعرضون يومياً إلى ما يشبه حملة التطفيش في الأردن وبالمفرق بالذات، وهؤلاء الغجر لم يصلوا الأراضي الاردنية هرباً من الحرب كما يظن البعض، بل لأن الضائقة التي يمر بها الشعب السوري هناك منعت عنهم مصدر رزقهم، فاختاروا الهجرة إلى الأردن، ويشير الطالب إلى أن الغجر يرفضون أي مساعدة يقدمها اهل الخير لأنهم تعودوا على الكسب السهل، كما ألفوا السفر من دولة لأخرى لممارسة هذه المهنة، التي يحترفونها أينما كانوا عبر العالم، وقد وجدوا ضالتهم في ظروف اللجوء واستدرار عطف الأردنيين. 

فارس الرفاعي - المفرق (الأردن) - زمان الوصل
(134)    هل أعجبتك المقالة (202)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي