"ثورجية" آخر زمن والشيخ معاذ الخطيب مثالاً ..

أجوز لنفسي، وأنا من المسببين والمتأذين، البحث بما يسود الواقع الثوري، من مراهقات تدلل في معظمها، أن لا سبيل إلى من يرغب في دخول "جنة الثورة " والتمتع بفيئها النضالي، إلا أن يطرق باب الانتقاد دون أن يخلع نعليه، إذ يكفي أن تذمّ وتقدح أوتطري وتمدح، حتى ينالك منها حقّ «تبييض» ماضيك مهما كانت كثافة سواده وتكاثرت ملفّات فساده، أو أن تدخل باب الحرية والديمقراطية، اللتين خرجت لأجلهما، من أوسع أبوابهما، فيكفي أن تمهد لكتاباتك "كفانا عبادة للأشخاص" حتى يتهافت عليك الإعجاب، ويكثر في رصيدك المؤيدون والمتحالفون، ليكفلا تشكيل كيان جديد، يُضاف إلى "فطر التنظيمات الثورية" وقد يكون لك من "حكومة التكنوقراط " نصيب.
أما إن كنت من الاستراتيجيين أو الذين لهم مع "العلمانيين الجدد" صلة ووحدة مصير، فالحكاية هنا أسهل، فرأسمالك لا يتعدى بضع كليمات، شريطة أن تتضمن المال الخليجي، التعددية والأقليات، طبعاً وأخونة المعارضة، مادام إلباس الثورة عباءة الدين، نغماً يطرب حتى دعاة حل جينيف السياسي الذي لم يتجرأ أيٌ من مطلقيه، على فك طلاسمه وأحجياته.
الشيخ أحمد معاذ الخطيب، مثال على أن المنتقدين يؤثرون الحلم في اليقظة، علهم يكونوا فاعلين بأحلاهم، فتراهم في خضمّ انتقادهم، يتخيرون أحلاماً شفيفة، مليئة بالشهوات التي تعوي كذئاب جائعة للحم، ويحافظون على طبقة الجواب في انتقادهم، رغم تغيير قرارات ومواقف الشيخ الخطيب، بعد استخاراته وقبوله دعوات السوريين وغير السوريين
ألمح الخطيب لمعارضته تسمية حكومة واستبدالها بهيئة تنفيذية، فسعى "المعارضون " لمعارضته سعي الأجرب للحك، وانهالوا على "دقه إسفيناً في جسد المعارضة" هرشاً، فتراجع الرجل تحت ضغوط ومساع كثيرة، فعاود المعارضون ذاتهم لمطرقة النقد لأن القبول تمهيد للتقسيم والرضى "برجالات " الإخوان وأمريكا وقطر.
ألقى الرجل كلمة سوريا في قمة الدوحة، فانقسم المعارضون لفسطاطين، شطر رأى الخطاب عاطفياً روحياً يفتقر للكياسة والدبلوماسية والسياسة، والشطر الثاني قالوا إنه الأقرب للآمال والتعبير عن الآلام.
استقال الخطيب، فانهمر عليه المنتفضون كمطر بكانون، وبدؤوا بمرثيات وأناشيد ثورية، حول انهيارات لأحلام وإفشال لمشاريع. رجع الرجل عن الاستقالة، فعادوا أنفسهم "للمدح والذم" متناسين أنهم "كذبوا مرتين".
أعلم تخميناً ما قد ينبري إليه البعض بالقول الآن، إن في ذلك حرية تعبير، وما الانقسام في الرأي إلا حالة صحية ونغمة من نشيد الحرية التي افتقدناها، متناسين أننا في فترة مخاض وتحوّل عسيرتين، ومتصورين أنهم إذا تعاطوا باختلاف سينالون رضا من يدفعهم للعوم في بحر المثاليات، هؤلاء الذين لو أُتي بمحمد بن عبد الله"ص" ليقود الحالة السورية الآن، لوجدوا له ألف عيب ومستمسك، هذا إن لم أقل إن الحرية في أوطاننا كذبة كبرى تحكمها قدرة مروجيها على الإقناع بها، وما الذين يعتبرون أنفسهم أحراراً، إلا من صدقوا بحسب ما فيهم من أمل.
أما لماذا أحاول الوقوف دون التعبير عن حرية الرأي كما يخالون، فلأني أستشعر بمحاولات إجهاض حلمنا من خلال شقاقنا كسوريين، ولأني أشعر بخطورة الوقت من خلال يقيني بأنه لا يباع وإن خالياً من الأداءات الضريبية، وإن تأخر في واقعنا المأزوم، على أنه بضاعة فاسدة.
خلاصة القول: الأكيد، وإن كنت من مذهب"اللا أدرية" إلا أننا نريد من يشبهنا ويأكل وينام ويحلم مثلنا، نريد خلاصاً لنزيف الدم دون بيعه، نريد لسوريا أن تعود لنا لا علينا، ولا نريد زعماء من الهواء، يرون في الثورة ترضية للآخرين، نعبدهم ليعبدوهم، نمجدهم ليمجدوهم، نقبل بسوءتهم ليقبلوا بسوءاتهم، ويكذبون علينا فنصدقهم رغم أنوفنا ليصدقوا"الرعاة والممولين" دون أنوفهم، لأن ثمة وسطاً بين ما قام عليه السوريون من استبداد، وبين ما بعضهم عليه من انتقاد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية