أقول للمرة الألف أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية لن يقدموا أية مساعدات لتنصر الثورة السورية، وما لم يشعر الغرب إن الثوار يتراجعون فلن يقدموا شيئا فهم لا يريدون للثورة أن تنتصر، ولا يريدون لها أن تنهزم، فالمرحلة القادمة تقتضي تجميد المقاتلين في مواقعهم، فالقصر الجمهوري لن يسقط بيد الثوار حتى لو اضطرت أمريكا وإسرائيل إلى الكشف عن المساعدات السرية التي تقدمها للعصابة العلوية الحاكمة، وتعلن وقوفها مع هذا النظام علنا.
قد يبدو لكم هذا مستحيلا، أو هو من باب التكهنات، لكن الحقيقة هي إن الولايات المتحدة لديها حسابات أخرى ، فهي لا تريد قتل الناطور وإنما تريد سرقة عنب الثورة.
المعضلة التي تواجه الغرب ومعه أمريكا أن الثوار يتقدمون في ظل صيحات " الله أكبر" وليس تحت ظل المانشتات الديمقراطية، وهي على أية حال، وهم يعرفون ذلك جيدا، أنها ديمقراطية كاذبة كالتي جاؤوا بها إلى العراق، فمثل هذه الديمقراطية الشوهاء تقدم لهم إنجازين استراتيجيين، هما إبقاء سوريا على تخلفها وانعدام فاعليتها الحضارية ، والثاني الطمأنينة التي ستزجيها لإسرائيل في ظل حكم يبدو مظهره ديمقراطيا لكنه أشد ديكتاتورية من ديكتاتورية المقبور حافظ الأسد.
إلى أين نذهب؟
الجواب هو التالي :
الثورة ستنتصر، ولكن من المبكر أن نتحدث عن هذا الانتصار فالعصابة العلوية الحاكمة مدعومة من الشرق والغرب، ستقاوم بشراسة ولأشهر طويلة، وقد نجد أنفسنا بعد شهرين من اليوم، أننا مازلنا على خطوط التماس نفسها، لأسباب تتعلق برغبة أمريكية عربية مشتركة بعدم تجاوز هذه الخطوط.
صحيح أن المقاتلين على الأرض غير معنيون بهذا القرار، لكن الوقائع ستفرض نفسها، إما بوقف إمداد الثوار بالذخيرة التي تصلهم أصلا بكميات قليلة ومقننة، وإما بتقوية ترسانة العصابة العلوية.
إن المشهد ما قبل الأخير سيكون حصارا شاملا على دمشق من قبل الثوار، وسيطرة داخل دمشق للعصابة العلوية.
وهنا سنفترق، لكن تكون الأولوية حينها هي تحرير العاصمة، بل هي من هو الأول الذي سيضع قدمه داخل عتباتها، ومن المؤكد أن قتالا سينشب بين الفصائل المقاتلة على الأولويات ، سيذهب المقاتلون الإسلاميون باتجاه خوض المعركة حتى تحرير القصر الجمهوري، بينما سيتشبث الجيش السوري الحر ومعه فصائل مقاتلة أخرى بخطوط هدنة وهمية، بانتظار تنازل الديكتاتور أو هروبه أو مقتله .
في هذه الأجواء سيكون هناك سيناريو سياسي تم إعداده سلفا بعيدا عن سمع وبصر المقاتلين على الأرض، وقد نوه به عدد من الكتاب الأمريكيين، وهو سيناريو تم إعداده بالتوافق بين الولايات المتحدة وشركائها وبعض العرب القادرين على التأثير.
إن أحد أكثر مفاصل هذا السيناريو وضوحا هو التفاوض على إقامة حكومة إنقاذ وطني يشارك فيها بعض أعضاء النظام من السياسيين وبعض العسكريين الذين ظلوا خارج دائرة الاتهام بجرائم الحرب وسفك الدماء، وستكون على رأس مهام هذه الحكومة جمع السلاح من يد المقاتلين، الشيء الذي لن تقبل به الفصائل المقاتلة المحسوبة على الإسلاميين، وبالتالي فإن الاقتتال بين الفصائل الثورية الإسلامية والجيش السوري الحر أمر يبدو انه واقع لا محالة.
هل ستنقسم سوريا على هذا الأساس، أي أن مناطق يسطر عليها الإسلاميون ومناطق أخرى تسيطر عليها حكومة الإنقاذ الوطني؟
سؤال يبدو معقولا حسب السيناريو الذي أعدته الولايات المتحدة وشركائها لما بعد بشار الأسد.
ماهي المنجيات من هذا الوضع الذي سيدمر ما تبقى من سوريا؟
الإسلاميون لن يقبلوا بكذبة الديمقراطية، فهذه المسألة بالنسبة إليهم محسومة عقديا، وحكومة الإنقاذ لن تقبل بوجود إسلاميين مسلحين على الأراضي السورية وهذا أمر بديهي
هل ثمة حل وسط؟
قد لا يكون اجتهادي في رؤية حل وسطي واقعيا، ولكنه قد ينقذ البقية الباقية من سوريا، وهو يقوم على احتواء الكتائب الإسلامية المقاتلة بخطوتين، ضم هذه الكتائب إلى الجيش السوري الجديد، وإعلان واضح من حكومة الإنقاذ الوطني بأن سوريا دولة عربية إسلامية، نظامها ديمقراطي تعددي من المؤكد أن عبارة " سوريا دولة عربية إسلامية" مخيفة للكثيرين، أن تكون سوريا دولة عربية إسلامية هو بمثابة ألقاء قنبلة في غرفة مليئة بالأواني الزجاجية، لكن يجب أن نلحظ أن هذا الإعلان ليس دستوريا، ولكنه بمثابة رشوة مؤقتة للإسلاميين، إلى إن تستتب الأمور وتجرى انتخابات برلمانية ورئاسية حيث يمكن بعدها وضع دستور جديد للبلاد يعطي لكل ذي حق حقه...
قد لا يرضي هذا الحل الكثيرين وهو أمر طبيعي، ولكنه أفضل من قتال دموي يستمر لعشر سنوات قادمة .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية