أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معارضة تيتي تيتي

ليس من السهولة الاختيار بين الصمت والكلام فيما يخص شؤون المعارضة وشجونها في سورية، خاصة مع وجود حساسية عالية بين قواها وتياراتها السياسية، فإذا انتقد المرء موقفاً أو سلوكاً ما يخرج عليه ألف معترض ليقول: "ليس الآن، المطلوب حالياً حشد الصفوف لإسقاط النظام"، وإذا سكت يخرج عليه أيضاً ألف معترض ليقول: "أنتم بصمتكم مشاركون في كل شيء، ولولا صمتكم لما حدث ما حدث".

في المحصلة لا يمكن لنقدٍ ما أن يؤدي إلى تهديم ائتلاف أو مجلس أو هيئة ما، خاصة إذا كان النقد ينطلق من باب الحرص على قيام هذه التشكيلات بأداء أفضل. والحكيم هو من يستفيد من النقد أياً كان، وهو أيضاً من يؤمن بأنه ليس هناك مركبة بإمكانها السير دون أن ترمي خارجها كل ما يعيق حركتها السوية ويشوِّهها.

لم يعد مقنعاً أبداً القول أن المعارضة لم تمارس السياسة في الماضي ولذلك كانت أخطاؤها كثيرة، خاصة بعد مرور عامين على الثورة، فالأطفال السوريون تعلموا الكثير خلال هذه الفترة. ثم إنه ليس من الحكمة أبداً تسليم أمور السوريين في هذه اللحظة إلى من يتعلمون ويتدربون ويجربون.

كان يمكن للحوار الجدي والعميق داخل التشكيلات السياسية، وفيما بينها، أن يقدِّم نتائج توافقية حول الكثير من القضايا الخلافية، لكنه لم يحصل، فقد كانت اللحظة السياسية، على ما يبدو، ضاغطة على أعصاب الجميع إلى الحد الذي نظروا فيه للحوار السياسي بوصفه ترفاً. ولذلك اختزلت الممارسة السياسية إلى مجرد شعارات ولقاءات مع السفراء ومقابلات إعلامية هزيلة، وفي ضوئها تشكلت استقطابات وخلافات سطحية وساذجة وغير مفهومة أحياناً حتى من أصحابها.

في غياب الحوار، كان هناك استسهال في تحديد الموقف تجاه أي حدث بسرعة وببساطة، ولا مسؤولية طاغية في التصريحات واللقاءات الإعلامية. وحتى اللحظة لم يجد النجوم الإعلاميون مرآة ينظرون فيها كي يسألوا أنفسهم فيما إذا كان أداؤهم صحيحاً أم لا. على العكس هم مستمرون ولا يشعرون أنهم بحاجة للحظة تأمل.

كان يمكن أيضاً للاقتناع بكلمة "مؤقت" أن يخفِّف الكثير من مشاكل المعارضة. فلو اقتنع الجميع، قوى وأفراداً، أن كافة التشكيلات السياسية القائمة مؤقتة، وأن المرحلة القادمة ستعيد ترتيب واصطفاف القوى السياسية والبشر، لكان من الممكن التعامل بهدوء مع معظم الإشكالات المطروحة، والمساهمة في تخفيف حدة التوتر والتنافس السلبي.

اليوم تطرح مسألة جديدة قديمة، إعادة هيكلة الائتلاف، وكانت العملية ذاتها قد طرحت فيما مضى في مرحلة المجلس الوطني وتمخضت في المآل عن ولادة الائتلاف. المشكلة لم يبقَ في جعبة قواميس اللغة من مسميات للتشكيلات السياسية فيما لو تمخضت إعادة الهيكلة الجديدة عن مولود سياسي جديد.

استمرت عملية إعادة الهيكلة آنذاك ستة أشهر، وكانت نقاشاتها منصبة على القضايا التقنية والتنظيمية وتوزيع المقاعد فحسب، فيما كانت القضايا السياسية غير موجودة على جدول أعمالها. ولذا كانت فترة ضائعة ومجانية لم تقدِّم شيئاً سوى إضافة شخصيات جديدة لساحة المعارضة المليئة بالفوضى. هل يمكن أن نحصل على نتائج مختلفة هذه المرة؟

بالتأكيد لا. الغباء هو فعل الشيء نفسه مرات عديدة بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها والأشخاص أنفسهم وانتظار نتائج مختلفة. والوهم هو الاقتناع بأنه يمكن إعادة البناء بالأدوات ذاتها والأشخاص أنفسهم الذين فشلوا أو خربوا، تماماً كما حاول النظام نفسه إقناعنا أن "الإصلاح" سيكون بأولئك الفاسدين أنفسهم الذين نهبوا وخربوا الاقتصاد أو فشلوا في إدارته.

لا يتعلق الأمر بالائتلاف والمجلس فحسب، بل بكل تشكيلات المعارضة. إذ لا تزال هيئة التنسيق الوطنية حتى اللحظة تغرد وحدها ومصرة على التعامل مع ما يحدث في سورية وكأنه يحدث في سنغافورة، حتى تحولت في أحسن الأحوال إلى منظمة حقوق إنسان تعمل في سويسرا. هذا الخطاب السنغافوري يندِّد اليوم باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية من قبل أي طرف كان!، ولا يزال ينادي بوحدة المعارضة بالطريقة ذاتها التي لم تنتج إلا المزيد من البعد بين أطرافها.

كانت هيئة التنسيق الوطنية تكرر دائماً أنها حريصة على وحدة المعارضة، ولكن كيف تجلى ذلك؟ معنى الوحدة في قاموس الهيئة هو الدخول للهيئة، أو التسليم لها بأنها تمثل "معارضة الداخل" أو التنسيق مع الأطراف الأخرى تحت سقف الخطاب السنغافوري للهيئة. البلاهة هي أن تستمر في الشيء نفسه وتتوقع نتيجة مختلفة، وأن لا تقتنع بأن هناك ضرورة لتغيير نفسك أولاً.

وكذا المنبر الديمقراطي الذي تشكل هو الآخر من أجل وحدة المعارضة وليقوم بدور الجسر بين أطرافها، لكنه تحوّل تدريجياً إلى طرف جديد حريص على اسمه وعنوانه وحسب، وعندما تحول إلى طرف لم يقدِّم رؤية جديدة مغايرة وأساليب مختلفة عن ما هو موجود.

في الحقيقة، لم يعد السوريون ينتظرون شيئاً من كل المعارضة، فقد عجنوها وخبزوها مراراً وتكراراً. إنها معارضة تيتي تيتي .. متل ما رحتي .. متل ما إجيتي!

مقال خاص لـزمان الوصل ينشر كل خميس
(94)    هل أعجبتك المقالة (88)

Aadel Kudsi

2013-03-28

نعم أنت على حق. هم يتكلمون عن الديمقراطية ولكن ما يهمهم هو مكانتهم السياسية. بينما يعملون على التحضير لمناصبهم بعد سقوط الأسد الشعب يموت. لا بارك الله بهم. بالمناسبة: يسقط معاذ الخطيب الذي حاول إفشال القمة في الدوحة..


أيوب سالم

2013-03-29

جميلة جداً هي كتاباتك أستاذ حازم لكن بالله عليك إن توحدوا وإن لم يتوحدوا ماذا بستطيعون العمل؟ إن أمريكا تريد استنزاف سوريا وإيران وكل هذا المحور ولابأس إن كانت روسيا معهم، وكذلك تريد روسيا استنزاف سوريا وإيران ليكونوا أكثر طواعية وحاجةً إليها. ودول الخليج تعتقد بأنها تحارب الفرس في سوريا وتستنزفهم ونفس الشيئ ينطبق على إيران في حربها ضد دول الخليج وفق معتقد طائفي, أمريكا تستفيد كذلك من مبيعات زائدة للأسلحة لدول الخليج وتركيا ونفس القول ينطبق على روسيا بعلاقتها مع سوريا وإيران. أضف إلى ذلك بأن الروس يأملون جر أمريكا للتفاوض بأمور مصالحهم في العالم سواء في المنطقة بحد ذاتها أو مناطق جنوب روسيا وصولاً إلى كوريا الشمالية وكويا وربما مصالح أخرى في أفريقيا بعدما خسروا حلفائهم في مصر وليبيا والعراق وأفغانستان وموزامبيق وأنغولا ودول الكتلة الشرقية كلها بما في ذلك يوغسلافيا سابقاً وحلمهم في إعادة تقاسم الكرة الأرضية. ليس لدى أمريكا ماتعطيه للروس سوى حرصهما معاً على الجندي المتقدم أسرائيل. وحدهم السوريون من يدفع الثمن من دمائهم وأملاكهم، حتى أن بشار الأسد ليس إلا دمية بيد الروس بشكل رئبسي تورط في لعبة الدم ولايعرف كيف يخرج منها، فصار أسيراً لديهم ومصيره رهناً بهم. ماذا على المعارضة أن تفعل ؟ طبعاً إن توحدت أفضل، لكنها كيف ستدخل لعبة الدول لتكون فاعلةً ومؤثرةً أكثر؟.


قرميط عبد الله

2013-03-29

سيدي المحترم ارجو ان لايضيق صدرك من قارئء عربي لا يعجبه كلامك احيانا لكنه يقرأ لك دائما .. ويحترمك دائما .. مايربطني بالسوريين وثورتهم , اساتذة عظام تعلمت علئ ايديهم في حقبة السبعينيات , لن أنساهم ابدا .. سيدي ماقلته هذه المرة صحيحا وواقعيا .. فالمعارضة السورية المحترمة هي التي أخرت مجيء النصر او على الاقل شاركت بقسط كبير في تاخيره .. بين كل معارض ومعارض هناك شخص اخر معارض .. لا يطيقون بعضهم ولايعجب بعضهم بعضا .. قام اطفال درعا الجريحة بثورة لم يستشيروا فيها احدا .. واجابهم الاهالي بعفويه تستثيروا العجب .. وانطلق النهر الهادر في طريق لم يسلكها من قبل .. ولو كان يعرف طبيعة الطريق لوقف طويلا طويلا , ولكان لسان حاله يقول ..وطيء لرجلك قبل الخطو موضعها.. لكنه بسذاجة مميتة تقدم كما تتقدم كل الشعوب عندما تكون في مفرق الطرق مع التاريخ .. وكان ما كان .. سيدي المحترم كل هؤلاء الذين انطلقوا في ثورة لم يعرف لها التاريخ شبيها وقدموا مالم تقدمه امة في سبيل ثورتها .. اقول كل هؤلاء غابوا او غيبوا عن المشهد .. بل هم اليوم في المطحنة تهرس اجسادهم الطرية .. وتقدم آخرون اكثرهم من الخارج وثلة من الداخل .. وراحوا يتذاكون على الدنيا مدعين انهم محترفي معارضة وهي منهم براء.. الكل يعارض الكل.. والكل لايقبل راي الكل.. والكل يفهم في السياسة والكل غيره لايفهم .. حتى اصبح الحليم حيران في امر هذه المعارضة التي لم ولن تشبهها معارضة على مر التاريخ .. اعطوا الذرائع للعدو كي يضرب دون هوادة واعطوا لمدعي الصداقة ثغرة قطرها كمساحة الارض لكي يتذرعوا بها عن كذبهم ونفاقهم المفضوح .. سيدي المحترم ومن قال لك اصمت عن هؤلاء , فوالله لو لم تتكلموا الان لندمتم على الصمت طول حياتكم , فهذه المعارضة لا تبشر بالخير فكلما ترقع شق . تمزقت شقوق اخرى.. ..ويحضرني مثل جزائري .. أن الابر لا تصر في منديل واحد.. وكلمة تصر يعني تجمع.. لقد غاب عن المشهد رجال حملوا أ معاءهم بين ايديهم وتقدموا الى الموت . كما يتقدم الجائع الى قصعة الطعام .. وظهرت الى العلن اشباه معارضة اغلب افردها يتغنى باغنية نجاة الصغيرة .. ما احلى الرجوع اليه.. او انا المعارض او لا احد .. مثل ماقال اشباههم .. الاسد او لا احد.. نعم انا غاضب منهم ومملوء غضبا وحنقا .. ويعطيني الحق على ذلك انني عربي ومسلم واحب هذا الوطن لان حبه ليس عروبة فقط بل حب عقيدة مثل محمد والقرءان وكل شيء مهم في عقيدتنا .. لذلك سيدي المحترم اطلب منك ومن جميع المثقفين الاحرار ــ الذين لا أتفق معهم أحيانا ــ ان تقفوا وراء هذه المعارضة..التي لادري كيف انعتها .. بالنقد القاسي وحتى الجارح .. وترشدوها الى الطريق .. وتبصروها بهذه الطرق الرعناء التي يسلكونها والتي في احسن الاحوال اضحكت الصديق علينا واثلجت قلب العدو المارق .. وتقبلني سيدي الكريم قارئء لك منذ زمن وليس الان .. رحم الله شهداء سوريا اولائك هم المعارضة حقا ...


عبدالغني صباهي ابومحمد

2013-03-29

إما آن نمسك باالسلطة وآما الحرب الآهلية!!! الآخوان المسلمين!!! آذا حصلت حرب آهلية بسوريا.. وحرب بين الجيش الحر.. والجيش الحر.. فآعلم آن السبب الآخوان المسلمين .. والآخوان لن يتركو آطماعهم في السلطة حتى يكملو تدمير سوريا ويفشلو الثورة.. آرجو من الجيش الحر وقياداتهم الشرفاء وجميع الثوار.. آن يعملو على سحب السلاح من كل كتيبة ولواء يتبعو للآخوان .. حتى نقطع الطريق على هذه الحرب.. وتنجح ثورتنا.. الآخوان تدعمهم آمريكا باالمال والسلاح.. وهم متفقين معهم على كل شيئ .. لاتتهاونو بهذا الموضوع.. لن ينفع الندم.....


قاسم

2013-03-29

استاذ حازم نهار لاشك بانك كاتب ننتظر رؤيته وكلامك سليم عن المعارضة الهزيلة امام مدافعين عن كرامة الوطن اعمارهم 16 ربيعا في شمال وجنوب البلاد ولكن لدي ملاحظتين والاولى باختصار المقالات لان ايقاع الحياة اسرع من المقالات الطويلة وثانيا غيابك عن الاعلام من فضائيات ووفيس بوك وتويتر وهذا الغياب لايسمح للاخرين بقراءة افكارك تجاه الاخداث الساعية المتلاحقة ... وتقبل مروري.


أبوشاكر الديمقراطي

2013-03-30

لا يعجبني منطق إطلاق النار على الجميع وفي كل الإتجاهات والتي ينتهجها الكاتب في مقاله ، على سبيل المثال ينتقد الكاتب هيئة التنسيق الوطنية لأن خطابها سنغافوري حسب تعبيره ، والسبب هو أنها تندد باستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل أي من الطرفين ، أظن أن الكاتب لا يدري أن المعارضة المسلحة استخدمت السلاح الكيماوي في خان العسل في حلب ، يمكن التأكد من ذلك بقراءة التحقيق الميداني التي قامت به القناة الرابعة البريطانية والتي توصلت إلى أن المعارضة المسلحة قامت بتصنيع قنابل كميائية بدائية من الكلور بعد أن إستولت على معمل للكلور في حلب وضربت به حي خان العسل المؤيد للنظام ذو الغالبية العلوية والمسيجية التقرير موجود هنا : http://blogs.channel4.com/alex-thomsons-view/searching-truth-debris/4444 ، كما أن الكاتب يهاجم هيئة التنسيق لأنها تطالب المعارضةبأن تتوحد تحت راية هذه الهيئة ، هذا الزعم لا يبدو صحيحاً ولا دليل عليه ، فالخلاف بين الهيئة وباقي فصائل المعارضة المنضوية تحت راية الإئتلاف الوطني هو خلاف فكري وسياسي عميق ، بالمناسبة أنا عندي مآخذ كثيرة على هيئة التنسيق لكني أراها أفضل الموجود حاليا بين فصائل المعارضة.


يونس قاسم

2013-03-31

الدكتور حازم النهار ،لك الحب والتقدير على هذا الكلام ،وشعبك بجاجة لك ولأمثالك فإلى الأمام . لا يتعلق الأمر بالائتلاف والمجلس فحسب، بل بكل تشكيلات المعارضة. إذ لا تزال هيئة التنسيق الوطنية حتى اللحظة تغرد وحدها ومصرة على التعامل مع ما يحدث في سورية وكأنه يحدث في سنغافورة، حتى تحولت في أحسن الأحوال إلى منظمة حقوق إنسان تعمل في سويسرا. هذا الخطاب السنغافوري يندِّد اليوم باستخدام الأسلحة الكيماوية في سورية من قبل أي طرف كان!، ولا يزال ينادي بوحدة المعارضة بالطريقة ذاتها التي لم تنتج إلا المزيد من البعد بين أطرافها. كانت هيئة التنسيق الوطنية تكرر دائماً أنها حريصة على وحدة المعارضة، ولكن كيف تجلى ذلك؟ معنى الوحدة في قاموس الهيئة هو الدخول للهيئة، أو التسليم لها بأنها تمثل "معارضة الداخل" أو التنسيق مع الأطراف الأخرى تحت سقف الخطاب السنغافوري للهيئة. البلاهة هي أن تستمر في الشيء نفسه وتتوقع نتيجة مختلفة، وأن لا تقتنع بأن هناك ضرورة لتغيير نفسك أولاً. وكذا المنبر الديمقراطي الذي تشكل هو الآخر من أجل وحدة المعارضة وليقوم بدور الجسر بين أطرافها، لكنه تحوّل تدريجياً إلى طرف جديد حريص على اسمه وعنوانه وحسب، وعندما تحول إلى طرف لم يقدِّم رؤية جديدة مغايرة وأساليب مختلفة عن ما هو موجود..


التعليقات (7)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي