سنقتل نساءهم حتى لا يلدن كلاباً أكثر وسندمّر قراهم... "أنجيل" يروي شهادة نادرة من قلب عالم الشبيحة

بين.. "نعم، نحن نقتل نساءهم، وسنقتل كلّ نسائهم حتى لا يلدن كلاباً أكثر"، و.. "لاتشكرنا بل اشكر الله وحده فنحن عباده"، عاش مراسل شبكة "إن بي سي" الأمريكية ريتشارد أنجيل ما وصفه بالكابوس في سوريا، حيث تم اختطافه أواخر كانون أول الفائت من قبل مجموعة شبيحة تابعة لنظام بشار، وعانى أياماً عصيبة من التهديد بالتعذيب والقتل، قبل أن يتم تحريره على أيدي الجيش الحر.
وعلى صفحات مجلة "فانيتي فير"، نقل "أنجيل" شهادة شخصية نادرة من قلب عالم الشبيحة وكيف أن متعلميهم والحائزين على شهادات جامعية، لا يرعوون عن التورط في أعمال الخطف والقتل المبنية على أساس طائفي مقيت، وأنهم يهتمون بالإيرانيين ومقاتلي حزب الله أكثر من اهتمامهم بأي سوري آخر.
اقتلني ودعهم يذهبون
بدأت معاناة "أنجيل" وفريقه الصحفي، بعد فترة قصيرة من انطلاقهم داخل الأراضي السورية برفقة مجموعة من الجيش الحر، حيث لم يلبثوا أن فوجئوا بكمين نصبته مجموعة كبيرة من الشبيحة.
لم يتوانَ الشبيحة وفق رواية "أنجيل" عن تصفية واحد من أفراد الجيش الحر سريعاً، استجابة لأوامر قائد المجموعة "أبو جعفر"، الذي كان يهدد بين الفينة والأخرى بقتل أو إيذاء الطاقم الصحفي، ما دفع قائدا ًفي الجيش الحر (كان برفقة الصحافيين وتم اختطافه معهم) إلى الصراخ في وجه أبو جعفر: هؤلاء الناس صحافيون. ليس لهم علاقة بالأمر.. أنا المسؤول، اقتلني ودعهم يذهبون.
رد أبو جعفر كان قاسياً مهدداً بحرق القائد "عبد الرزاق"، لكنه لم ينفذ تهديده، لأنه بالأصل خطف كل المجموعة لمبادلتها على 4 إيرانيين ومقاتلين اثنين من حزب الله، تم أسرهم من قبل مجموعة "عبد الرزاق"، وهو ما أفصح عنه "أبو جعفر" مؤكداً أن جاسوساً تابعاً للشبيحة هو الذي وشى بالصحافيين ومرافقيهم لدى دخولهم من منفذ باب الهوى، وهو ما ساعد الشبيحة على نصب كمينهم.
يصف "أنجيل" الغرفة التي احتجز بها مع رفاقه من طاقم "إن بي سي"، بأنها كانت مطلية باللون الأخضر، وعلى جدرانها رسومات تمجّد بشار الأسد، إلى جانب الإمام علي!، وتبرز سيف الإمام المعروف بـ"ذو الفقار".
وفي هذا المكان الذي تعبر رسومه عن الارتباطات الحقيقة للشبيحة، صرخ "أبو جعفر" في وجه الصحافي "ريتشارد أنجيل"، بلغة فيها من التحدي والحقد الشيء الكثير: تقول أنكم صحافيون.. أتيتم هنا للكتابة بأننا نقتل الأطفال وأنه ليس هناك خبز وأن الناس تعاني؟.. هذه بلادنا، نعم، نستعمل قنابل عنقودية ونقتل أطفالهم.. نعم، نقتل نساءهم، وسنقتل كلّ نسائهم حتى لا يلدن كلاباً أكثر، سندمر قراهم. ولن نترك شيئاً،سنحرق البلاد.
ويعلق "أنجيل" على ما سمعه قائلاً: سمعت عبارات للشبيحة من قبل، أثناء مشاهداتي لمقاطع مصورة على الإنترنت، لكنّه لم يسبق لي أبداً أن سمعت مثل هذا الكلام الوقح المفرط في قبحه.
وبعد أن أفرغ "أبو جعفر" ما في صدره، تبدّلت لهجته قليلاً، حيث طلب من "أنجيل" وطاقمه أن يجلسوا قبالة الكاميرا، ويسجّلوا مقطعاً يعرّفون فيه عن أنفسهم، ثم يطالبون بلادهم (الولايات المتحدة) بالخروج من سوريا.
هدية
بعد أن حصل أبو جعفر على مراده بتصوير رهائنه الأمريكيين، عاد لممارسة هوايته في التعذيب النفسي وإطلاق التهديدات، طالباً من مترجم كان مع الرهائن أن "يحزروا" من سيحصل منهم على "هدية"!
هدية كانت الكلمة التي يكررها "أبو جعفر" كثيراً، ويعني بها طلقة قاتلة أو جرعة تعذيب، لقد كان هذا الشبيح حسب وصف "أنجيل" رجلاً متناقضاً، قدّم نفسه على أنه شاب بعمر 28 سنة، وأنه درس الهندسة الزراعية، وكان من عشاق المسرح، وكتابة الشعر.. لكنه على أي حال بقي "أبو جعفر" الذي لم يتردد عن ممارسة كل أعمال القتل والخطف، في سبيل إبقاء الحكم الطائفي لبشار.
تبين فيما بعد للرهائن أن المتعجرف "أبو جعفر" ما هو إلا مسؤول صغير يأتمر بمن هم أكبر منه، ويخاطبهم صاغراً بعبارة: حاضر سيدي، حيث تم نقل الرهائن إلى شبيح أثقل وزناً يدعى "أبو يعرب"، وهناك كانت ظروف الاحتجاز أقسى، حيث تم تقليل كميات الطعام والماء، فحصل الرهينة الواحد على تفاحة واحدة طيلة 24 ساعة، بينما لم يُعطَ أي منهم جرعة ماء طيلة 30 ساعة.
وفي الليلة الخامسة من احتجازهم، وفي جو بارد، فتح الباب على الرهائن وأخبرهم "أبو جعفر" أنه سيتم نقلهم إلى الفوعة، (بلدة في محافظة إدلب، يقطنها سكان من الطائفة الشيعية).
وبمجرد سماعه اسم "الفوعة" بدأت الهواجس تثور في نفس "أنجيل" حول مصيره ومصير زملائه، قائلاً: حزب الله في الفوعة.. إذ تم تسليمنا لهم هناك، فلا أمل في تحريرنا مطلقاً، وربما سنحتجز سنوات على أفضل تقدير، قد نحجز في زنزانات محكمة الإغلاق، وقد ننقل جواً إلى طهران أو بيروت أو دمشق..
لكن صوت أبو جعفر وهو يقول ساخراً "مع السلامة" قطع على "أنجيل" تفكيره وهواجسه، وكان على الجميع أن يصعدوا في السيارة المتجهة نحو الفوعة، برفقة "أبو جعفر" وسائقه.
فجأة وبعد دقائق، داس السائق على مكابح السيارة بقوة، صارخاً: حاجز، حاجز، وترجّل بسرعة حاملاً رشاشه ومطلقاً رشقات متتالية من الرصاص، وفي هذه اللحظة التفت "أنجيل" إلى أحد زملائه، مخبراً إياه بأن الوقت مناسب للإفلات من الشبيحة، وهكذا كان حيث ركض الاثنان مستغلين وقوع الاشتباكات، وأصبحا طليقين.
لكن "أنجيل" سرعان ما بوغت برجل ذي لحية طويلة يعتمر عمامة، يسأله: من أنت؟، فأخبره "أنجيل" أنه هو وزملاؤه مجرد رهائن، ثم لما تبين له هدوء الرجل واتزانه، خاطبه بلهجة عربية ضعيفة: أنتم من الجيش الحر، فأجابه الملتحي: نعم، وعلى الفور تم حل وثاق "أنجيل".
غمر الفرح الصحافي الأمريكي، وتوجّه بالشكر إلى قائد المجموعة التي حررتهم، فرد عليه: لا تشكرنا بل اشكر الله، فنحن عباده.
ثم يروي "أنجيل" كيف رأى بعد هدوء الاشتباكات جثة سائق أبو جعفر، ورأى كذلك "أبو جعفر" وقد تسلم "هدية مناسبة"، حيث تلقى رصاصة أردته قتيلاً.
نجح الثوار في تحرير معظم الرهائن إلا سائق عبد الرزاق الذي قتل فور اختطافهم، وعبد الرزاق الذي وجدت جثته بعد أيام وقد تم إعدامه ميدانياً على أيدي الشبيحة، بعد أن أدركوا فشل خطتهم لتحرير 4 إيرانيين إلى جانب اثنين من مقاتلي حزب الله.
ترجمة: زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية