أكثر ما يزعج في الجدال الذي تلا مقتل البوطي هو أنه تركز على القضايا الأقل إثارة للجدل، وتجاهل إلى حد كبير النقطة الأهم في الحدث برمته ..
هناك اتفاق على أن الرجل كان عضوا في حاشية طاغية مستبد، وفي الواقع لا يوجد أقسى من هذا الحكم على البوطي ..
ولا شك أيضا في أن النظام السوري قد يكون هو القاتل، فهذا النظام مستعد لفعل أي شيء ليبقى في السلطة .. المشكلة الحقيقية لم تكن في كل هذا، بل في بقية الضحايا الذين قتلوا مع البوطي، الذين كان موتهم هو دور الكومبارس الأخير في حياتهم، أولئك الذين لا تسبق أسماءهم المجهولة تماما بالنسبة لنا وصف رجل دين، وسطي، معتدل، مستنير، أو شبيح أو موالي، الذين لم يسأل أحد عن موقفهم من النظام أو الثورة، ولم يستشر أحد أيا من 'العلماء الأفاضل' ليعرف الحكم الشرعي في الترحم عليهم ..
المزعج فعلا، أن يمر موت هؤلاء بنفس البساطة التي سقط فيها سبعون ألف شهيد سوري حتى الساعة، بنفس الصمت والتجاهل .. الواقع أنه من أجل هؤلاء بالذات قام السوريون قبل سنتين بثورتهم، قاموا لكي يقولوا أن حياة البشر أكثر بديهية من إرادة الحاكم، وأن حريتهم هي الأصل، لا إرادة الحاكم المطلقة..
هنا بالذات هناك شيء مهم لافت للانتباه: هو أن المقتول وكثير من الشيوخ الذين برروا قتله يجمعهم موقف واحد، موقف ينتمي للماضي، ماضي الاستبداد بكل تلاوينه، ماضي ما قبل الثورات العربية: هو تحريم الخروج على الحاكم الجائر .. يبدو أن بعض المفاهيم لا تتغير بسهولة، حتى مع كل هذا الدم والموت، إنهم لم يدركون بعد أن هناك ثورة في سوريا، من اجل الحياة والحرية .. إن مسألة حياة الناس وحريتهم ليست في الأساس جزءا من خيارات الحاكم، أو أي شخص آخر، هذا ليس فقط حقا بديهيا مفترضا إنه حق أصبح السوريون البسطاء يستحقونه، بعد سنتين من الألم والتضحيات، وليس منة من أحد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية