أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عامين على الثورة: تاصيل في الروح..وتقدم على الأرض... عبدالرحمن مطر*

شكل خروج الرقة عن طاعة النظام ، ضربة قاصمة له ، في البعدين الاستراتيجي والاجتماعي ، اضافة الى الجانب الاقتصادي . إذ كان يعتبرها واحدة من محميّاته الطبيعية، وحديقة خلفية، ولم يتوانَ عن الاستمرار في هذا المسلك، خاصة بعد انطلاقة الثورة .


لقد جاء استرداد الرقة من أسر الطغمة الاستبدادية ، ليدشن مرحلة جديدة ، في مسار الحراك الثوري السوري ، في ذكرى الانطلاقة التاريخية، التي حفرت عميقا في سيرة الشعوب. واليوم تتأصل حالة الثورة ، مع إزالة رموز النظام التي سقطت منذ أن هتفت الجموع للحرية ، فلم يتبق منها سوى الحجر..مجرد حجر، وبقايا نظام متهالك نخره الحقد الطائفي والفساد !

لقد جعل النظام من الرقة، نقطة ارتكاز بديل له ، طوال مايزيد على أربعين عاما ، وكانت خلال عامين من الثورة، تؤسس بعمق للنأي بنفسها ، كأي منطقة سورية أخرى، تلمست باكرا فداحة تورطه، بالمذابح والمجازر، التي هدفت للإبادة المنظمة ضد السوريين ، لا يقل توصيفها القانوني الدولي، عن جرائم ضد الانسانية . وقد شكل الرابع من أذارتحولا هاما، ايضا بالنسبة لنظام الملالي الإيراني، الذي دأب طوال الخمسة عشر عاما الأخيرة، وهو يؤسس لمجتمع طائفي جديد في الرقة، محاولا استنباته في تربةٍ اعتقد أنه وضع يده عليها، بمباركة النظام وتستره على النشاط الدعوي الطائفي والمذهبي . لسوف يدرك القتلة وحلفاؤهم – ايران بشكل خاص - أهمية قصوى لما حدث في الرقة ، بما أنتجه من حالة جديدة دافعة للثورة ، بالمضى قدما نحو تعزيز اسلوب المعركة، الذي جاء كتجربة ناجحة في ائتلاف الكتائب والتنسيق الكبير الذي أعدّ، بمنهجية استراتيجية، مسألتين تتصلان بالعمل العسكري ميدانياً، ومدنياً. 

الخوف من القوى الاسلامية
إزاحة تمثال البتاني، والقائه أرضاً ، كما حدث لتمثال هبل الكبير، يعيدنا الى مربع السؤال الأول بشأن المخاوف من الاسلاميين ، يضاف الى ذلك تكفير المنادين بـ" الدين لله والوطن للجميع " في جمعة الأخيرة. وعلى الدوام، كان الخوف ينبع من أن دخول الجيش الحر الى الرقة، سوف يتسبب بأمرين هما: ان النظام لن يتأخر عن اغتنام الفرصة، ليعاقب المدينة بقذائفه، ويصليها بنار حقده. أما الأمر الآخر فيتصل بسلوك كتائب الجيش الحر، التي طالها من النقد الموجب لهذا الخوف ، وفي مقدمها أسلمة المجتمع، وما يترافق مع ذلك من اعمال ترقى الى مستوى الاقصاء والتصفية، بسبب الرأي والموقف والانتماء.

لابد من الاشارة هنا الى استخدامنا لعبارة الجيش الحر، يفيد في التعبير الذي صار شائعا ، من أن جميع قوى الثورة المسلحة هي " جيش حر ". ندرك جميعا أنها مجرد تسمية لكيان لم يعد موجودا . وما هو على الأرض ، هي المجموعات المسلحة المتعددة ، من جبهات وألوية وكتائب ذات الهوية الاسلامية ، وفي مقدمها جبهة النصرة . 

والحقيقة ، أنه حدثت أعمال تنال من الثورة، ومن الكتائب العاملة في الرقة، خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة، اتسمت بانتشار الخطف والسطو على المال الخاص والعام وانتهاك الحقوق .

ولكن، مع اليوم الاول للتحرير، بدا الوضع مختلفا، فقد بسطت الكتائب سيطرتها في المدينة، في اطار منع حدوث فوضى، واستهداف المقار والمرافق العامة، باعتبارها مملكوة للشعب وليس للنظام. وجاء نشر الحماية والتحول الى قوى مساندة للتغيير، ليشير بوضوح الى الاسلوب الذي تسلكه الكتائب في المدينة، وهذا الامر يتصل بتحول لواء امناء الرقة ، الى جهاز مدني ، مهمته الحفاظ على الامن ، وتسهيل عمل المرافق العامة ، وقد استطاعت تسيير المخابز على سبيل المثال لا الحصر، بما يؤمن للمواطن أمرين: الامن والغذاء.

لواء امناء الرقة، بما يضمه من قادة وكوادر" منتقاة "، على درجة عالية من التعليم والثقافة ، ومن ضمنهم أطباء ومهندسين، يؤكد ان نجاح تجربة ادارة الحياة العامة، من قبل كوادر الثورة في الداخل ممكنة، ودون اي تدخل أو وصاية من الخارج، سيكون مؤشرا فعالا حول كيفية وقدرة السوريين على ادارة الدولة ، في المرحلة الانتقالية، فور سقوط النظام.

مايحدث في الرقة اليوم ، هو ايجابي على اكثر من صعيد، لا يبعث على الخوف وانما الاطمئنان. تؤكد ذلك أيضا الخطوات التي انجزت بموجبها عمليات السيطرة على الرقة، المقصود بذلك عملية التفاوض بشأن ايقاف المعركة واستسلام المحافظ وامين فرع البعث. هذا اسلوب ايجابي للغاية، كونه يؤمّن تحقيق الهدف مع حقن الدماء، ومن الطرفين . هو نموذج ، يحدث في لحظة حاسمة في الثورة، لاينبغي تجاهل قيمته ودلالته.
لكن اليوم، وبعد مايقارب من ثلاثة اسابيع ، نجد ان الوضع يحتاج الى كثير من التروي في اطلاق الاحكام، قبل ان تتبلور تجربة العلاقة بين الاسلاميين وسواهم، بين قوى العمل المسلح ، وقوى المجتمع المدني . لقد بدأت الملاحظات بالتتالي : مرّة ومؤلمة .
النصرة واخواتها
يثيروجود جبهة النصرة ، قلقا كبيرا لدى الشارع السوري ، والحال في الرقة ليس بعيدا عن هذه المخاوف . مشاركتها فعالة واساسية في حدث الرابع من اذار ، ولم يصدر عنها – كما يرى كثير من اهل الرقة – اي سلوك ينتقص من حرية الناس . وهو في اعتقادي نسبي ، فتجاوزات النصرة التي سجلت بشأن مرسم الفنان أيمن الناصر ، والطبيب المدخن ، والعبارة التي كتبت على ابواب المحال " ممنوع سرقة أموال المسلمين " ، هي أدلة قاطعة على فرض اسلوبٍ، هو في جوهره انتهاكٌ ومصادرةٌ لحقوق الناس .

هو اسلوب مرفوض ، و في العبارة المنشورة حول السرقة ، تحيّز وتمييز على أساس ديني واضح، غير مقبولين . ان انضباطها وتنظيمها الجيدين، يحسب لها في وسط الفوضى التي تعيشها قوى الثورة المسلحة. لكنها ليست الوحيدة التي كانت كذلك، فجميع الكتائب والجبهات والالوية المتواجدة في الرقة، أبدت تنظيما وسلوكا ايجابيا.

المشكلة مع جبهة النصرة، في مشروعها السياسي ، الذي تسعى لفرضه، أو لتمكينه في المجتمع السوري، كأمرٍ واقع، بقدرات تنظيمها، وفي مقدمها القوة. 

وطرح هذه الافكار، ليس معاداة لها او لوجودها، يمكن لها ان تكون شريكة في اطار الدولة الديمقراطية المدينة، التي يتحدد جوهرها وشكلها، وفقا لما يختاره الناس. وفي كل مرة تضيف النصرة موقفا جديدا ، يعمق الخوف منها ، ويؤصله، في المجتمع السوري ، كل ما أراد البعض منا أن يفهم شيئا عن أفعالها، أو أن يجد تفسيرا لما تقوم به من سلوك متناقض " النزاهة والاستقامة ، الاعتداء على حقوق المجتمع" ، خرجت بسيف جديد !
هذه المرة اعلنت من الرقة، ان الديمقراطية كفر، والاعتقاد بها كفر، ومن يدعوا اليها مرتد ، وحكمها الاستتابة أو القتل . والواقع ان جبهة النصرة واخواتها قدّمت أفعالها على أقوالها . وهذا ما يجعل منها ، مصدر قلق وخطر على الثورة .. الثورة التي سرقت ، وعلى المستقبل.


الادارة الانتقالية
الانتقال الواعي الى سدّة الحرية، يتطلب ادراكا حقيقيا لمعطيات البيئة الاجتماعية، بحيث يتم الاستناد فيها، الى قدرة المجتمع السوري، على ادارة شؤونه كما يجب. في الواقع، النظام تخلى عن جميع مسؤولياته تجاه المجتمع السوري ، ومن هنا تأتي أهمية المجالس المحلية، "التي وضع فكرتها وتطبيقاتها، الشهيد عمرعزيز"، وليس قوى ومؤسسات خارجية. ويتوجب العمل على إيجاد حلول للمشاكل التي خلقها النظام على مختلف الاصعدة، وكذلك وضع حدّ لازدواجية المجالس المحلية في الرقة، بين منتخب، ومعين من قبل الائتلاف الوطني.

وفي هذه المسألة يجب ان يتعاون المجلسان لادارة المحافظة ، خلال فترة مؤقتة ، يتم خلالها التحضير لاختيار مجلس جديد، بما يقود العمل نحو ارساء دعائم العدالة وسيادة القانون . بل ان يصار الى تشكيل لجنة موثوقة، من طرف ثالث، يحضر لاجراء انتخابات عاجلة لمجلس جديد ، يلتزم بموجبه الطرفين المتنازعين على سلطة ادارة المدينة ، والمحافظة.

وعلى الاطراف ألاّ تلجأ لاستقواء أي طرف على آخر ، عبر القوى المسلحة ، أو الهيئة الشرعية ، كما حدث من قبل أحد مجلسي الرقة . الهيئة الشرعية يجب أن ينحصر دورها في الاطار الديني ، بأن تتولى هيئة قضائية مدنية دورا أساسيا طبيعيا في الحياة العامة .

لن يبتلع النظام مرارة استعادة الاحرار للرقة ، بما تمثله من موقع استراتيجي، بحيث يتعزز تواصل الشمال السوري المحرر ، موفرا معبرا أمنا للدعم اللوجستي للثورة،. وما يعنيه ذلك من تجربة بناء لاجل المستقبل، عملية اعادة بناء، بدأت منذ اليوم الاول لتحرير تل ابيض، وانتقال التجربة الى مناطق المحافظة الأخرى، يمثل ضرورة قصوى للخروج التاريخي من عباءة نظام القتل والاجرام .

منذ انحسار وجوده القسري، في مناطق الرقة المختلفة، وبدأ يشعر بدنو انكساره.. أخذ يمطرها بصواريخ سكود والبراميل المتفجرة، والقذائف المدفعية والصاروخية. ومنذ تحريرها أضحت المدينة هدفا يوميا للقصف، ما اضطر مئات الآلاف للنزوح، خاصة باتجاه الشمال : تل ابيض وأورفا التركية . ولن يوفر النظام اي وسيلة للقتل ، فالإضطهاد والعسف والجور لم يعد ناجعا، بعد أن قرر السوريون : " الموت .. ولا المذلة ".

كاتب سوري*

(108)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي