أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خبر الكيماوي خدم بشار أكثر من إطلاق الكيماوي نفسه

نظام الأوراق يرمي بورقة البوطي قبل انصراف المقامرين

ليس سرا أبدا أن النظام الأسدي الذي أسسه حافظ وورثه بشار، بنى ركيزة من ركائزه الأساسية على لعبة الإمساك بما استطاع من أوراق، واللعب بها متى أراد وكيف شاء.

وطوال عمره الذي فاق 4 عقود، لم يوفر النظام الأسدي ورقة داخلية أو خارجية إلا رماها على طاولة المقامرة، تارة في سبيل ابتزاز دعم مادي أو سياسي، وثانية لبذر الخلافات وشق الصفوف، وثالثة للفت الأنظار، ورابعة لدرء الأخطار عن ملك آل الأسد، وخامسة لاستجداء التعاطف، وسادسة لترسيخ موقعه حاميا للعروبة ومنافحا عنها، وسابعة لإظهار براءته مقابل "وحشية" خصومه، وثامنة وتاسعة وعاشرة.. إلى ما لانهاية من تارات، كان لنظام الأسد فيها صولات وجولات. 

وقد فتح اندلاع الثورة السورية شهية الوريث بشار على ممارسة لعبة الأوراق بشكل لم يسبق له مثيل، فلوح منذ البداية وبشكل صريح بورقة أمن إسرائيل، ثم أتبعها بفتح وهمي للحدود ليتدفق عبرها "المشتاقون بالإكراه" نحو أرض آبائهم وأجدادهم!

وتالياً رمى بشار ورقة التهديد بزلزال يدمر المنطقة إن انهار نظامه، فأرسل "بريده الملغوم" في اتجاه عواصم عدة، لمجرد تأييدها ولو لفظيا للثورة السورية، فوقعت أحداث مريبة في قطر والسعودية وتركيا، لم تكن كبيرة في حجمها لكنها كانت كافية بنظر بشار لإيصال ما يريد من رسائل.

وبعد برهة زاد بشار من عيار الورقة، فتواطأ مع الروس لإسقاط مقاتلة تركية من طراز إف 4، زاعما أنه أسقطها بمضاد طيران عادي، وهو الذي لم تكن صواريخه ولا كل أنظمة دفاعه الجوية قادرة طوال سنوات على إسقاط طائرة ورقية، خصوصا إذا كانت تحمل نجمة داوود.

وقبل ذلك وبعده، كان لبنان الخاصرة الأضعف في المنطقة، مسرحا لبشار يلعب فيه ما يشاء من أوراق، بداية من الخروقات المتكررة لحدوده، ومرورا بمخطط "سماحة -مملوك" لقتل شخصيات بارزة وتفجير صراع لبناني جديد لا ينقضي، وانتهاء بالتدخل الصريح والواضح لحزب ولاية الفقيه (حزب الله) في النزاع السوري، عبر التسلل إلى محافظة حمص، ومواجهة قوات الثوار والجيش الحر بشكل علني ومباشر.
وبالطبع دندن النظام طويلا حول المسلحين والإرهابيين والتكفيرين، ولعب بهذه الورقة عشرات المرات، متنقلا بين مخاطبة الداخل وبعض أقلياته المضلَلة، والخارج وبعض سياسييه المصابين بالإسلاموفوبيا.
أما ورقة الإعلام فلم تفت بشار، فنوّع في لعبها بين الفينة والأخرى، فمرة كان يظهر خطيبا على منبر مجلس الشعب أو أمام الوزراء أو في ساحة الأمويين حتى وصل إلى دار الأوبرا، ومرة كان يرتب لقاءات تلفزيونية وصحفية مع قنوات وجرائد أجنبية، رجاء أن يصحح صورته أو ينقل تهديداته، أو يمارس هوايته في التذاكي وإنكار الحقائق.
وعندما نجحت الثورة السورية، بكلا جناحيها المنظم والعفوي، في تعطيل ماكينة اللعب الأسدية وجعلت كل أوراقها "محروقة"، وتبين لبشار أن الكرسي يهتز من تحته، وصار فعلا أمام استحقاق تشكيل حكومة بديلة، وتحرك دولي نحو الاعتراف بها، أخرج واحدة من أقذر أوراقه، متهما الثوار السورريين باستخدام السلاح الكيماوي.
وبغض النظر عن كل الأدلة التي سيقت في سبيل البرهنة على أن استخدام الكيماوي هو من فعل نظام بشار، وليس من عمل الثوار، فإن توقيت الاستخدام وحده كفيل بكشف الفاعل، إذ لا يمكن للثوار مهما كانوا سذجاً أن يطلقوا صاروخا كيماويا في نفس يوم انتخاب الحكومة التي يفترض أنها ستمثلهم وتحقق لهم طموحاتهم، في حين أن النظام استفاد من إطلاق خبر الكيماوي، حتى أكثر من إطلاق الصاروخ الكيماوي نفسه!

وتكفي نظرة واحدة على صحافة العالم طوال الأيام الماضية، لتدل على أن بشار حقق مراده ولو إلى حين في لفت الأنظار عن نبأ الحكومة المؤقتة، وحرف انتباه قادة الغرب –خصوصا- نحو هذا الملف، لما يعلمه جيدا من حساسيتهم المفرطة تجاه الكيماوي، لاسيما إذا ما وقع في أيدي "المتطرفين". 

وهكذا اتجهت كل تحليلات الإعلام وتصريحات القادة نحو التحذير من استخدام الكيماوي، واستعراض الفرضيات التي تثبت أو تنفي استخدامه، فضلا عن المساحات الواسعة التي خصصت لسوق أدلة البراءة أو الإدانة.

بل إن لعب بشار بورقة الكيماوي دفعه "لاقتراف خطيئة" المطالبة بتحقيق دولي، وهو الذي عرف عنه رفضه وكرهه لكل شيء يحمل صفة دولي، لأنه "يخرق السيادة" و"يهدد الأمن"، لكنه هذه المرة تنازل في سبيل تعطيل الاستحقاق المتعلق بالحكومة المؤقتة وتأخير الاعتراف بها، وكأن لسان حال بشار يقول: "عيش يا كديش"، حتى ينجلي غبار التحقيق، وتتبين براءة الثوار الذين تمثلهم هذه الحكومة.. ومع هذه القناعة فإن بشار لا يخالجه شك أن أي بلد لن يستطيع المسارعة إلى الاعتراف بحكومة "مشتبه بها".
وأخيرا وليس آخرا، كان لابد لبشار أن يعود إلى قديمه وقديم أبيه الجديد.. التفجيرات والاغتيال، وهي التي لم تغب عن باله أبدا، وكيف تغيب وهو الذي أتقنها وأتقن فن الهروب من مسؤوليتها مهما كبرت، حتى ولو كانت بحجم اغتيال رئيس حومة بلد مستقل مثل لبنان.

وكما حال التفجيرات التي كانت تطال أعداءه وخصومه في لبنان، فإن تفجيرات الأسد داخل سوريا لم تكن تطال إلا السكان المناهضين له، والمناطق التي تحتضن الثورة ضده، والشخصيات التي تجاهر بمعارضته له، اللهم إلا تفجير جامع الإيمان الذي طال الخادم الأكليروسي الأخلص لآل الأسد، أي محمد سعيد رمضان البوطي.

وبعيدا عن شطحات الرجل، كتلك جعلت من المبشرين بالجنة أحد عشر رجلا، بدل عشرة، عندما أضاف لهم الرائد الركن المهندس المظلي الفارس باسل حافظ الأسد! أو تلك التي دعت للجهاد تحت راية "الأمير بشار".. بعيدا عن شطحات يطول ذكرها، فإن البوطي كان يمثل للنظام واجهة شرعية مهمة، لايمكنه الاستغناء عن خدماتها، سواء في مقارعة التيار السلفي وتشويهه، أو تخدير العوام، أو تأمين "غطاء سني" للحكم الطائفي.

ولكن كل محاسن البوطي في عيون النظام، باتت صغيرة جدا عندما حان وقت اللعب بورقته، فانفجرت وعلى حين غرة عبوة ناسفة بالجامع الذي كان يرتاده لسنوات طوال، وكأن الثوار لم يعرفوا البوطي على حقيقته إلا مؤخرا، أو كأنهم كانوا عاجزين عن استهدافه قبل أن تكون دمشق غارقة في حواجز الأمن والجيش والشبيحة!
بنى آل الأسد ثلثي ملكهم وأكثر على أكتاف صلاح جديد ومحمد عمران وميشيل علفق وعبد الكريم الجندي وغازي كنعان وغيرهم كثير، ثم ضحوا بهؤلاء جميعا قتلا أو سجنا أونفيا ولم يرف لهم جفن، فما الذي يمنعهم أن يضحوا بعجوز قارب عمره مئة عام، إذا كانت تصفيته ورقة لا يجدي التمسك بها، في وقت يوشك "النادي" على الإغلاق ويوشك "المقامرون" فيه على الانصراف!

إيثار عبد الحق- زمان الوصل - خاص
(126)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي