أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عامان وثورة الكرامة مستمرة والقمع التهجير يرافقانها

عامان مرّا على وطن عاش الحسرة وذرف الدموع وواقع أليم لم يجد أبناؤه بمختلف أطيافهم إلا أن يُشهروا السلاح في وجه جلادي الأطفال والنساء والشيوخ، صور شتى تتراءى أما المآقي من قصف المنازل وسرقة محتوياتها لتعبث بها الجرذان وتجد القطط ملاذاً آمناً للبقاء تنهش بالمحتويات الباقية وكلاب الطريق تعوي لتنادي لأبناء جلدتها عن قوت يومهم من أشلاء الشهداء، وأطفال تلوذ خلف الجدران لكنها لاتجد جداراً آمناً يقيها من قذيفة دبابة أوضربة مدفع تفقدهم أحد أعضاء أجسادهم الغضة، صورة لمأساة يتيم يبحث عن معيل هذه هي حال بلادي المقفود ومهجرين داخل وخارج بلدهم ينفسون ألفاظ الغربة التي تركتهم أثيري الحزن والحسرة أوفي مخيمات الشتات يعانون البرد القارس ويلتحفون السماء، يقفون وراء الحدود علهم يشتمون رائحة من عبق وطن ضيّعه حاكم حرقه وراح يعزف على قيثارته لأنه عشق القتل والتدمير، ورمى مافي جعبته من بث روح الفرقة والطائفية، غذّاها ولعب على وترها لتنفيذ مآربه وشحن هممها رغم أنه نكّل بالكثيرمن أفراد مختلف الطوائف بالسجن والنفي حيناً والقتل المتعمد في أحيان أخرى وشرب كأساً مترعاً من دماء الشهداء ليثبت أنه لا يستحق إدارة مشفى لا يتجاوز عدد غرفها أصابع اليد الواحدة، وليس وطن يحمل آمال وذكريات خبأها أبناؤه بين ثنايا الشقق وزواريب الطرق والحارات والأزقة التي قطعت أوصالها بالحواجز وقناصة يتلقفون المارة أثناء جلبهم لحوائجهم اليومية.

لكن لمّا قامت الثورة في سورية وماهي أسبابها....؟! ولما هبّ الشعب .....؟! 

فالثورة حسب موسوعة (وكيبيديا) كمصطلح سياسي هي الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم، وللثورة تعريفات معجمية تتلخص بتعريفين ومفهومين، التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغييرنظام الحكم بالقوة. 

وقد طوّر الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي أسماهم البروليتاريا. أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثرحداثةً هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته "كالقوات المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغييرنظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية, والمفهوم الدارج أوالشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم, وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 أوعسكرية وهي التي تسمى انقلاباً كالانقلابات التي سادت أمريكا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أوحركة مقاومة ضد مستعمر وخيرمثال الثورة الجزائرية.


أما في العصر الحديث فقد بدأت تتفجر ثورات الوطن العربي على الظلم والقمع والاستبداد والأسباب ارتفاع نسبة البطالة ومعدل التضخم انتشار الفساد ومصادرة الحريات المدنية والدينية، والاستئثار بالحكم وعدم الإصغاء لصوت الشعب وتلبية مطالبة وغضّ الطرف عن ردود الافعال الشعبية وتجاهلها وعدم اعتبارالحاكم لمصالح الشعب ومراعاة تطلعاتة في سياسات الدولة الخارجية، فبدأت بالثورة التونسية عندما أقدم محمد البوعزيزي على حرق نفسه بسبب ظلم أعوان البلدية له وتعاطف الشارع معه في سيدي بوزيد كان القطرة التي أفاضت الكأس وتسبب انتشار الثورة سببت في تهاوي النظام ولحقتها من أرض الكنانة بثورة على نظام حسني مبارك حيث انتهت بتنحية عن الحكم بعد ثمانية عشر يوماً من المظاهرات العارمة في ميدان التحريرلتلحق بها ليبية.

في ظل هذه الظروف كان الغليان الشعبي في سورية تزداد وتيرته وكثر همس الكلام في البداية عن انتفاضة الشعب بين مكذّب ومصدّق وكان لقاء الصحفي مع الاسد لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بأن ما يحدث في العالم العربي ليس حقبة بل شيء جديد سيغير تفكير الحكومات واستقرارسورية يعود إلى الموازنة بين الاحتياجات والإصلاح وبين العقيدة والمعتقدات والقضية هذه جملة معوقات تقف امام التغيير.
وبدأ شرارة أحداث سوريا أو الأزمة السورية أوالثورة السورية في مدينة درعا حيث قام الأمن باعتقال خمسة عشرطفلاً على إثر كتابتهم شعارات الحرية على جدار مدرستهم بتاريخ 26 /2 شباط عام 2011 اتبعتها دعوة للتظاهر على صفحات التواصل الاجتماعي/الفيسبوك/ في صفحة لم يكن أحد يعرف من يقف وراءها استجاب لها مجموعة من الناشطين في منتصف آذارعام 2011 وهذه المظاهرة ضمت شخصيات من مناطق مختلفة منها /حمص ودرعا ودمشق/ لكن الانطلاقة الحقيقة للثورة السورية بمعناها الثوري كانت في درعا يوم الجمعة بتاريخ 18 /3 آذار /2011 حيث سقط شهيدان هما حسام عياش ومحمود الجوابرة على إثر الاحتجاجات الشعبية العارمة في ذلك اليوم المشهود وكانت هذه الاحتجاجات ضد الاستبداد والقمع والفساد وكبت الحريات وعلى إثراعتقال أطفال درعا والإهانة التي تعرض لها أهاليهم بحسب المعارضة السورية، بينما يرى مؤيدو النظام أنها مؤامرة لتدمير الممانعة العربية ونشرالفوضى في سوريا لمصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، وقد قام بعض الناشطين من المعارضة بدعوات على/الفيس بوك/ وذلك في تحدّ غيرمسبوق لحكم الاسد متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة المعروفة باسم الربيع العربي. 

وانطلقت الاحتجاجات ضد الأسد وعائلته التي تحكم البلاد منذ عام 1971، وحزب البعث السوري تحت سلطة قانون الطوارئ منذ عام 1963 حيث قادها شبان سوريون طالبوا بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ورفعوا شعار«الله سوريا حرية وبس»، لكن قوات الأمن والمخابرات السورية ومليشيات موالية للنظام (عُرفت بالشبيحة) واجهتهم بالرصاص الحي فتحوّل الشعار إلى «إسقاط النظام», في حين أعلنت الحكومة السورية أن الحوادث من تنفيذ متشددين وإرهابيين من شأنهم زعزعة الأمن القومي وإقامة إمارة إسلامية في بعض أجزاء البلاد. 
لكن الانطلاقة الحقيقية للثورة السورية 18 آذاروتحت شعار«جمعة الكرامة» خرجت المظاهرات في مدن/درعا ودمشق وحمص وبانياس/ وقابلها الأمن بوحشية خصوصاً في درعا، فسقط أربعة شهداء على يد الأمن السوري فيها، وتحوَّلت المظاهرات لباقي الأسبوع إلى أحداث دامية في محيط المسجد العمري ومناطق أخرى من المدينة، قالت منظمات حقوقية إنها أدت إلى مقتل 100 محتج بنهاية الأسبوع في 25 آذارانتشرت المظاهرات للمرَّة الأولى لتعمَّ العشرات من مدن سوريا تحت شعار «جمعة العزة» لتشمل /جبلة وحماة واللاذقية / ومناطق عدة في دمشق وريفها كالحميدية والمرجة والمزة والقابون والكسوة وداريا والتل ودوما والزبداني، واستمرَّت بعدها بالتوسع والتمدد شيئاً فشيئاً أسبوعاً بعد أسبوع.

وكان موقف رأس النظام في أول ظهورعلنيٍّ له نهاية آذارمنذ بدء حركة الاحتجاجات بإلقاء خطاب جعل الجمر يغلي لاستمرارالمظاهرات لكن وتحت الضغط المتزايد أعلن الاسد في 7 نيسان عن منح الجنسية للمواطنين الأكراد في سوريا بعد حرمانهم منها لعقود، وشُكلت حكومة جديدة عوضاً عن القديمة التي استقالت، ثم أعلن رفع حالة الطوارئ بعد 48 عاماً متصلة من فرضها كما تبعها بإطلاق الجيش السوري عمليَّات عسكريات واسعة في درعا ودوما هي الأولى من نوعها، وأدت إلى مقتل عشرات الأشخاص أكدت منظمات الحقوقية أن معظمهم من المدنيين, وبدأ الجيش بعد أسبوع فقط عمليات أخرى في بانياس وحمص متسبباً بمقتل المزيد من المدنيين وشن الجيش حملة مشابهة على تلكلخ أدانتها منظمات حقوقية عديدة، واتهمته منظمة العفوالدولية بعد الحملة بشهور بارتكاب ما قد يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية في حق أهالي تلكلخ والرستن وتلبيسة خلال عملياته أوقعت حوالي 100 قتيل. 

اعتصم عشرات آلاف المتظاهرين في ساحة الساعة الجديدة بحمص وخلفت العديد من الشهداء تبعتها ساحة العاصي بمدينة حماة وسط سوريا، ففتحت عليهم قوات الأمن النارمخلفة أكثرمن 70 شهيداً، وهوَ ما بات يُعرف بـمجزرة جمعة أطفال الحرية نسبة إلى شعار تلك الجمعة، وتلا المجزرة بعد شهر حصارالمدينة وإطلاق عمليات أمنية واسعة فيها, وشهدت محافظة إدلب وخصوصاً مدينة جسرالشغور ومنطقة جبل الزاوية عمليات أخرى.

فيما أطلق الجيش السوري في ليلة الأول من رمضان عمليات في مدن عديدة بأنحاء سوريا أبرزها حماة وديرالزور والبوكمال والحراك، ويُعد ذلك اليوم أكثرأيام الاحتجاجات دمويَّة ،إذ راحَ ضحيته أكثرمن 150قتيلاً في تلك المدن، أكثرمن مئة منهم في حماة وحدها، وتلا العمليات حصار لمدينتي حماة وديرالزور استمرَّ لأسابيع. في 15 آب بدأ الجيش والأمن عمليات عسكرية في مدينة اللاذقية أدت على مدى أربعة أيام إلى مقتل أكثرمن 50 شخصاً، وقد حدث تصعيد غيرمسبوق في مواقف الدول الغربية من الاحتجاجات، فبعد خمسة شهور من الاكتفاء بإدانة القمع والدعوة إلى الإصلاحات أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحادالأوروبي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية في وقت واحد أن على الأسد التنحي على الفوربعد أن «فقد شرعيته بالكامل». وبعد تفاقم حالات الانشقاق في الجيش السوري على مدى ثلاثة شهور أعلنَ عن تشكيل أول تنظيم عسكريٍّ يُوحد هؤلاء العسكريين، وهو «لواء الضباط الأحرار» تحت قيادة حسين هرموش، وتلاه بشهرين الإعلان عن تشكيل الجيش السوري الحر بقيادة رياض الأسعد، وأعلن هذان التنظيمان عن عشرات العمليات لهما لشهور بعد ذلك قبل أن يَتحد لواء الضباط الأحرارمع الجيش الحرفي أواسط شهر أيلول، لكن مع ذلك فلم يخض الجيش أي معركة حقيقية حتى أواخر ذلك الشهر عند اندلاع معركة الرستن وتلبيسة وبدء اشتباكات عنيفة بينه وبين الجيش السوري النظامي أسفرت عن مقتل العشرات من كلا الطرفين.

والآن مازالت الأحداث مستمرة وأصوات القصف والعويل ترتفع مع كل صباح والقتل والتشريد والاقصاء من العمل لمجرد التعبير عن الرأي لكل من ساءهم مشاهد الدمار ولاتزال آلة التدميرتعزف موسيقاها النشاز لحصد المزيد من الضحايا لثورة لم تترك أحداً لم يتأثر بالأحداث فالنبية التحتية تدمرت وتحتاج إلى سنين كي تعود في معظم المناطق المحررة، والليرة السورية انهارت وارتفعت أسعارالسلع في الأسواق السورية ودمرت مصانع وشركات كانت دعامة الاقتصاد الوطني وتسد حاجته من اليد العاملة وتردم نوعاً ما من فجوة البطالة الذي يعجزالقطاع العام عن تفاديها في كافة المجالات لما أصابه من ترهّل في هيكلية عمله بدءاً بمؤسسات إعلامية صبت كامل جهودها لخدمة النظام الاستبدادي فكانت بوقاً يعزف الجلاد كلمات الرنانة لما تحمله في ثنايا مقالات الكذب والرياء بحق شعب أعزل وكان مصير فرسان الكلمة الوصول إلى أقبية المخابرات من مؤسساتهم نفسها ورافق فنانو الدراما والكاريكاتورالثورة من لحظاتها الأولى عملوا سراً وجهراً وبأسمائهم الحقيقية فعانوا من الاعتقال والضرب والرمي على نواصي الطرق كي يثبتوا للعالم قيمة الإعلام الثقافة والفن الذي يتغلغل بين ثنايا المجتمع يعريان ويوجهان من أجل التغيير.
أخيراً رياح التغييرآتية لامحالة لتؤكد صمود شعب صبر فظفر بما يريد بعد ثبات رافقهم حوالي أربع عقود عاشتها سورية من الحرمان والقهر وسماع الصوت من الأعلى الى القاعدة ومنع رجع الصدى.

زميلة من حمص - زمان الوصل
(101)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي