أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الحوار الحضاري وهجوم الغرب على الاسلام ورسوله ... الدكتور عدنان بكريه

فلسطين الداخل

تشتد في الآونة الأخيرة الهجمة الغربية على الإسلام في محاولة لتشويه صورته وتعاليمه بشكل منهجي مبرمج ومخطط له على اعلي المستويات السياسية والدينية الغربية بهدف تبرير الممارسات الأمريكية ضد الشعوب العربية والإسلامية حتى وصل الأمر إلى إعادة ارتكاب فضيحة الرسومات واستفزازنا كأمة إسلامية سعت وتسعى إلى تقبل الآخر من خلال جدال حضاري يعتمد على تبيان الحق من الباطل دون الهجوم والتهجم على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم .
يساهم في هذه الحملة أكبر عدد من مفكري الغرب الذي يبغي بالأساس إلى تشويه صورة وتعاليم الإسلام مستغلا الظروف القاهرة التي تمر بها الأمة وغياب القوى الإسلامية الحقيقية التي بإمكانها الدفاع عن التعاليم والقيم الإسلامية السمحاء .. غياب النظام الرسمي العربي الإسلامي الذي يسعى إلى تسخير إعلامه وطاقاته لدحض الصورة المرسومة لدى الغرب ...
غياب عنصر الجدال العقلاني وطغيان عنصر التشنج والتعصب لدى البعض .. الإسلام لم يكن متعصبا طرحا وتعاليما بل سعى دائما إلى فتح حوار حضاري عقلاني مع كافة الأديان والقوميات ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) لكن الغرب لا يقبل بالتقارب والحوار فنراه يراوح في مساحة الهجوم المتكرر على الأمة الإسلامية ورموزها الدينية وكان آخرها الرسومات التي تمس مشاعر المسلمين كلهم .
يحاول الغرب جاهدا إلى تصوير الانسان المسلم على انه مصدر قلق وإزعاج للعالم وبأنة متخلف عن ركب التحضر والحضارة !! ويتسم بالانعزالية وعدم تقبل الغير !! هذه هي الصورة التي ارتسمت لدى المجتمعات الأخرى (الغربية ) وهنا علينا أن ننوه إلى أن هذه المجتمعات سخرت كل طاقاتها في سبيل ترسيخ الصورة البشعة للإنسان المسلم.
لقد جهدت المؤسسات الغربية الدينية والسياسية على ترسيخ هذه الصورة من اجل تبرير الهجوم على الأمة الإسلامية واغتصاب مقدراتها السياسية والاقتصادية في ظل سيطرة أنظمة عربية ضعيفة لا يشغلها الدفاع عن القيم الدينية.. تردد ما يقوله الغرب لا بل تساهم في ترويج الأقاويل من خلال إعلامها المتواطئ والذي لا يجرؤ على تحريك ساكن لدحض هذه الدعايات والشائعات المغرضة .
الإسلام كان وما زال مثالا للتقارب والمحبة والحوار مع الأديان السماوية، ومحترماً لجميع الرسل والأنبياء، ولم يتجاوز على حدود أي دين سماوي ، بل احترم الأديان الأخرى، مادامت تؤمن بالوحدانية ولا تشرك بالله.
استطاع الإسلام أن ينجز حضارة، ويرسخ مفاهيم أخلاقية وسلوكية لكل الذين تعاملوا معه ومع المسلمين، وقدم نماذج حضارية أعطت للبشرية زخماً كبيراً في التقدم على طريق سعادة الإنسان ورقيه وتقدمه.
"الإسلام يرفع من سمو النفس البشرية وقيمة الانسان ، ويجل ويحترم العقل البشري، ويدعو البشر لاستخدام العقل، وممارسة الحياة وفق نظم أخلاقية واضحة وراسخة وبدون عبثية، فهو دين الاعتدال والوسطية، وهو قادر بكل الظروف على كسب الأصدقاء ، لان مبادئه ومفاهيمه تنسجم مع مدركات العقل البشري وتتماشى مع نمط السلوك الاجتماعي والحياتي للبشر" لذا ليس بالأمر المقبول والمعقول التعامل مع الإسلام على انه دستور وقيم لحركات تحاول تجيير الدين الإسلامي لخدمة غايات دنيوية تافهة وليس من المقبول والمعقول النظر إلى الإسلام وتعاليمه على انه معاد للغرب على اختلاف أديانه ومذاهبه وليس من المقبول وصف الدين الإسلامي بدين التخلف والتراجع والانعزال !!
******
الإسلام يشجع الحوار والتفاهم والتقارب والتعايش السلمي, إذ أن الدين الحق لا يقوم إلا على الإقناع
أما الرفض والهجوم فيأتي من الطرف الذي يرفض كل سبل الحوار ويستخدم وسائل الإكراه في السيطرة
"وإذا افترضنا أن الكرة الأرضية مسرح واحد متواصل... فإننا كإسلاميين نقبل منطق المباراة السلمية , ولترفع العقبات والروادع عن كل الرؤى والأيديولوجيات ولنترك الحكم لجمهور البشرية" , ولكن الغرب لم يقبل بهذا المنهج .. بل وصل الأمر إلى حد التدخل في شئون الدول العربية و الإسلامية ضد الأنظمة ذات التوجه القومي , ثم ضد الأنظمة ذات التوجه الاسلامى , ثم انتقل الآن إلى الأنظمة الصديقة يريد أن يتدخل في أسلوب حياة المجتمعات الأخرى وطريقة تفكيرها وقيمها ومبادئها وحتى سلوكياتها وعاداتها .
والآن تتم عملية تعليق هذا التدخل على شماعة أحداث 11 سبتمبر، في حين أن تاريخ التدخلات قديم ولم ينقطع بعد فترة الاستعمار التقليدي , وكانت التدخلات الغربية متصاعدة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين , وعندما نشير إلى الغرب فإننا نشير بشكل خاص إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي اتخذت السياسة الأكثر غلوا وعداءا, ولكن أوروبا لم تعارض هذا التوجه الأمريكي جذريا ولم تقدم بديلا متماسكا للعلاقات بين الإسلام و الغرب .
لا شك أن الصراع ينطوي على إستراتيجية للهيمنة والسيادة العالمية وأن هذا التوجه العدواني مشبع بالمصالح الاقتصادية والسياسية , ولكنه يستظل بالمظلة العقائدية والطائفية التي تربط نهاية العالم بعودة المسيح عقب معركة (هرمجدون).. وعقب تجمع اليهود في فلسطين, وهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل على أنقاضه، وبكل هذه المعاني نحن أمام حرب دينية حضارية تهدف إلى تشويه صورة الإسلام.
وعبر التاريخ فان القوى العظمى لا تتخلى طواعية عن سيادتها العالمية, ولا تتراجع إلا عندما تتغير موازين القوى التي تجبرها على هذا التراجع.
*******
عندما سادت حضارتنا فإننا لم نفرض ديننا ورؤيتنا على المخالفين لنا في الدين. هذا حدث في أوروبا , وحدث في الهند التي ظلت أغلبيتها هندوسية في ظل الحكم الاسلامى المديد , وحدث في مجمل أراضى آسيا , وحدث في قلب المنطقة العربية ذاتها , حيث لم تتعرض الأقليات المسيحية إلى أي حالة من الاستئصال. ويكفى أن نشير إلى حالة مصر , حيث ظل المسلمون منذ الفتح عام 640م - 20 هجرية أقلية لأكثر من قرنين , وظل الإسلام ينتشر بصورة طوعية بطيئة حتى أن المسلمين لم يصبحوا أغلبية إلا في عهد الدولة (الطولونية ) وقارن ذلك بما حدث في الأندلس وبلغاريا واليونان..الخ ولا نطرح كل ذلك على سبيل التفاخر أو الكيد, فنحن على استعداد دائما لفتح صفحة جديدة, ونحاول في عصرنا الحديث أن نضع الضوابط الدولية التي يمكن أن تحكم تعايش الحضارات وتآخيها ...وحوارها المستمر نحو صياغة ميثاق تعايشي.
لكنهم, ولأنهم الأقوى, لا يستمعون ألينا إلا على سبيل الخداع ومضيعة الوقت والمناورة.ونحن نشير إلى الفئات الحاكمة المسيطرة والتي تحظى بقبول الأكثرية, ولا يعنى ذلك عدم وجود فئات أو شرائح أو منظمات تنادي بالحوار الحضاري كأسلوب يحكم العلاقات بين الشعوب والديانات والأمر المثير للحذر و القلق , أن الولايات المتحدة تتحدث عن أن أمنها القومي مهدد من المسلمين , وهذه مبالغة لا معنى لها , فأين هي الدولة الإسلامية التي يمكن أن تهدد الولايات المتحدة , ولكن الولايات المتحدة تعتبر أن حدودها تشمل كل الكرة الأرضية , وهذا أمر غير مقبول ولا يمكن التسليم به إلا لمن يريد أن يلغى شخصيته وحضارته ووجوده.
وفى النهاية نقول: إن حوار الحضارات كلمة حق ولكن يجب ألا يراد بها باطل , وهو خداعنا وكسب الوقت لمزيد من احتلال الأراضي , وألا يكون حوار الحضارات معناه , أن نغير ديننا (الخطاب الديني) وُنظم تعليمنا وثقافتنا , ونستغني عن استقلالنا , وأن نتطابق مع مفاهيم العولمة الأمريكية في شتى المجالات.
كذلك فإن الحوار بمعناه الفكري الحضاري مرفوض مع المعتدين المحاربين لأن هؤلاء لا يعرفون ولا يفقهون إلا لغة السيطرة والهيمنة على الغير وإلغاء الآخر والمس بمشاعره الدينية والعقائدية والإنسانية ومحاولة طمس هويته الدينية والقومية وحتى الجغرافية كما هو حاصل ضد الشعوب الإسلامية المحتلة ...
لكن في المقابل علينا أن نشن هجوما سلاميا بالحوار مع كافة الحضارات والدول غير المحاربة في آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية , وأن نسعى لتأسيس جبهة إنسانية عالمية حكومية وشعبية لمحاصرة العولمة الأمريكية-الصهيونية في مرحلتها العسكرية .


ملاحظة : تم الاستعانة بمراجع دينية علمية وتاريخية




(118)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي