الأسد بطل قومي لكن "لو" تفتح عمل الشيطان
ثمة هواء فاسد ورائحة نتنة في أجواء الصراعات، وإدمان الرئيس عبودية المرؤوس وشعور "القائد الملهم" بأحقيته في الملك والتملك، توّلد مع التراكم، حالة من الفوقية والاستكبار، لتكون الحالة، من أكثر أسباب امتلاء الصراعات بذاك الهواء وتلك الرائحة.
في مثل هذا اليوم، فاض الهواء والرائحة عن قدرات الاحتمال، فخرج منتفضو درعا من الجامع العمري على النظام ممثلاً برئيس فرع الأمن السياسي عاطف نجيب والمحافظ فيصل كلثوم، ليسيل أول دم في الثورة السورية، وتنطلق بداية النهاية والتساقط المتتالي للخوف والشرعية والأوهام أيضاً.
فيما لو قرأ النظام السوري ما جرى في دول "الربيع العربي" بكلتا عينيه ولم يشعر أن"دولة الممانعة" استثناء القاعدة ولم يحدث ما حدث من طرائق تعاطي النظام مع مطالب محقة وقتذاك، فماذا كان سيحدث، وكيف كنا سنعيش كسوريين ذكرى مرور العام الثاني وسقوط زهاء مئة ألف قتيل، وتدمير البنى والحاضر، وتشويه المستقبل والآمال.
قلّما تصادف سورياً لا يقول لك، لو أن الرئيس فعل كذا لما وصلنا لهذا التدمير، بل ويضيف السوري- أي سوري – أنا حسب معلوماتي المتواضعة، قلت لهم كذا وتمنيت لو فعلوا كذا، لكنا فوجئنا بخطاب الرئيس أمام مجلس الشعب، وشعرنا أن الفكر الديكتاتوري واحد، مهما اختلفت ألوان الطروحات وأشكال الأقنعة.
تعالوا نستذكر بعض المفاصل التي كان لها أن تقصي بلداً عن نيران الأحقاد، وتُبعد شعباً عن مخاطر العيش بعدائية وربما بحرب أهلية وطائفية، لن يُخمد أوارها، ربما لأجيال.
بداية القول: تشدق مسؤولو النظام- ولا يزالون – أن ثمة مؤامرة مرسومة لسوريا، حتى قبل أن تطلق كوندليزا رايس مصطلح "الفوضى الخلاقة"، ما يعطي المشروعية لطرح أول سؤال أو أمنية، فيما لو.
فيما لو عمل النظام السوري على إجهاض المؤامرة، لطالما يعلمها من ذي قبل يقيناً، بدل أن ينفذها عبر استفزاز وغباء، فبماذا كان سيحتفل السوريون اليوم؟!.
فيما لو لم يخضع الرئيس الأسد-كما قيل– لضغط أبناء أخواله وآله وصحبه أجمعين، ولم يغيّر خطابه المتفق عليه مع القيادة القطرية قبل سويعات، فبدل أن يقول"سوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة" يعترف بخطأ من سفك دم السوريين في درعا وهدد بهتك الأعراض، فيحاسب المجرمين ويزور درعا للتعزية وبلسمة الجراح كما توقع كثيرون، فكيف لمسيرة سوريا أن تكون؟! .
فيما لو سارع الرئيس لخطاب عام في مكان عام ليُسمِعنا ولو لمرة واحدة، أيها الشعب السوري العظيم، ويعلن طوعاً عما أعلنه لاحقاً مكرهاً، من إلغاء حالة الطوارئ ومحاكم أمن الدولة والمادة الثامنة من دستور البلاد وإطلاق قانون أحزاب وسراح المعتقلين وزيادة الرواتب والأجور وإلغاء أحكام منع السفر والعودة ومنح الأكراد حقوقهم الوطنية، فأي طريق كانت ستدخل منه المؤامرة؟! .
فيما لو حل الرئيس حكومة ناجي العطري المترنحة منذ 2003 وكلف الحكومة الجديدة بإصدار إطار زمني للإصلاح الاقتصادي والإداري الموعودين، وتابع بعدها في التحضير لدستور جديد وإلغاء كافة مظاهر الدولة الأمنية والعسكرتاريا، فكيف سينظر السوريون والعرب لسوريا وللرئيس نفسه؟! .
لن أتمادى في خيال "فيما لو" لأقول أن الرئيس أعلن خلال خطابه العام تنحيه عن السلطة في العام المقبل فور تلمسه نتائج الخطط والإصلاح والتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فهل سيجلس السوريون مكتوفي الأيدي، أم سيعيدون ثنيه كما فعل الفراعنة مع جمال عبد الناصر.
فيما لو حدثت هذه الحلول المتوقع حدوثها من أي نظام وطني شاهد نتائج الاستكبار ومواجهة الشعب والشارع، ألن يكون بشار الأسد الآن أهم زعيم عربي وبطل قومي أفشل خطط الغرب ومنع تقوية إسرائيل، بدل أن يهدم سوريا ويقتل أهليها ويقدم لمحاكم الجنايات الدولية، فيما لو خرج حياً من سوريا.
فيما لو فعلها النظام الممانع، لتكرّس الحب والتعايش المعهودان في بلد التنوع وعاد المهاجرون ونشط الاقتصاد وعمت الديمقراطية وغدت سوريا المثال العصي عن تسلل المؤامرة، التي يقرّ بها الجميع وإن اختلفوا حول مسببيها ومنفذيها.
بيد أن كل ذلك لم يحصل، بل انشغل النظام ومن حوله في ابتكار طرائق قمعية تفوق تجربة حماة في ثمانينيات القرن المنصرم، ووجدوا منذ البداية أعذاراً لتبرير أدائهم، بل وحتى وجودهم، فألبسوا الثورة حلل مذهبية وسارعوا لتسليحها ليعزفوا أخيراً على وتر الأقليات، علهم يخالفون السياق والسيرورة ويتنكروا ل"إذا الشعب يوماً أراد الحياة ".
اليوم، وفي الذكرى المؤلمة الثانية لثورة كرامة السوريين، حبذا أن يلتفت صناعها ومؤيدوها إلى"فيما لو"،لأن التاريخ لا يعود للوراء، فما يجري من تجاذبات وانقسامات، إنما يدلل على استمرار التمني وطرح فيما لو، فما جرى في عمومه، مدعاة للحزن والرثاء...وليت ما سيجري يؤمل الشعب ولو بالعيش والبقاء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية