أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مستقبل سوريا ترسمه الرياض... محمد مشارقة

هل وصل الحل السياسي في سوريا الى حائط مسدود، سؤال يشغل الاطراف الدولية والاقليمية المعنية بالشأن السوري. الاطراف الفاعلة توقفت جميعا عند تقاطع خطر ولا يفضي الى مخرج، بعد رسائل قاطعة جازمة من النظام السوري، ترفض المساومة على مستقبل بشار الاسد في المرحلة الانتقالية ولا تقبل بحلول الاخضر الابراهيمي وما اسماه بالغموض البناء في صيغة " تفويض صلاحيات الاسد كاملة لحكومة ائتلافية مع المعارضة"، فدمشق تصر على بقاء الاسد رأسا للشرعية والباقي تفاصيل يمكن الحوار حولها. وفي المقلب الاخر تجد العديد من مراكز القرار ان البدائل المنظورة في المعارضة المسلحة لا يمكن الوثوق بها. فالقوى الفاعلة على الارض تتوزع بين سلفية جهادية وطنية ( الجبهة الاسلامية لتحرير سوريا وجبهة تحرير سوريا الاسلامية وتجمع انـصار الاسلام )واخرى اممية ( جبهة النصرة )، فيما تراجعت غالبية القوى المدنية بما فيها القوى التي اشعلت الثورة السلمية وشكلت قيادتها الميدانية طيلة الاشهر الثماني الاولى من عمر الثورة. فيماترددت مؤخرا قطر وتركيا الداعمتين الرئيسيتين للمقاتلين، وبات الدعم تحت رقابة لصيقة من الولايات المتحدة ، محكومة بعامل اساسي ان لا تقع الاسلحة النوعية بيد القوى المتطرفة بما في ذلك ترسانة السلاح الكيماوي .


الجميع انضبط في الاشهر الاخيرة لسياسة التردد والاحجام الامريكية والتي تعود معالمها الى بداية ادارة اوباما الاولى بالاحجام عن التدخل العسكري الخارجي المباشر، واكتفت الدول الغربية والاقليمية بوضع اليد والرقابة على طرق الدعم المالي والتسليحي لكل القوى المقاتلة بما فيها السلفية الجهادية بطرق استخبارية مبتكرة، في اطار ما اسمي بالتحكم بمدخلات ومخرجات الثورة السورية على ان تبقى في الاطار الجغرافي السوري . لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر، اذ شكلت جبهة النصرة وفي اقل من عام راس الحربة والطليعة لقوى جهادية عربية ودولية ، اعلنت دخول المرحلة الثالثة دون انتظار فتوى ومباركة راس تنظيم القاعدة، واعطت النصرة ومنظمات عربية رديفة بيعتها المنقطعة وغير المتصلة مع الظواهري لقادة محليين. والمرحلة الثالثة في ادبيات السلفية الجهادية تعني تشكيل الجيش الاسلامي لتحرير القدس، ويتوافق على هذا الراي سلفيو الاردن وسوريا والعراق ولبنان، ولم ينفك قادة النصرة عن ترديد مقولة " ان بلاد الشام ارض الملاحم ممرا وليست مستقرا وان قبلتهم فلسطين "، واعادوا التاكيد اكثر من مرة انهم تعلموا من تجربة العراق، وانهم لن يتدخلوا في الامور الحياتية للناس. وشكل سلوكهم وانضباطهم العالي وروحهم الجهادية محل اعجاب وتقدير الريف السوري الشمالي. فقد كسبوا عقول وقلوب السوريين بادائهم العسكري وفي التقدم لمساعدة الاهالي في حل مشاكلهم اليومية ، وتامين الخبز الرخيص والغاز الكهرباء والرعاية الصحية اضافة للقضاء الشرعي .
جاءت معركة سعسع في المنطقة الحرام الفاصلة بين اسرائيل وسوريا في الجولان ورفع علم القاعدة بعد تدمير موقع الامن العسكري السوري لتشعل الاضواء في تل ابيب فاستنفرت الاقليم والعالم ، واستخلصت المؤسسة الامنية الاسرائيلية ان سياسة الانتظار ومنع انهيار النظام لم تعد مجدية ، وان خطر الجهاديين وصل الى العنق .
التطور الاخر الذي ظهر دون سابق انذار كان مبادرة الشيخ معاذ الخطيب في 5 فبراير 2013 ، للحل السياسي مع النظام لتشكل الرافعة الرئيسية لتحرك دولي واقليمي ، يستعجل حلا سريعا فبل ان تنفجر المنطقة برمتها ، على يد جماعة القاعدة والسلفية الجهادية ، خاصة مع غياب سلطة مركزية قوية في سوريا ولبنان ، وازمة طائفية في العراق ووجود حاضنة ايجابية لأفكار القاعدة الجديدة في اوساط المخيمات الفلسطينية في الاردن . غير ان عاملان اساسيان ساهما في قلب المعادلة واستنفرا العربية السعودية تحديدا ، فالمعلومات اشارت الى ان ايران لعبت دورا أساسيا في بلورة معاذ الخطيب بالتنسيق مع النظام ورموز دينية وتجارية محلية في دمشق ، والعامل الاخر هو ظهور نتائج التحقيقات مع ضباط كبار في الجيش السوري تم اسرهم مؤخرا أشاروا بوضوح الى ان القيادة الميدانية في منطقة حمص هي بيد قادة من حزب الله اللبناني ، وان الجيش السوري في وضع انهيار وضعف شديدين . ردة فعل الرياض الغاضبة اسمعها القادة السعوديون لجون كيري في زيارته الأخيرة، وتقول المصادر الدبلوماسية ان كيري هاتف الرئيس أوباما على الفور ونقل له الموقف السعودي شديد اللهجة وخلاصته ، ان الرياض تستشعر خطرا على امن المملكة ، وانها لا تثق بالموقف الأمريكي سواء في وقف الطموح النووي الإيراني ولا في اسقاط النظام السوري، وانها ستمضي في تسليح المعارضة السورية بصرف النظر عن الموقف الأمريكي ، في الرياض عدلت واشنطن موقفها باتجاه رفع سقف الموقف قليلا، على ان يتم تنسيق التسليح معهم ، وان هذه الخطوة هي من اجل تحسين شروط التفاوض مع النظام ، واجباره على الانتقال الى الخطة البديلة الثانية ، التخلي عن بشار الأسد ودفع اركان النظام الى تحديد مضمون وطبيعة وصلاحيات الحكومة الانتقالية ، وأضاف الأمريكيون بندا اخر انهم يريدون الحفاظ على حزب البعث ليشكل عامل توازن مع القوى الإسلامية في سوريا المستقبل ، وان واشنطن لا تحبذ البته تكرار تجربتها في العراق بحل الجيش النظامي واجتثاث البعث ونتائجه الكارثية .
الكرة الان في الملعب الروسي ، بسياسة نصف الباب المفتوح لتسليح المعارضة والرسالة واضحة وعنيفة امما ان تقنعوا رجلكم في دمشق بالتنحي او انتظروا الأسوأ ، وموسكو ردت من خلال ما اسمي مؤخرا بالحلف المدني وشخصيته المركزية هيثم مناع ، حينما سارعوا للاتصال بالشيخ معاذ الخطيب زعيم الائتلاف الوطني في مقره بالقاهرة وارسل الحلف الجديد وفودا الى طهران وموسكو لطرح صيغة وسط تبقي على بشار الأسد راسا للشرعية ، كما تحمل الوفود بنودا غامضة حول مجموع الصلاحيات التنفيذية للحكومة الانتقالية ، يقول المعارضون الجذريون انها لا تبتعد كثيرا عن رؤية ومناورات النظام السوري .
نقطة ضعف المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري تكمن في شخص رئيس الائتلاف معاذ الخطيب ، الذي قال علنا انه يحضر لمفاجأة كبرى ، بعض العارفين بالشأن السوري يتوقعون احد الاحتمالين، الاستقالة من العمل السياسي، او السير بخطوة الاختراق الكبير على غرار السادات بزيارته للقدس المحتلة، بالظهور في دمشق وبرعاية إيرانية وروسية، ومعه الحلف المدني برئاسة وتنسيق هيثم مناع .

(103)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي