عرفت من إيماءات وجهه ويديه أنه يشتكي من ازدحامٍ، سببه إصلاحات أردوغان في ساحة "تقسيم" وسط اسطنبول، وعرفت أيضاً أنه يشتم أردوغان، أما أنا، فكل ماكان يدور في ذهني -بعد أن أكسبتي إقامتي في دمشق "المحتلة" مناعة ضد التذمر من الشوارع المغلقة- هو الرغبة بتكلم اللغة التركية لأخفف من غضب السائق، وأقول له: "على الأقل لا حواجز باسطنبول"..
ابتسمت عندما فكرت أن هذا السائق غاضب بالفعل من أردوغان، وأنه بالتأكيد ليس مخبراً يحاول جرجرتي في الكلام، وبينما بدأت تجتاحني، ذكريات مغامراتي مع سائقي التكاسي في شوارع الشام، تنبهت إلى أن السائق ينظر إلي، من خلال المرآة منتظراً رأيي في شيء ما..
استخدمت جملتي التركية الذهبية "توركش يوك..يابانجيم" أي "لاأتكلم التركية..أجنبية"..
وبقصد معرفة جنسيتي قال مستفهماً: عربي؟
أجبت: سورية..
أنسته كلمة "سورية" ازدحام الشارع وغضبه على أردوغان، فالقيادة لم تعد من أولوياته، كونه صار مضطراً لاستخدام كلتا يديه، وهو يحاول أن يشرح لي، تعاطف الشعب التركي مع السوريين..وبعد الإشارة إلى شاشة التلفزيون وإلى عيون تشاهد مايحدث في سوريا، أشار إلى الدموع التي يذرفها الأتراك على أطفال سوريا..
بعد عدة محاولات، فهمت أنه يسألني إن كنت أحتاج إلى المال أو إلى مكان للإقامة..شكرته وقد لاحظ أنني على وشك البكاء، فاعتذر عن سؤاله، وهو يخبرني أننا أخوة تجمعنا الإنسانية والدين، فهمت ذلك من كلمتي إنسان و إسلام..
ثم مرت لحظات صمت، تمنيت فيها، لو أن (غوغل) يسعفني في ترجمة امتناني لمشاعر السائق، وحزني على بلدي، إلا أن صوت السائق خرق جدار الصمت، بدعاءٍ بدا واضحاً أنه تقصد اختيار كلماته بعربية مكسرة: الله قاهر اسم بشار الأسد..الله قاهر اسم بشار الأسد..
لمى شماس - اسطنبول (تركيا) - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية