حول فتاوى الجهاد للمفتي حسون والشيخ البوطي... الدكتور عطاء الله عابد

اعتمد الفراعنة والطغاة وحكَّام الجور والاستبداد عبر التاريخ على ثلاثة وسائل متزامنة لإخضاع الجماهير المتطلعة إلى الحرية والعدالة والشورى والمساواة وإقامة حكم الكتاب والسنة. الوسيلة الأولى: ممارسة القوة والإرهاب والبطش. الوسيلة الثانية: استخدام المال لشراء الذمم والولاءات. والوسيلة الثالثة: الدجل والكذب وتزوير الحقائق. 
الذين يقومون بالمهمة الثالثة عادةً هم الكهنة ورجال الدين المزورين أو ما يُطلق عليهم في الأدبيات الإسلامية علماء السلطان و وعاظ السلاطين.
ولِحِكْمَةٍ ما، كان عدد الآيات التي جاءت في ذم علماء السوء والتحذير منهم، أكثر من عدد الآيات التي جاءت في الثناء على الصادقين المخلصين من أهل العلم. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34]
وقال: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: 63]
وقال: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
والآية تشير - كما يقول معظم المفسرين - إلى عالِم من علماء بني إسرائيل يُدعى «بلعم بن باعوراء» خان أمانة العلم وعادى موسى عليه السلام بدلاً من نصرته. فوصفه الله بأن «أخلد إلى الأرض»: أي مال إلى الدنيا وركن إليها وأصبح لا هم له إلا الدنيا، و«اتَّبَعَ هَوَاه» واتَّبع أهوائه وانساق وراء رغباته وميوله النفسية، وكان ﴿كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾ أي: لا يزال لَاهِثًا فِي كُلِّ حَالٍ، يعني لا يزال حَرِيصًا على المَالِ وَالمَنْصِبِ والجَّاهِ حِرْصًا قَاطِعًا قَلْبَهُ لا يَسُدُّ فَاقَتَهُ شيءٌ مِنَ الدُّنْيَا.
واليوم نرى في سوريا الحبيبة مثالين بارزين - ضمن أمثلة كثيرة أخرى - لعلماء السوء و وعاظ السلاطين ومُزَوِّري الحقائق ومشوِّهي الإسلام: هما "الشيخ" حسون و"الشيخ" البوطي.
فقد دعا الثاني من على منبر الجامع الأموي الكبير في دمشق أكثر من مرة السوريين إلى الجهاد تحت راية الجيش النظامي السوري [وبالأحرى جيش آل الأسد وعصابته وزمرته الإجرامية الفاسدة]، و شبهه بجيش الصحابة الكرام!! وأصدر الأول قبل يومين فتوى تنص على أن نصرة سوريا - وهو يعني بها نصرة نظام الطاغية ومجرم الحرب بشار وآله وزمرته القَتَلة الفاسدين- فرض عين على كل مسلم!!.
فأي تشويه للإسلام هذا وأي خيانة لكتاب الله تعالى... ليت شعري! بماذا سيجيب حسون والبوطي وأمثالهما ربهم يوم القيامة؟؟؟؟
إن الجهاد في سبيل الله هو القتال دفاعاً عن الحق والعدل والدين والتوحيد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى. هو الزود عن حياض الدين وبلاد المسلمين ومحاربة الباغين الذين يعتدون على حريات الناس وكراماتهم وأموالهم... هو لإنقاذ ﴿الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا. الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾. هذا هو الجهاد في سبيل الله.
لكن البوطي وحسون قلبا الحقيقة رأساً على عقب وجعلا القتال في سبيل الطاغوت جهادًا في سبيل الله!!!... جعلا القتال في سبيل العلمانية - كما صرح بشار الطاغية بأن نظامه يمثل آخر قلاع العلمانية - جهادًا في سبيل الله!!! جعلا المشاركة في إهلاك والنسل وقتل الأطفال والنساء جهادًا في سبيل الله!!! والبوطي جعل الجيش ورجال الأمن الذين يرتكبون أقذر الأفعال وأخسها بدءاً من القتل وحرق الجثث ورميها في الأنهار وانتهاء بسرقة البيوت وتدميرها وحرق الممتلكات... الجيش الذي يُمْنَع فيه على الجنود الصلاة الفردية فضلاً عن صلاة الجماعة والجمعة إحياءً لسنة أبي جهل الذي قال تعالى عنه: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى؟﴾ - جعله جيشاً بطلًا مغوارًا يشبه جيش صحابة رسول الله!!
يا سبحان الله! يا للعجب العجاب!! كيف يكون ما يقوم به الأسد مجرم الحرب السفَّاح وزمرته الإجرامية اليوم بحقِّ شَعْبٍ ثار يطالب بحريته وبالعدالة والمساواة والكرامة، فوُوجِه منذ أول يوم بالإجرام والقتل والتعذيب -للأطفال فضلاً عن الكبار- وبالتنكيل والتخريب مما يندر أن نجد له نظيرًا في تاريخ الأمم، من إجرام حاكمٍ بحقِّ شعبه على هذا النحو ومن الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، كيف يكون جهادًا في سبيل الله؟؟ أي تحريف للدين هذا وأي تشويه له بل أي تخريف!!! ألا لعنة الله على الكاذبين.
وأين منكما يا سوءة العلماء والمتلبسين زورًا وبهتانًا بلباس أهل العلم: البوطي وحسون من وصايا نبي الرحمة والهدى المؤكدة للمجاهدين في سبيل الله بقوله:
«اغزوا بسم الله، في سبيل الله مَنْ كفر بالله، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأةً، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعةٍ، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرةً، ولا تهدموا بناءً.... .... ألا لا تقتلوا ذرية ، ألا لا تقتلوا ذرية!!»
بل إن من أهداف الجهاد في الإسلام الحفاظ على دور العبادة التي يُذكر فيها اسم الله تعالى حتى ولو كانت دور عبادة غير المسلمين كما قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]
فكيف بمن يقصف المساجد ويهدمها فوق رؤوس أصحابها كما يفعل جيش الأسد وعصابته الإجرامية اليوم إذ هدَّموا وخرَّبوا ودمَّروا وحرقوا بقذائفهم وصواريخهم الحارقة عشرات بل ربما مئات المساجد وحتى الكنائس إما بشكل كامل أو جزئي، فهل فعلهم الإجرامي هذا نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله يُفْرَض على المسلمين تأييده ونصرته؟!!
كنا نتمنى أن نسمع منذ أربعين عامًا من البوطي وحسون فتوى واحدة في وجوب الجهاد لأجل تحرير الجولان المغتصب أو المُسَلَّم مجَّانًا للعدو منذ عشرات السنين مع أن تحرير بلاد الإسلام فرض كفاية فإن لم يقم به من يؤدي الواجب صار فرض عين، هذا في الوقت الذي كان سيدهما الأسد وابنه يُصَدِّعان آذاننا ليل نهار بكل وقاحة بأن السلام خيارهما الاستراتيجي، خلافًا لأمر الله! وكانا هذين المفتيين يلزمان الصمت!.. وتمنيت أن يصدر منهما منذ سنتين فتوى بتحريم قصف المدنيين العزَّل بالطائرات الحربية وبالبراميل وأنواع القنابل من عنقودية وفراغية و.. و... وتحريم قصف الواقفين في الطوابير لشراء الخبز، وتحريم التعذيب في السجون وهدر الكرامات واغتصاب النساء، وتحريم قصف المساجد وسائر دور العبادة، وتحريم تخريب البيوت فوق رؤوس أصحابها من نساء وأطفال وشيوخ ورجال عُزَّل أبرياء.... وتحريم استخدام القنابل الفوسفورية والكيميائية ضد شعب أعزل... ولكن هيهات... أنى لمن باع نفسه منذ سنين مديدة لسلطان جائر وأصبح بوقًا من أبواقه أن يقول ما يخالف رأي سيده ....
قال تعالى: ﴿وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [الشعراء: 151 - 152] وقال: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ [القلم: 8 - 12] وقال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾[الإنسان: 24]. وقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ [البقرة: 204 - 206]
صدق الله العليُّ العظيم

(99)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي