تعرضت سيارتي ليلاً لاعتداء تم فيه كسر المرآة الداخلية ومقبض المساحات والعبث بمحتويات السيارات، وهي عبارة عن مجموعة كبيرة من الفواتير غير المدفوعة، وجاكيت قديمة اشتريتها العام الماضي من البالة، تركتها داخل السيارة لأن زوجتي رفضت تعليقها في الخزانة، وبقايا قشور فستق حلبي مجفف في المنفضة. فقد تعودت على لوش أو علك أي شيء أثناء قيادة السيارة بعد أن تركت التدخين، ليس فقط كي أنسى السيكارة، وإنما كي أقنع نفسي أنني لا أتوقف عن العمل، حتى لو كان حشو الكرش، الذي نما وكبر بشكل ملحوظ بعد توقفي عن التدخين. وبما أنني من هواة الوجاهة والوجهنة، فقد كنت فخوراً بكرشي، مستعيناً في ذلك بالمثل الشعبي الشامي الذي يقول (الرجال بلا كرش متل البيت بلا عفش).
وبما أني معارض مهم وخطير للنظام الأسدي منذ أربعين عاماً، يعني:لست حديث نعمة، فقد تبادر إلى ذهني، أول ما تبادر، أن يكون أحد عملاء النظام الأسدي في مونتريال، وهم كثر، هو من قام بهذا الاعتداء لإلقاء الرعب في قلبي والتوقف عن مساندة الثورة، لأن المدافع والأسلحة الأخرى من مقالات وشتائم والتي أرسلتها للثوار قد أقلقت النظام وبدا تأثيرها واضحاً في المعارك الدائرة على الأرض.
الاحتمال الثاني: هو أن جاري الجزائري الموظف الرسمي في قنصلية بلاده في مونتريال، وهم المعروفون بغضبهم السريع وتعاطفهم ودعمهم للمجرم بشار الأسد، انتقم مني لأنني تركت السيارة في الشارع أمام منزله. ورغم أن الجميع هنا يعرف أن الشارع ملكية عامة، لا يحق لأحد الادعاء بأن الرصيف الذي يقع أمام بيته يخصه ويستطيع التصرف به كما يحلو له، كما يفعل ضباط المخابرات في سوريا عندما ينصبون براكات خشبية أمام منازلهم مدججة بالسلاح والمجندين، ويحاولون استملاك العمارات والشوارع. إلا أننا كعرب نحب، ثقافياً، أن تكون الشوارع والبيوت والسيارات والنساء ملكية خاصة، لذلك ظننت سوءاً بجاري الجزائري، قبل أن يخطر على بالي الاحتمال الثالث:
وهو أن الجار الأردني البعيد قليلاً، قد يكون هو من حاول إلحاق الضرر بي بعد مشادة كلامية بيننا عن سوء المعاملة التي يلقاها السوريون عندهم، ومحاولة الأردن سرقة مخصصات مخيم الزعتري من المساعدات، والشحادة من المجتمع الدولي على حساب اللاجئين السوريين.
استبعدت الحالات السابقة وفكرت: لماذا لا يكون عملاء المخابرات الأمريكية هم من قاموا بذلك، خاصة وأنهم يسرحون ويمرحون في كندا دون رادع أو رقيب، وأنني كنت قد تعودت منذ نعومة أظافري في حزب البعث على شتم الامبريالية العالمية علناً، والعمل سراً أي شيء كي ترضى عني، وهاجمت عدة مرات تخاذل الأمريكان في دعمهم للثورة السورية، وخاصة دور الحرباء الذي لعبه السفير فورد في التحريض على الثورة ووعوده المتكررة في دعمها ثم التخلي عنها للروس والإيرانيين.
ومن باب الديمقراطية وتوسيع دائرة النقاش لتوريط الجميع في القرارات، دعوت أولادي وزوجتي إلى اجتماع طارئ لمناقشة الأمر، وبما أنهم كانوا أولاداً ويعرفون ما يجري في الشوارع ويعرفون عيوب والدهم، سألوني إذا كنت قد أغلقت أبواب السيارة جيداً، فمن عاداتي أنني أنسى ذلك عندما أغادرها، وقد برهنوا لي بالدليل العملي أنني نسيت قفل باب السيارة الأسبوع الماضي عدة مرات وأنهم هم من فعل ذلك.
قلت لهم: إنكم تسيئون الظن بإمكاناتي العقلية رغم أنني لم أصل للسبعين بعد، فكيف سيكون ظنكم بي لو كنت في عمر بعض المعارضين الذين تجاوزوا الثمانين، ولا زالوا قادرين على قيادة الأمة من المحيط إلى الخليج؟
قال أحد الأولاد: إن المراهقين يعرفون أن بعض الناس ينسون سياراتهم مفتوحة، وهذه مناسبة أمامهم لفتحها والبحث عن أي شيء ثمين وصغير لسرقته، وربما من أجل علبة دخان فقط.
قلت لنفسي، سبحان الله كيف أن الإنسان يستبعد الخطأ عن نفسه ويرميه على الآخرين. ثم قمت بقيادة السيارة إلى كراج صديقي الشيعي اللبناني، وهو قريب فكري ليحيى جابر وعدو فكري للجنرال عون، لإصلاحها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية