في بلاد أطلقوا على كل شيء فيها اسم الأسد كان لابد من ثورة، في ثورة أطلق فيها الرصاص الحي على المتظاهرين واستشهد العديد منهم لابد من الاحتكام للسلاح، في نظام سياسي يقوم على سلطة الفرد القائمة على هيكلة طائفية معينة للقوات المسلحة لن يقف الجيش مع الشعب ويمكن ان يبقى متماسكا رغم كل التصدعات والضربات الموجعة.
من هذه المعطيات التي وضّحتها أيام السنتين الماضيتين نشأت الحالة السورية الجديدة، أسلحة منشورة بعرض البلاد وطولها ، ترسانة من الأسلحة اللامنتهية بيد جيش النظام وشبيحته ممن يرون بسقوط النظام فناءً لهم كطائفة وكمنتفعين ، أسلحة من الانشقاقات والغنائم والدعم المالي المختلف بيد الكثيرين من أبناء الشعب في إطار كتائب مبعثرة للجيش الحر، في ظل هذا الانتشار الواسع للسلاح واستخداماته المتعددة الأشكال للتدمير والقتل والخطف والنهب ، حكايات كثيرة ومتناقضة، ونقاشات صاخبة وغاضبة ، آمال متباعدة ومتعاكسة(أمل بالدولة الصنديدة التي تقوى على زراعة الأرض بطاطا بدلا من البشر والشجر والحجر مع الأمل بالسقوط الوشيك لنظام يفقد السيادة على المزيد من الأرض)، وشعب هائم في الداخل كما في الخارج لا يعيش سوى على حالات مختلفة من التشرد والضياع.
مواقف تحذيرية عديدة رافقت انتشار السلاح ودعوات تأييد داعمة ، كلا الاتجاهين في المعارضة السياسية لم يكن فاعلا ومؤثرا ، فإذا فشل الاتجاه الأول على إسقاط النظام أو إجباره على القبول بتغيير حقيقي، فإن الاتجاه الآخر لم يستطع تنظيم وقيادة الثورة في تحولها نحو الشكل المسلح، بالمقابل فإن الكتائب التي تشكلت كجيش حر لم تتمكن من تنظيم صفوفها وبقيت أسيرة على ما يبدو للتجاذب المزدوج من الجهادية الإسلامية ومن المجلس الوطني ثم الائتلاف ، في هذا التجاذب الذي لم ينتهي يمكن ملاحظة كل النشاط الفوضوي المرافق لحمل السلاح وكل التخوف الدولي من تقديمه السلاح لإنهاء الازمة عسكريا.
في الذكرى الثالثة لبدء الثورة يتكرّس الصراع على الأرض طارحاً العديد من الأسئلة :هل نجح النظام بالخروج من النهايات المشابهة للأنظمة الدكتاتورية الأخرى ؟، هل أخطأت المعارضة السياسية في دعم التظاهرات المنادية بالحرية التي تحولت لثورة حقيقية لإسقاط نظام لا يتورع عن فعل أي شيء(الأسد أو تحرق البلد)؟،هل تحولت سوريا إلى موقع استراتيجي يجري الصراع عليه دولياً بعد ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن؟، هل الثورة على النظام في سوريا كمنطقة نفوذ ايرانية تحتم حرباً إقليمية ؟، أيا كانت الإجابات فإن معظم الوقائع لا تشير إلا للمزيد من العنف ، مناطق جديدة تتحرر من قبضة النظام وتصبح هدفا لطائراته وصواريخه، ومناطق محررة يركّز النظام على استعادتها كمراكز استراتيجية ولو كانت ارضا محروقة.
بهذا الاستخدام المفرط للسلاح وانتشاره الواسع في كافة المناطق تتحول سوريا إلى ساحات حرب ويستمر النزوح والتهجير وتستمر أعمال النهب والخطف والقتل، في كافة المجتمعات ومنذ ظهور الأسلحة الحديثة كأدوات قتل وتدمير لا تعتمد على القوة البدنية هناك ضوابط صارمة، التظاهرات الغاضبة وحتى المترافقة مع التخريب تواجه من الأجهزة البوليسية كحد أقصى بالهراوات والقنابل الدخانية، في حالات نادرة قد تلجأ بعض الدول لإنزال القوات المسلحة من ثكناتها إلى الشوارع بهدف فرض النظام العام دون أي استخدام لطلقة رصاص واحدة، ما قام به النظام السوري لا يمثل إلا حالة من حالات انهيار الدولة, استخدام السلاح الثقيل من طائرات ودبابات ومدافع وصواريخ وبهذا الحجم من الدمار والمآسي ليست سوى حالة انتقامية من المناطق الساخنة ، الرشاشات المتوسطة والخفيفة المستخدمة من قبل العناصر العسكرية والأمنية وعناصر الشبيحة تستخدم كأسلحة هجومية للقيام بأعمال القتل والخطف والنهب في المناطق التي تطلق يدهم فيها، بالمقابل فإن الاسلحة المتوسطة والخفيفة المستخدمة من قبل الثوار لضرب المرتكزات العسكرية والأمنية للنظام تستخدم هي الأخرى في أعمال القتل والخطف والنهب، إضافة لاستخدامها في فرض قبضتهم على المناطق المحررة عبر الهيئات الشرعية كمحاكم ميدانية.
إن ما يقوم به النظام كمحاولة للخروج من السقوط بأقل الخسائر الممكنة ولو على شكل سلطة غير سيادية على كامل البلاد أو على شكل سلطة محددة ببقعة جغرافية محددة، لا يدع مجالا للبحث في ضبط استخدامه الهمجي للسلاح، أما ما يتعلق باستخدام السلاح من قبل الثوار فإنها أضحت مسألة غير قابلة للنقاش كوسيلة وحيدة لإسقاط نظام لا يمكن إسقاطه سوى عسكريا، مما يفتح المجال واسعا للبحث في آليات ضبط أسلحتهم بذلك الاتجاه وفقط ، ولامجال للحديث هنا عن الالتزام الاخلاقي والديني للثوار والتمييز بينهم كجبهات وكتائب وأفراد ولجوء كل مجموعة لتطبيق ما تراه مناسبا لفرض سيادتها على منطقة معينه من محاكمات وتحقيقات ومحاسبة، فالثائر الذي اختار الخروج حاملا سلاحه دفاعا عن شعبه لإسقاط تلك السلطة ليس معنيا سوى بهذا العمل، أما ما يتعلق بتنظيم الحياة العامة للمواطنين في المناطق المحررة من قضاء وإغاثة وطبابة وخدمات ضرورية فهي مسائل ينبغي حلها عبر هيئات مدنية منتخبة أو يجري التوافق عليها بين أبناء كل منطقة كحالة مؤقتة من ذوي الكفاءات العلمية والعملية المناسبة ، إن مسألة ضبط السلاح المنتشر بيد الثوار مسألة أكثر إلحاحا من جملة المسائل الأخرى التي فرضتها الحالة الزمنية للثورة والتي يمكن ان تمتد لزمن طويل، ضبطا قد لا يثمر إلا بقيام مؤسسة موحدة لجميع الثوار تعمل على تحقيق النصر العسكري على النظام, وقادرة على توجيه كل أسلحتها لهذه الغاية النبيلة بعيدا عن ما يسمى بالتجاوزات الفردية التي لم تعد تجاوزات، وبعيدة عن فرض سيطرتها كسلطة بديلة لا يمكن إلا ان تكون سلطة يختارها الشعب ولو بصورة مؤقته.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية