كل الطرق تؤدي الى روما، لكن ما فائدة الطرق إن وصلت إلى روما لتجدها خراباً و دماراً؟! روما العربية تحترق الآن، وما لم يحترق يشتعل، وما لم يشتعل يشهد احتكاكات بين الحجر والحجر، ثمة شرر، وأعظم النار من مستصغر الشرر.
بعد سنتين من «الثورات» العربية ما تزال الثورات تراوح مكانها. ومكانها إما بحيرة دم أو خلافات قاتلة أو تجارب حكم فاشلة.وان تعيش دول هذا المخاض وهذه المدة فهذا يعني أن المولود لن يأتي وأن حدثت معجزة فسيكون مشوهاً.
لقد بدأ السؤال يطرح نفسه بإلحاح: هل هي ثورات فعلاً؟ ومن هم الثوار؟ الشعوب التي أصبحت في المنافي تستجدي أبسط حقوق العيش ومساعدات "الأشقاء" والأعداء، ورحمة السماء من وحشية البرد وغول الجوع؟ أو هم القتلى بقنابل النظام وبرصاص الثوار حتى بات القتيل وحده معلوم الهوية فيما القاتل مجهول النسب مختلفٌ عليه؟ يحدث هذا وما يزال فيما تتعمق الجروح والانقسامات بين مكونات الدول ومكانتها وحتى مكانها في المستقبل المنظور.
طالما أن الثورة في سوريا تفجرت بفعل فاعل ومساعديه، لماذا إذن يترك "الثوار" في منتصف الطريق والحريق؟ ولماذا لم يقرر مجلس الأمن استخدام البند السابع الذي يتيح التدخل العسكري في الأزمة السورية، كما حدث في ليبيا؟ لماذا لم تقرر دول "الأمن" إنهاء معاناة السوريين وإعادة الأمن إلى الشعب الذي يموت كل يوم مرتين، مرة الآن ومرة في المستقبل؟ هل ثمة سبب غير أن الهدف أساساً من "الثورات" غير هذا الذي يجري من تفتيت مبرمج للشعب العربي السوري؟!
ماذا يعني أن تخرج مظاهرات و تنشر بيانات و تطلق تصريحات من قبل اللاجئين السوريين ومن قيادات معارضة تندد ب "التجاهل الدولي" للأزمة السورية؟ ولماذا يقدم السلاح للمعارضة بالقطارة ويحدد مداها ومناطقها التي يجب أن تستخدم فيها؟
"الدولي" هنا تعني سياسياً الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ثم ومن ورائها، الدول التابعة لها في ما يسمى النظام العالمي الجديد، وهذه هي ذاتها دول سايكس- بيكو والاستعمار العالمي القديم.
والواضح أن ما تعتبره المعارضة السورية تخلياً من الجهات التي حرضتها على الثورة هو نفسه الهدف من التحريض الذي شاركت به وبفاعلية ربما عمياء، أو بعيون غير عربية دول عربية، أي لا انتصاراً للثورة ولا للنظام بل انتصار فقط لهدف تدمير سوريا الدولة والموقف والمستقبل وبالتالي تمرير مرحلة من مراحل المشروع الصهيوني "من الفرات الى النيل".
كذلك مصر التي يمزقها «اخوان مسلمون» استهوتهم لعبة الحكم وهم غير قادرين كما لم يكونوا يوماً في تاريخهم قادرين. ومن شجع الاخوان على الانجرار إلى اللعبة يدرك بل خطط لهذه النتيجة التي نراها الآن بدعوى الديمقراطية والحرية، نصف شعب مصر يعارض نصفه، لكأن النيل اختفى! فيما اللعبة الأكبر هي التفتيت وتدمير الاقتصاد المصري من خلال الارتهان للبنك الدولي و قرض الأربعة مليارات دولار !!
يقول يوركا فيشر وزير خارجية ألمانيا الأسبق و الخبير القريب من المنطقة العربية إن المنطقة لم تعد تهم الدول الكبرى–فالنفط تحت السيطرة والغاز في أيدٍ "أمينة" وإسرائيل لا خوف عليها.
وإن الدول العربية لم تعد دولاً بالمعنى الفعلي الدولي لمواصفات الدول، ويستنتج فيشر أن مستقبل المنطقة أسود قاتم والآتي أكثر ظلاماً.
حين نقول: إن الثورات ليست ثورات لا نعني التقليل من معاناة الشعوب تحت حكم أنظمة قمعية فاسدة.
ولا نقول ذلك حباً في سواد عيون أي نظام، بل حباً بالعرب وفهماً لما يخطط ضدهم، وكم نتمنى أن يكون للكل عيون ترى أبعد من مدى صوتها!!
*رشاد ابو داود
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية