عبر تحقيق موسع من استنبول، حاولت شبكة "CNN" الأمريكية أن تقدم أجوبة عن سؤال فضلت الشبكة طرحه تحت عنوان عريض، مفاده: "كيف يكسب الإسلاميون الأرض في سوريا"؟
انطلقت "CNN" من قصة شاب عشريني نشط في الحراك الثوري السلمي بإدلب مركزة على ما اعتبرته "تحولا إيدلوجيا" جعل الشاب أكثر ميلاً للإسلاميين، ودفعه للانخراط في جبهة النصرة "القوة الإسلامية الأكثر شهرة وشراسة في مقارعة نظام الأسد".
منزعجون للغاية
ويقول تحقيق الشبكة الأمريكية إن "التحول الإيديولوجي لهذا الشاب يمكن اعتباره نموذجا لتحول أوسع، بات –حسب ناشطين سوريين- ظاهرا بعد سنتين من الثورة"، مستشهدا بما تورده رفيف جويجاتي، الناطقة الإنجليزية باسم لجان التنسيق المحلية، من أن "العسكرة والأصولية تتزايدان في الثورة".
وتضيف جويجاتي: جبهة النصرة تواصل الحصول على المكاسب.. إنهم مستمرون في حصد مزيد من الشعبية، لاسيما أنهم بدؤوا بتقديم الخدمات الاجتماعية.
وتنقل "CNN" ما يدور من أحاديث حول مساهمات "النصرة" العسكرية، فرجال الجبهة هم من يقودون الحصار المتواصل لمطار كويرس العسكري بمحافظة حلب، كما إنهم ساعدوا في معركة السيطرة على مطار تفتناز، أكبر قاعدة للمروحيات العسكرية في البلاد.
وتخلص إلى أن "الانتصارات الإسلامية البارزة في ساحات المعارك كانت مصحوبة باتجاه آخر، فرض ظهور الرايات الإسلامية مكان علم الثورة، في الاحتجاجات المناهضة للنظام، حيث يؤكد ناشط سوري بارز من إدلب: "بعد سنتين من القتل والذبح على مرأى من العالم الذي يتفرج، بتنا لا نعتمد إلا على الله؛ لذا بدأنا برفع راية لا إله إلا الله".
وترى الشبكة الأمريكية أن "النمو السريع للمجموعات المسلمة السنية الأصولية مثل جبهة النصرة، أمر يجعل جويجاتي وثوريين أكثر علمانية منزعجين للغاية، وليس ذلك فحسب بل إن القضية جعلت واشنطن تبدو مرتبكة أيضا، ففي ديسمبر/كانون أول الفائت، أدرجت الحكومة الأمريكية جبهة النصرة على القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية".
إنهم إخوتنا
ويبرر روبرت فورد سفير واشنطن لدى دمشق سلوك إدارته، قائلا: أدرجنا جبهة النصرة ضمن القائمة السوداء؛ بسبب صلاتها العميقة بالقاعدة في العراق.. وهذه الأخيرة مسؤولة عن قتل آلاف العراقيين ومئات الأمريكان.
لكن بعض قادة المعارضة السورية، لديهم رأي آخر حول هذا التنامي، حيث يلقون باللوم على تقاعس الغرب، وهو ما يعبر عنه مروان كعيد مصرحا: الولايات المتحدة وأوروبا لم يمدوا لنا يد العون، وهذا ساعد على تنامي الأصولية الإسلامية هنا.
"كعيد" كان قاضيا في السلك العدلي التابع للنظام قبل أن ينشق عنه، ويساهم لاحقا في إطلاق مجلس المحاكم الموحد، وهو كيان قضائي تديره المعارضة، وتحاول من خلاله فرض القانون والنظام في أجزاء واقعة تحت سيطرة الثوار ضمن حلب.
وشأنه شأن العديد من أقطاب المعارضة، ينظر "كعيد" إلى المجموعات الإسلامية -مثل النصرة- بوصفهم "شركاء في الحملة الهادفة لإسقاط نظام الأسد"، معقبا: إنهم إخوتنا في الثورة، وهم يضحون بدمائهم، لكننا نختلف على كيفية بناء الدولة.. ندعو إلى دولة ديمقراطية مدنية، وهم يدعون إلى دولة إسلامية.
ويقول التحقيق إن أعضاء في جبهة النصرة رفضوا مقابلة صحافيين من "CNN" وجها لوجه، وبدلا من ذلك، فضل سالم الصباغ، الناطق باسم الجبهة في حلب، أن يجيب على أسئلة قدّمت إليه مكتوبة.
أجاب الصباغ موضحا أن الهدف الرئيس للجبهة في سوريا هو "تأسيس دولة إسلامية تكون مستندة على مبادئ الشورى، حيث يتم حفظ الحقوق وتحقيق العدالة وفق شرع الله".
كوة أمل
ويضيف الصباغ: بدأنا بتنفيذ شرع الله في بعض المناطق المحررة.. وقد لاحظنا ترحيبا عظيما من الناس فيما يخص المحاكم الشرعية، لاسيما عندما اكتشف هؤلاء بأن هذه المحاكم لم تكن كما راق للبعض أن يشيع عنها في محاولة لتشويه صورتها، من أنها محاكم معدة لاستعباد الناس وإصدار أحكام بقطع رؤوسهم، ليقنعهم بأن قشة الخلاص الوحيدة أمامهم هي اختيار نظام غربي علماني".
وينتقل تحقيق "CNN" إلى شق آخر فيما يخص تمدد الإسلاميين، منوها بما تقدمه مجموعات إسلامية -ومن أبرزها النصرة- عبر "توزيع الغذاء والوقود على السوريين الجياع والمتجمدين من برد الشتاء"، علاوة على توفير "خدمات عامة رخيصة، في أجزاء واقعة تحت سيطرة ثوار حلب".
وتورد الشبكة شهادة ناشط من إدلب، يقول فيها عن أعضاء "النصرة": هم لا يمارسون القتال فقط، لكنهم يؤدون الكثير من الواجبات المدنية أيضا، مثل تنظيف الطرق، تشغيل المخابز، وإصلاح البنى التحتية كالكهرباء.
ويخلص التحقيق إلى أنه "حتى السوريون الذين ينتقدون جبهة النصرة، يقرون بأن الإسلاميين فتحوا كوة أمل لأولئك الذين صدموا بقمع وحشي، أودى بحياة 70 ألفا، وشرد الملايين".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية