إيهام تقسيم سوريا... ولعبة الممكن والسفيه
ثمة مستوى سياسي جديد بدأ ينتهجه الروس بالتعاون مع الأمريكان، وانطلى، كما يبدو، على المعارضة السياسية، بمن فيها الشيخ معاذ الخطيب. فأن يطرح مشروع تقسيم سوريا على طاولة الحوار، فلا شك سيكون الخيار ضده، حتى لو كان المفاضل به، رحيل الرئيس بشار الأسد.
لذا بدأ الإيهام أن قطار الأزمة، بعد ما بدأ يشاع عن "الاستعصاء العسكري"، بدأ يسير، أو يُسيّر مكرهاً إلى يوغسلافيا، لتقسيم سوريا إلى دويلات على حسب الانتماء القومي أو الاعتقاد المذهبي، لتكون-ربما- انموذجاً عربياً متقدماً على الفيدرالية العراقية، بعد أن استطاب للرعاة "الحالة الصفرية" على الأرض، وتذرعوا بعدم الوصول لصيغة توفيقية ترضي "الأطراف المتنازعة" وبعد أن رشحت دلائل لقوة الأقاليم، تفوق ربما السلطة المركزية، والتي يُقال تاريخياً أنها مفككة ولم يتم الاشتغال عليها، بقدر ما أُشتغل على تكريس المناطقية عبر لعبة"الظاهر والباطن" وتمجيد الوطنية والقومية لفظياً، في عهد الأسد الأب على الأقل.
لهذا، ربما، سمعنا رئيس الإئتلاف السوري معاذ الخطيب، بعد خروجه من مؤتمر أصدقاء سوريا في روما، يقول نزقاً ومحذراً "وحدة الأراضي السورية بأكملها هي خط أحمر" لما يُشاع عن محاولات لتقسيمها. ويردف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه في الكريملين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند "إن استمرار الحل العسكري في سوريا سيؤدي إلى تفكك البلاد وتقسيمها" و لينهي، أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، حملة ترويج الفكرة "الحل العسكري لسوريا سيؤدي إلى تفكك هذا البلد الذي يشهد منذ عامين نزاعاً أسفر عن مقتل 70 ألفاً على الأقل".
ولئن كان الاعتقاد أن أغلب تلك الأصوات، جاءت كردّات فعل ظرفية جرّاء ما يقال عن "الانسداد السياسي" و تنامي الصراع على الأرض، ولا تمثل الرأي العام الشعبي المساند للثورة، ولا حتى الثوار أنفسهم، أو أتت مرادافاً لخيار"الأسد أو نحرق البلد" وأخص منها ما قاله الرئيس بوتين، أي الحل السياسي عبر الحوار وفق وصفة النظام. أو تقسيم سوريا، فإن ذلك لا يمنعنا من الإقرار بشرعية التخوف مما بدأ يحضر له علانية من جهة النظام، من خلال تعميق الطائفية ونقل المنشآت والاستثمارات السورية إلى مدن الساحل السوري، أو دولة الحلم المنتظرة، في تأكيد شكلاني على الأقل، لترويج الفكرة، علها تسد مكان أهداف الثورة، أو حتى وجوده شخصياً.
ولكن،ليس من الصعوبة لمتأمل، اكتشاف أن النظام مازال يقاتل على كل الجبهات ما يعني عدم وجود اتجاهات تقسيمية جادة لديه، الآن على الأقل، أو حتى لدى القوى الفاعلة على الأرض، أيضاً بدليل قتالها على كامل الأراضي السورية بهدف تحريرها، وعدم لجوئهم للطائفية رغم تكريسها والاشتغال عليها.
إذاً، أغلب الظن أن الهدف من تحذيرات تفتيت سوريا، هو وضع موضوع التقسيم على طاولة الحوار على اعتباره حلاً، ولعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كان الأكثر وضوحاً، إذ أردف بعد "خطر التقسيم" أن فرص الحل السياسي شبه معدومة، ما يعني بقاء حل التقسيم إن لم ترضخوا للحل التفاوضي.
قصارى القول: قد لا يكون من نوايا دولية لإعادة رسم الجغرافيا من جديد، لكن القوة الفاعلة عالمياً تريد لفكرة التقسيم أن تكون حاضرة كي تصبح هدف الجهود السياسية، وعندما يصبح محاربة التقسيم هو البرنامج، تضيع وقتها أهداف الثورة التي خرج السوريون للمطالبة بها.
ولكن، إن سلمنا جدلاً بوجود هكذا احتمال نهائي، لدى النظام ومن حوله ممن استمرؤوا الميزات والمكاسب، فهل يروق تكريس التطرف الديني للعالم، بمن فيه روسيا الداعية للفكرة، وهل ذلك ممكنٌ لجهة وجود مقومات دولة في مدن الساحل وهل من السهولة استقدام العلويين القاطنين خارج مدن الساحل السوري، وطرد سكانه الأصليين من غير العلويين.
خلاصة القول: استناداً إلى ما تقدّم نخلص إلى طرح سؤاليْن: ألا يشي توجه هذا التخويف الناعم إلى تحالف خفيّ، حتى مع بعض الأطراف العربية التي بدأت تضغط باتجاه الحل السياسي"واستحالة ما عداه"، ما يفرض ضرورةً، وجود تحالف، وإن خشن، بين الثوار والمعارضة السياسية، لعدم الوقوع في فخ الانشغال بحل التقسيم و تبديد مخاوف هذا التوجه، حتى وإن اضطروا لنقل المعارك إلى الدويلات المحتملة.
أما السؤال الثاني، أفي صالح الثورة السورية تسويق "التيارات الدّينية السلفية" لتكون شماعة للخارج و انتكاسة للداخل، حتى لجهة ما نادى به جمهور الثورة، وخاصة منها مطلبيْ الحرية والكرامة. قبل أن يحوّل الكبار عمداً، "فزاعة أسلمة الثورة" إلى موضع مساومة مع التقسيم، لتغدو غولاً يُخيف العالم ويأكل ثورة السوريين؟!.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية