الاصل في الحهاد في الاسلام هو جهاد المعتدين على الاسلام او المسلمين او دار الاسلام " وقاتلوا الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا ان الله لايحب المعتدين", ولا تنشر الدعوة الاسلامية بالجهاد وانما يتم نشرها بالاقناع" لااكراه في الدين". واما الفتوحات الاسلامية فما لم يكن منها دفاعا عن الاسلام والمسلمين ودار الاسلام ,فقد كان للقيام بضرورات الدولة وليس للقيام بضرروات الدين.
لم يرد ذكر الجهاد في النصوص الاسلامية الا كان الجهاد بالمال سابقا على الجهاد بالنفس، وجهاد النفس اي ردها عن غيها وامرها بالسوء وكبت شهواتها هو الجهاد الاكبر على حد تعبير الرسول الكريم عليه السلام.
ان الجهاد كعمل نضالي ليس حكرا على الاسلام والمسلمين, فكل الامم عرفت مجاهدين يناضلون ضد المعتدين في سبيل اوطانهم بصرف النظر عن اديانهم ومعتقداتهم, من جورج واشنطن الى غاندي وماوتسي تونع وعمر المختار وهو شي منه الى غيفارا.
ان المشكلة في الحركات الجهادية الاسلامية ليست الجهاد بحد ذاته كعمل نضالي تبرره الشرائع والقوانين وانما الفكر التكفيري الذي يحمله بعض منتسبيها والذي يصيب حتى المسلمين من اصحاب الاراء المخالفة.
اطلق القران لقب الكفار على مشركي قريش ومن والاهم, اما اهل البلاد المفتوحة الذين لم يدخلوا في الاسلام فكانوا اهل ذمة ولم يكونوا كفارا, وكان الخوارج اول من كفر المسلمين بتكفيرهم مرتكب الكبيرة.
يعتبر ابو الاعلى المودودي وسيد قطب الابوين الروحيين للحركات الجهادية الاسلامية في العصر الحديث, ويستند بعض اعضائها في التكفير على وصف سيد قطب للمجتمعات الاسلامية بانها مجتمعات جاهلية, وان هو نفسه يرى ان جاهليتهم في سلوكهم الاسلامي لا في معتقداتهم الدينية.
ان محاولة اقصاء المكون الاسلامي عن العمل السياسي او المجتمعي الرسمي الذي مارسه الاستعمار والاستبداد وتطرف دعاة الدولة المدنية والعلمانية في التعامل مع المكون الاسلامي كان العامل الاساسي في نشوء الحركات الجهادية.
ومايزيد من عصبوية الحركات الجهادية عدا الاقصاء هو شعور منتسبيها ان الهجوم انما يتناول الاسلام لا حملته, فالاقصاء ورفض الاخر الذي تمارسه الحركات الجهادية انما هو ردة فعل للتطرف والاقصاء الذي تمارسه الحكومات الاستبدادية ودعاة الدولة المدنية والعلمانية تجاههم وعلى حد قول كارل يونغ فان مقاومة اية فكرة اوظاهرة مجتمعية تدفعها الى الدفاع عن نفسها بشكل شرس فيتم تكريس ما سعت مقاومتها لدفعه , ولو كان هناك قبول لهم كمكون مجتمعي يحمل فكرا تجب مناقشته بهدوء لا اهماله ومحاربته, والسماح له بالدعوة لنفسه بسلمية لكان التعصب لهذا الفكر اقل والتطرف فيه اهون وتطوره ليقترب من الواقع وعدم انعزاله اكبر.
ان جبهة النصرة التي تعمل في سوريا هي احد تفريخات تنظيم القاعدة وان كانت محسنة عنه فكريا، والجبهة لم يصدر عنها اعلاميا الكثير مايمكن معه تمييز فكرها واتخاذ موقف بشأنه, وان كان ماوردنا من اخبار عنها ولقاءات مع بعض اعضائها يدفعنا للقول انها منتج محسن عن القاعدة.
ان قبول جبهة النصرة بالمطلق يعطيها مبررا للقيام باعمال غير مقبولة ورفضها بالمطلق يدفعها الى العصبوية والانعزال ورفض الاخر عنادا" وحماية للذات.
ان محاربة الجبهة للنظام هو امر يجب التأكيد على دعمه مع الطلب من الجبهة وحثها على ان تعلن قبولها بقيام دولة مدنية لكل السوريين من دون استثناء تقوم على الحرية والعدالة والكرامة,وقبولها بالديموقراطية التي تمنحها وغيرها فرصا متساوية في طرح برامجها والدعوة لها وتنفيذها.
وماهو مرفوض هو دعوتها تطبيق الشريعة الاسلامية القائمة على فكرة الحاكمية الالهية, وان لم يكن ممنوعا تطبيق الشريعة كاجتهاد بشري ذي مرجعية اسلامية اذا كانت خيارا" للشعب, فالشريعة بعد تلقيها من قبل البشر فهما وتأويلا وتنفيذا تصبح عملا بشريا قابلا كاي عمل بشري لاحتمالات الخطأ والصواب.
ما هو مرفوض من الجبهة هو الدعوة للخلافة الاسلامية, فالخلافة السلامية اجتهاد بشري في اسلوب الحكم مضى وقته وليس اصلا من اصول الدين,ويمكن تطبيق مقاصد الشريعة في رعاية الضروريات باي شكل تتفق عليه الامة من اشكال الحكم الحديثة التي توصلت اليها اجتهادات البشر كما توصلت الى الخلافة سابقا". وماهو مرفوض من الجبهة هو الدعوة الى افكارها بالعنف والاكراه وسعيها الى تطبيق الحدود الشرعية بشكل افرادي دون العودة الى مرجعية دستورية او قانونية عامة وجامعة.وماهو مرفوض من الجبهة هو تكفير المخالفين-ان كان موجودا حقا"- فالناس اخوة في الدين او الوطن او النسانية على حد تعبير الاملم على..
وعلى الطرف الاخر فيجب على دعاة الدولة المدنية والعلمانيين عدم التطرف في رفض الحركات الجهادية-فالحركات الجهادية ليست وحيدة المنهج او الفكر- وعدم ادعائهم لاحتكار الموضوعية والعقلانية والمنطقية وانكارها على غيرهم.
ويجب الوعي ان كثرة الحديث عن جبهة النصرة واتهامها باي عمل فيه بصمة تنظيم القاعدة ونسبة كثير من عناصر الثورة المسلحة لها هو مايثير القلق غير المبرر منها.
ان الموقف من جبهة النصرة يجب ان لا يكون وليدا لاندفاعات عاطفية او مصلحية تدعو البعض للتقرب منها تقربا للشارع السوري والثورة وتحديا للنظام والغرب المعادي لماهو اسلامي, او ابتعادا" عنها تطرفا في حمل الفكر العلماني والغاء للاخر في تجاهل كامل لحرية الفكر التي يحارب دعاة العلمانية من اجلها , او صمتا خوفا من الاحتراق السياسي.
ان الموقف من الجبهة ومن كل تيار يعمل على الارض السورية يكون مبنيا على موقفه من الثورة واهدافها وعمله من اجلها, ومبنيا على طروحاته الفكرية وسلوكه العملي.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية