مديح الجنرال حافظ الأسد
لي صديق محام اسمه محمود ك، تعرفت عليه في أحد المقاهي بحلب، وهو في الثمانين من عمره، أي أنه يكبرني بعشرين سنة. ذات مرة قال لي:
- حينما تكون الأمور في دولة ما غير طبيعية، تجد سلوك معظم الناس غير طبيعية.. خذ ذلك الشخص الجالس في زاوية المقهى، المنخرط في مطالعة الإنترنت من خلال اللابتوب مثلاً..
قلت: ما اسمه؟
قال: (عدنان ج).. وهو رجل عجيب أكثر مما تستطيع أن تتخيل.
قلت: ما حكايتُه؟
قال: قبل بضع سنوات، كنا نجلس، هنا، إلى هذه الطاولة، بقرب المكيف، مع مجموعة غير متجانسة من الناس.. وبدأ بعضهم يلقون بعض النكات، كما هي العادة في جلسات المقاهي.. فتحمس هو وألقى نكتة عن الجنرال حافظ الأسد!
قلت: الله أكبر! عن حافظ شخصياً؟
قال: نعم. وقبل أن أسمعك النكتة اعلم أن الفساد في سوريا، خلال حقبة الثمانينيات، قد بلغ حداً فظيعاً، والتضخم النقدي الناجم عن طباعة حكومة الأسد لأوراق مالية من دون رصيد قضى على الحد الأدنى لمعيشة السوريين..
ولأنهم لا يجرؤون على القيام بأي فعل، أو التلفظ بأي كلام، أو انتقاد، فقد جلسوا ينتظرون أن يُلهم الله تعالى الجنرالَ بتقديم بعض الإصلاحات، أو أن تجود نفسه بزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين.. وحينما أُعلن في أجهزة الإعلام أن الأسد سيلقي خطاباً في مجلس الشعب الذي يعرف بينهم باسم (مجلس التصفيق والدبكة) تجمهروا أمام شاشات التلافيز متأملين بأن يأتيهم الفرج عبر الخطاب.. ولكن.. ماذا فعل محروق النفَس؟
قلت: ماذا؟
قال: تحدث في الخطاب عن المواطن غير المسؤول الذي يخرج من مكتبه دون أن يطفىء مصباح الكهرباء، وعن ذلك المواطن الذي يسمح لحنفية الماء بأن تنقط وتهدر الماء ولا يأخذها إلى السباك ليُركب لها (جلدة).. وقال إن علينا أن ننظر إلى هذا الشخص المهمل بالازدراء والاشمئزاز..
قلت: أين النكتة؟
قال: الآن وصلنا إليها. فقد روي لنا أن حافظ الأسد، وهو على فراش الموت، وعد ابنَه بشار أن يأتيه في المنام خلال أسبوع من وفاته.. ولكنه تأخر أكثر من أربعة أشهر، فلما أتاه في المنام عاتبه بشار على التأخير فقال حافظ: اعذرني يا ولدي يا أبو رقبة.. فملائكة الحساب طيلة هذه المدة كانوا يسألونني عن إحدى حنفيات القصر الجمهوري التي شاهدتُها أكثر من مرة وهي تنقط ولم أهب لتغيير جلدتها!
ضحكتُ وقلت: بجد.. حلوة.
قال: ولكن أحد الشرفاء الذين كانوا حاضرين معنا في تلك الجلسة كتب بحق السيد (عدنان ج) تقريراً من كعب الدست، فغاب عن ناظري، ولم ألتق به إلا بعد أربع سنوات أمضاها في سجن تدمر تحت التعذيب والقهر.. أريد أن أسألك.. ألا يجدر بهذا الرجل أن ينقم على نظام الأسد؟
قلت: طبعاً.
قال: ولكنه، في أول لقاء لنا معه بعد الاعتقال، ألقى علينا قصيدة مديح..
قلت مندهشاً: مديح؟ لمن؟
قال: للم يكتف بمديح حافظ الأسد، بل ضمن القصيدة مديحاً لجميل الأسد، والسيدة ناعسة، والسيد عدنان مخلوف، والسيدين رامي وحافظ مخلوف، والشهيد باسل، والوريث بشار، والسيدة بشرى، والعميد ماهر، والسيد مجد، وذي الهمة شاليش..
قلت: الله أكبر!.. طيب وأنت.. ألم تقل له إن هذا العمل لا يليق به؟
قال: أنا لم أقل شيئاً. بصراحة؟ خفت أن أحتل مكانه في سجن تدمر.. وأما صديقنا أبو فادي فقد رد عليه..
قلت: كيف رد عليه؟
قال: أبو فادي تناول منه الورقة التي كتب عليها القصيدة، وتفحصها، وقلبها على الوجهين، ثم أعادها إليه وهو يقول:
- تضرب في شكلك شو حمار! ولك يا حيوان، أنا بودي أفهم.. أهذه قصيدة شعرية.. أم (وثيقة حَصْر إرث)؟!!!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية