عبد الهادي وآلاء زوجان سوريان من أحد أحياء حمص الفقيرة لم يمضِ على زواجهما سوى عشرة أيام عندما تعرضا لرصاصة واحدة من قناص قريب من منزلهما.
فاخترقت هذه الرصاصة الخاصرة اليمنى من جسد الزوج النحيل لتخرج من الخاصرة اليسرى وتستقر في صدر زوجته التي كانت إلى جانبه على بلكونة منزلهما وهما يفردان سجادة في صباح أحد أيام شباط من العام الماضي، ليُكتب لهما عمرٌ جديد وحياة مليئة بالعذابات والآلام، فالرصاصة الحاقدة لا زالت مستقرة في جسد الزوجة رغم مرور أكثر من عام على إصابتها، إلى جانب ما خلّفته لجسد الزوج من "خراب" بنيوي، ومن تأثير نفسي لكليهما لم تستطع الأيام محوه.

معاناة هذين الزوجين لم تنتهِ بخروجهما من جحيم الحرب في سوريا بل استمرت فصولاً في رحلة البحث عن نهاية لآلامهما ومعاناتهما، فالزوج أصيب بما يشبه حالة الشلل الجزئي بالقدمين وتكدم بالنخاع الشوكي، مع فقدان للبنكرياس الذي تم استئصاله من جسده المنهك، وهو يعاني من "رتج بولي"- أي أن مثانته مربوطة- لذلك لا يخرج البول من مخارجه الطبيعية-حسب توصيف الأطباء- بالإضافة إلى أن كليته اليسرى لا تعمل الا بنسبة 30 % كما أكد الاطباء الذين عاينوه، وزوجته تعاني من العقد اللمفاوية ومن حالة اختناق والتهابات في الرقبة بسبب وجود الرصاصة إلى الآن رغم مرور أكثر من سنة على هذه الحادثة الأليمة التي تلخص جانباً من معاناة الشعب السوري الذي أثخنت جسده الجراح والآلام.
اقتحام المستشفيات
حول كيفية إصابته مع زوجته يقول عبد الهادي سرور لـ"زمان الوصل":
صباح يوم 19//2/ 2012 خرجت حوالي الساعة السابعة والنصف مع زوجتي إلى بلكونة منزلي في حي وادي العرب بحمص لأنشر لها سجادة قبل أن أذهب إلى عملي، وبعد أن انتهيت من نشرها استدرتُ لأدخل الغرفة فما شعرت إلا ورصاصة دخلت من خاصرتي اليسرى لتخرج من الخاصرة اليمنى وتستقر في صدر زوجتي من الجهة اليسرى، وقام عناصر الجيش الحر بإسعافي إلى المشفى الميداني القريب من منزلي، ولكن الكادر الطبي البسيط هناك لم يستطع علاجنا لعدم توفر أجهزة طبية كافية، ولأنني مع زوجتي كنا ننزف بغزارة، فقام خالي بإسعافنا إلى مشفى البر في منطقة الوعر فقام الأطباء هناك باإجراء إسعافات أولية، ولم تُجرَ لزوجتي عملية استخراج للرصاصة بسبب الظروف التي كانت تحيط بالمستشفيات حيث كان الشبيحة يقومون باقتحام المستشفيات العامة والخاصة واختطاف الجرحى منها وبعضهم يأخذونهم من تحت العمليات، فخرجت مع زوجتي خفية من المشفى إلى منزلنا الذي بقيت فيه حوالي ستة أشهر بلا حراك وعشنا ظروفاً صعبة "لم يعشها معتقلو الحكم النازي أيام هتلر" وفي تلك الأثناء تم اعتقال اثنين من أشقائي في حمص وإلى الآن لا نعرف عنهما شيئاً.
استئصال البنكرياس
وحول وضعه الصحي وما خلّفته الإصابة في جسده يقول عبد الهادي:
من أثر الإصابة التي جاءت من رشاش أو قناص أحد عناصر حاجز لا يبعد عن منزلي إلا 100 متر أُصبت بشلل جزئي في القدمين وتكدم في النخاع الشوكي واستئصل الأطباء البنكرياس بشكل كامل، والكلية اليسرى لدي لا تعمل الا بنسبة 30 % ولدي مشكلة كبيرة في التبول إذ لا أستطيع التبول إلا كل ثلاثة أيام، وعندما أقوم بذلك تنتفخ كليتي اليسرى وتصبح كالبالون وحالتي في عسر البول شخّصها الأطباء بنوع من "الرتج البولي" أي أن مثانتي مربوطة لذلك لا يخرج البول من مخارجه الطبيعية
أما عن وضع زوجته وظروف إصابتها فيضيف سرور قائلاً:
زوجتي أُصيبت معي بنفس اللحظة واستقرت الرصاصة فوق ضلوع صدرها اليمنى ولم يستطع الأطباء استئصالها آنذاك، وعندما هربنا إلى الأردن راجعنا المشفى الإماراتي الميداني فقالوا لنا لا إمكانية لدينا لاستئصال الرصاصة وطلب منا أطباء آخرون حوالي 1100 دينار(بحدود 150 الف ليرة سورية) لاستخراج الرصاصة المستقرة في جسد زوجتي إلى الآن، وهذا المبلغ فوق طاقتي لأن الوضع الإنساني الذي أعيشه مع أسرتي صعب جداً، فأنا وبسبب وضعي الصحي عاجز تماماً عن العمل، وأخي الأصغر مني هو المعيل للأسرة المكونة من أمي وزوجتي وطفلي، علماً أن استقرار الرصاصة في صدر زوجتي سبّب لها كسوراً في الأضلاع، وهي تعاني من التهابات شديدة واختناقات وأزمة في العقد اللمفاوية مع آلام مبرحة.
إرهابيون بالفطرة...!
ويروي عبد الهادي السرور ظروف اعتقاله وظروف تعذيبه على يد شبيحة النظام في حمص لأكثر من مرة قائلاً:
تم اعتقالي لمرتين بدون سبب لمجرد أن قيدي المدني في حي الخالدية الذي كان النظام ينتقم من أبنائه شر انتقام فكل شبان ورجال ونساء وحتى أطفال الخالدية في نظر شبيحة النظام إرهابيون بالفطرة، وبقيت في المعتقل حوالي الشهر ونصف قاموا خلالها بتكسير لثتي وفكي الأعلى، وشقوا شفتي السفلى بواسطة الهراوات التي كانت تنهال علي من كل مكان، وفي المرة الثانية تم اعتقالي عند حاجز دير بعلبة القريب من منزلي لمدة شهرين وبقيت أكثر من شهر لا أعرف أين أنا وتلقيت صنوفاً من التعذيب والإهانة لا أنساها ما حييت.
ذبح بالسكين
وتصف والدة عبد الهادي منظر ابنها بعد خروجه من المعتقل قائلة:
عندما جاء عبد الهادي إلى المنزل كان جسده مشوّها من التعذيب "أنا أمه ما عرفته لكثرة ما شوهه الضرب، وصرت أبكي على وضعه،غير مصدقة لما حدث له"،وتضيف: رغم أنه كان عريساً جديداً "ما رحموه الكلاب".
وتستعرض المرأة المسنّة أسوأ الذكريات وهي تبكي اليوم ولديها المعتقلين في سجن حمص المركزي، فتضعنا أم عبد الهادي أمام صور مؤلمة لتعذيب أبنائها أمام عينيها قائلة: "لا زلت أذكر بألم وحرقة كيف هجم شبيحة النظام على أبنائي يريدون ذبحهم بالسكين، وعندما رحت أبكي وأترجاهم أن يتركوهم ضربوني أنا كبيرة السن بأخمص البندقية على رأسي فأغمي علي".
فارس الرفاعي - المفرق (الاردن) - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية