ليس من باب "الجكارة"
كنت مصمماً أن أسمي ابني الأول عمر، ليس من باب الجكارة بالمسيحيين أو العلويين، ولا من باب استرضاء السنة، فقد كانوا يريدون سلتهم بلا عنب في ذلك الوقت، وإنما نوع من الوفاء لذاكرة سياسية كنت قد تخليت عنها طوعاً. ففي أثناء العمل السياسي السري ضد حافظ الأسد، وقبل زواجي، كان اسمي الحركي عمر، لذلك قررت أن أسمي ابني بهذا الاسم. وصدف أن كان في زياتي للتهنئة، بعد ولادة الطفل، صديق ورفيق علوي الولادة، فسألني ماذا تريد تسمية ابنك؟ ولما كان هو أحد أعضاء التنظيم الذي كنا فيه، قلت له: كما تعرف، عمر. قال: أنصحك يا صديقي أن لا تحمّل ابنك إرثاً ثقيلاً لا علاقة له به، فهو بهذا الاسم سيواجه صعوبات في كل مرة يقدم اسمه لمسؤول، وقد يستمر هذا النظام خمسين عاماً أو أكثر. قلت له: ما الحل؟ قال ليكن عمرو، فوقع الاسم هكذا سيكون أخف على مسامع العلويين. وهكذا أصبح ابني الأول يحمل اسم عمرو.
كان لا بد، حسب الطقوس العائلية الشرقية، من أخذ موافقة الوالد ومباركته للطفل والاسم المقترح. وكعادتي الصباحية، كنت أتناول القهوة مع والدي قبل الذهاب إلى المكتبة، أخبرته أنني وجدت اسماً للطفل وهو عمرو. قال والدي، وقد بدا الحزن في صوته: ألم تجد اسماً مسيحياً لابنك حتى اخترت هذا الاسم الإسلامي؟ قلت له: ولكنه اسم عربي أصيل. لم يرد والدي، وعرفت أن صمته هو احتجاج وعدم موافقة. انشغلت طوال اليوم بالبحث عن طريقة أنتزع فيها موافقة والدي، إلى أن اهتديت إليها. في صباح اليوم التالي، وكعادتي في تناول القهوة الصباحية مع أبو محفوض (والدي) قلت له: لقد وجدت اسماً جميلا ًللطفل سيعجبك. قال خير، شو هو الاسم؟ قلت له: الغضنفر. قال شو هالاسم الغريب، شو يعني الغضنفر؟ قلت له: ولو يا أبي هي إحدى صفات الأسد. لم يتردد، ولم يفكر، قال بصوت واضح جدا: ناقصنا !!، اسمع يا مخاييل، اسم عمرو كتير حلو، وبيلبق للصغير، فألف مبروك. خرجت مسرعاً وسعيداً لتسجيل الطفل في دائرة النفوس، ولم يخطر ببالي أنني سأقع في ورطة خالد.
ففي صيف ٨٧ قررت زوجتي تعميد ولدنا البكر عمرو، ولم يكن وقتها إجراء العماد والاحتفال به بحاجة للحصول على موافقة أمنية. وكعادة السوريين في الأفراح، دعيت أصدقائي، وكانوا من جميع الطوائف والأديان. كانت دار أهلي عبارة عن حوش عربي، باحته تتسع لحوالي مائة شخص جالسين على كراسيهم. الضيافة هي صحون المازة المعتادة، مع نبيذ أو عرق.
بدأت طقوس العمادة من قبل الخوري في وسط الحوش، إلى أن وصلت إلى نقطة لم أكن أعرفها، وهي أنه يجب إطلاق اسم قديس مسيحي على الطفل غير اسمه الحقيقي، فسألني الخوري:
ما هو اسم الطفل؟
قلت: اسمه عمرو ميخائيل سعد.
ابتسم الخوري وقال لي: اسمه في المعمودية. يجب أن تختار اسماً ثانياً للعمادة.
قلت له: حسناً، بما أننا حماصنة، نسميه خالد.
وانفجر الحضور في ضحكة عارمة تردد صداها في الحارة الصغيرة مع صيحات تصحيح: سميه علي، أضمن لمستقبله.
كان الخوري سريع البديهة فرد قائلاً: ولمَ لا فخالد في اليونانية يعني استناثيوس، يصح الاسم.
تدخلت حماتي حاسمة الأمر وقائلة للخوري بوجه عابس: اسمه الياس، وهكذا أصبح ابني يحمل اسماً مركباً هو: عمرو الياس بن ميخائيل سعد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية