|
ياسين بقوش.. فاكهة الكوميديا السورية

لكي نستطيع أن ندخل إلى شخصية الممثل السوري الظريف ياسين بقوش (أبو هيثم)، يجدر بنا أن نتوقف عند الطريقة السورية في صناعة الكوميديا التي أسسها- إذاعياً- القصاصُ الشعبي حكمت محسن منذ الأربعينيات وحتى أواخر الستينيات من القرن العشرين..
تتلخص هذه الطريقة بأن يبتكر المؤلفُ مجموعة من الشخصيات الشعبية، أو ما يُعرف بـ (الكاراكترات) الكوميدية، ثم يكتب عدداً غير محدود من التمثيليات المفصلة على قياسها، وفي كل مرة يتشارك المؤلف مع الممثلين أنفسهم في تطوير الكاراكترات وإغنائها حتى تنحفر في أذهان الناس فلا يستطيعون لها نسياناً..
وكان من هذه الشخصيات أبو رشدي (حكمت محسن)، وأبو فهمي (فهد كعيكاتي) وأم كامل (أنور البابا).. وآخرون.
وفي زمن التلفزيون تسلم راية التأليف الكوميدي في سوريا الفنانُ الكبير الراحل نهاد قلعي، الذي جرى على نهج حكمت محسن في صناعة الكاراكترات، وقد بدأ إنجازاته باقتباس شخصيتي لوريل وهاردي من السينما العالمية ممثلتين في شخصيتي غوار الطوشة وحسني البوراظان..
كان حكمت محسن مولعاً بالكوميديا الشعبية التي تنبع من حياة الناس، بدليل أنه سئل: من أين تأتي بالأفكار لكل هذه التمثيليات التي تكتبها يا أبا رشدي؟ فأجاب: هؤلاء الناس الذاهبين الآيبين أمام دكاني، كل واحد فيهم قصة وحكاية مأساة وملهاة..
وكان نهاد قلعي متأثراً به، يمشي على خطاه، حتى إنه أسمى الحارة التي تجري فيها الأحداث (حارة كل مين إيدو إلو)، وأضاف إلى الكاراكترين الرئيسيين كاراكترات فرعية منها: أبو صياح (رفيق السبيعي) وبدري بيك أبو كلبجة (عبد اللطيف فتحي) وفطوم حيصبيص (نجاح حفيظ)، وأبو عنتر (ناجي جبر)، وعبدو (زياد مولوي)، وأبو كاسم (محمد العقاد) وأبو رياح (محمد الشماط).. وياسين (ياسين بقوش)، الذي ذهب ضحية استبداد عائلة الأسد بسوريانا الغالية.
برأيي الشخصي أن أفضل إثنتين من الشخصيات التي ابتكرها نهاد قلعي ثم اشتغل على تطويرها الكاتبُ الكبير محمد الماغوط هما: أبو عنتر وياسين..
يمكننا أن نجمل العوامل التي تؤدي إلى وجود كاراكتر كوميدي ناجح في ثلاثة هي: الشكل الخارجي (الفيزيك)، والموهبة، والاجتهاد.. وهذه العوامل موجودة عند ياسين بقوش وبوفرة.
وأما الشرطان الملحقان بهذه العوامل، اللذان يساعدان على النجاح أكثر، أعني (الحب والتواضع) فمتوفران لدى ياسين، في حين أن غيره يفتقر لهما.
ثمة مسألة لم ينتبه إليها الكثيرون من الممثلين الكوميديين، وهي أن الشخصية المنجزة (الكاراكتر) لا يمكن أن تعطي أهمية وإبداعاً إلا إذا عملت ضمن إطار مجموعة الكاراكترات التي تشكلت ضمنها..
على سبيل المثال: لم ينجح سعيد صالح ويونس شلبي في الكوميديا التي اشتغل كل واحد منهما عليه بمفرده، وبمعزل عن الكوكبة التي تشكلت حول النجم الكبير عادل إمام في مدرسة المشاغبين.. وكذلك لم ينجح ناجي جبر حينما أراد أن يشتغل بشخصية (أبو عنتر نفسها) أعمالاً مسرحية وسينمائية.
تعرفت على ياسين بقوش في إذاعة دمشق، حينما كنت أحضر تسجيل بعض تمثيلياتي ومسلسلاتي الإذاعية..
إنه رجل طيب، متواضع، مخلص للفن.. وعلى ما يبدو فإنه كان يعرف أن الفنان الذي يشتهر ضمن كاراكتر ما لا يمكنه مغادرة هذا الكاراكتر بسهولة..
لقد كنت أكتب باللهجة الحلبية، وياسين لم يكن يجيدها، ولكن، ومن فرط عشقه للفن، كان يرضى بأي دور صغير لا يحتاج إلى لكنة حلبية، كدور الشرطي، أو الموظف الحكومي، أو التاجر الشامي.
روى الناقد محمد منصور فقرة تشير إلى الأخلاق التي كان ياسين بقوش يتمتع بها، تنص على أن دريد لحام أخبره- ذات مرة- أن ياسين بقوش رفض دور البطولة الذي عرضه عليه في مسلسل (عودة غوار) أو (الأصدقاء) قائلا له: معقول يا أستاذ دريد؟ ثلاثين سنة صحبة أنا وياك والآن بدك تعطيني دوراً أكون فيه رفيقك الذي يخونك ويخون أبو عنتر؟! أتريد أن يبصق الناس علي في الشارع؟ !
تضاربت الأخبار حول الجهة التي قتلت ياسين بقوش البارحة في دمشق..
ولكن لا تهم التفاصيل.. فالنظام الديكتاتوري السوري خلق لنا كل الظروف التي تؤدي بنا إلى الموت والهلاك.
لن ينسى الناس ياسينو..
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية