صقور العلمانية...وأدونيس مثالاً
أكنّا نكذب، نجامل..أو ربما نخادع، فرغم كل ما عرفناه أو توهمّنا أو ادعينا معرفته، من وعي واحترام للآخر وصل بنا حدود الشمولية والدعوات، ربما إلى ما بعد العلمانية، سقطنا في فخ الإقليمية والطائفية لنُسقط معنا تاريخاً وجغرافيا وآمالاً، قد تبقى جرّاء فعائلنا، دفينة وموضع اشتهاء وتطلُّع، ليس إلا.
بعد تبدل الأقوال، من للأوطان روائح وهندسات مرسومة في الحلم، ولبعثها للواقع لا بد من جرحها، أو حتى بتر أعضائها، إلى ما يقال في خلط متعمّد، عن "أسلمة الثورة ومسعاها الإماراتي الطائفي" لا أعلم إن كان يجوز المقاربة والقول: "كلما آخينا عاصمة رمتنا بالحقيبة"، أم ترى لتلك الردّة علاقة بأسر الماضي، من ببيئة وثقافة ومصادر المعلومة، وإلا...لماذا تغيّرت وجوه من عرفناهم، أو بالأحرى ظننا أننا عرفناهم، وعوّلنا عليهم وعلى تطلعاتهم وثقافتهم، وأيقنا، بالانطلاق من معارفنا المنقوصة، أنهم حوامل التغيير وإكسير الوصول لحقوقنا المسلوبة، بشهاداتهم قبل غيرهم، وعلى المنابر وليس في الغرف المغلقة.
العلمانية، تلك الإشكالية الممتدة "من المنفى إلى المنفى" على حسب ما نرغب توظيفها وننتفع، هي الذريعة، وفي عدم تحقيقها، مبرر الرجوع، حتى إلى ما قبل القبيلة والعشيرة، بعد أن نال من البعض فزاعة الطائفية والخوف من التلاشي، وتم الإشتغال على البعض الآخر من أبواب النفعية، أو "انفشوا " أو حتى المصير المشترك، لأن باقي الاحتمالات- على ما أعتقد- سقطت بعد سقوط الشهداء وأول صاروخ دمار شامل "سكود" على حلب.
من قبيل الإنصاف، أعتقد من قال لا للديكتاتورية - ولم أك منهم في البداية- لا أعتقده سيقبل بمثيله، وإن بحلل روحية، وأيضاً لا بد من الاعتراف أن ثمة من ركب انتفاضة الشعب السوري وحرفها، أو بعضها، عن المسار والانطلاقة، بمساعدة النظام أو بإغراء وحقد من الأشقاء وترغيب وترهيب من الغرباء المتفقين- فقط - على تدمير سوريتنا، لكن ذلك لا يبرر البتة، من منظور المثقفين العلمانيين على الأقل، تبرير فعائل النظام أو بقائه كي لا تُحرق البلد، أو ذم الثورة ونعتها بما ليس فيها، في كلام باطل يراد منه باطل.
اللهم إن لم تك العلمانية من منظورهم، معاداة الإسلام، أو بعض انقساماته بشكل خاص، وليس فصل السلطة الزمنية عن الروحية، أو كما هو شائع، فصل الدين عن الدولة، حتى وفق أكثر دعوات الفصل تطرفاً، على اعتبار أن الدين يحوّل قوانين الدولة إلى مجرد قوانين تأديبية، لأن ليس في ذلك شيء من الديمقراطية وإن لاقى هوىً لصراعهم مع "أهل السنة والجماعة" التاريخي، أو المستمد من التأريخ، وعليه، أو منه تحولوا بسهولة للطائفية، لأنهم لم يتركوها على ما يبدو، بدليل ما نرى ونسمع من انزياح وسفور.
عندما نقول شاعرنا الذي نفخر بنتاجه أدونيس، فأكيد تسقط رباعية "كاميليري" من تماهي بالمعتدي، الخوف من المجهول وحاجة التوجه، الخوف من الحرية والمسؤولية وأخيراً الطائفية وفوبيا الإسلام السني، مهما بلغت حدود التخويف، لأنه ومن ظننا بمعرفتهم عبر عقود من التعايش، أعصى من تخدير ضمائرهم بجرعة إعلامية أو خطاب أوبرالي.
بيد أنه، ورغم مناعتهم المفترضة، وقعوا في فخ"السياق الخاص" ولا بأس هنا، من أن نلاحظ بعضاً من هذا الانفكاك العميق، مما قاله شاعرنا الكبير حول عنف الثورة "لنفترض أن العنف جاء رد فعل على عنف النظام لكن الثورة لا تنبني على العنف، ولا ترد على العنف بالعنف بل بالحب والنضال "أي كان حريّاً بالثوار رفع أغصان الزيتون والورود البيضاء بوجه السيد عاطف نجيب وقت هدد بالزنا بأمهات المعتقلين، وعقد اجتماع سري نضالي للرد على دماء الشباب العزل في شوارع درعا.
ولعل الأكثر استفزازاً في طرح مرشحنا الدائم لجائزة نوبل"كنت أتمنى أن يُصدر المفكرون المرتبطون بالثورة بياناً بخصوص قطع رأس تمثال أبو العلاء المعري، هذا قطع رأس الفكر والحرية والديمقراطية" أي وبغضّ النظر عن إعفاء نفسه من الارتباط بالثورة لأنه مفكّر ولم يصدر بياناً، تناسى رؤوس الأطفال الرضّع والشيوخ الركّع التي قطعت بالسكاكين وهُشّمت بالحجارة وفُجرّت بالأعيرة النارية، وركز في حديثه المنتظر، على رأس تمثال من حجر...رغم الإدانة الشديدة لذاك الفعل المذموم.
خلاصة القول: يبقى أنّ الشاعر أدونيس ليس فرداً بقدر ما هو حالة، ذاك أن قامة بحجم أدونيس تحولت في "متحوّل" مفاجئ، فلا ذمة تؤخذ من وعلى تلامذته في العلمانية، وإن لم يصغوا لسوريا المجللة بالدم تقول جهاراً لمن اتكأت عليهم في استعادة حقوقها، في حاضرها على الأقل، كم بات الكذب صعباً وربما محرجاً لكم وليس لي، فالعنف خلعه نظام جاحد لسوريته، وألبسه على نحو "تثاقفي روحي" لكم، ليقتل ما تبقى من أمل، بحوامل تبنت عدم الانحياز إلى ما قبل "مذبح سوريا" ولكن لما تمددت الضحية، بدا الانحياز موجعاً، لأنه جاء على نحو تشددي وذرائعي، ربما لرفل المنتظر لخطاياه غفراناً، أكثر مما قيل، نجدةً للطريدة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية