أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"هات المجوز يا عبود ورقّص أم عيون السود"...

علاقتي بالأمريكيين تعود إلى سن مبكرة. كنت في الصف السابع في دمشق عام ١٩٦٣، عندما دخل مدرس الفنون إلى الصف ونصحنا بزيارة المركز الثقافي الأمريكي في السبع بحرات. في مساء اليوم نفسه ذهبت إلى المركز وحصلت على بطاقة لاستعارة الكتب، التي كنت من عشاق قراءتها، واستلام البرنامج الشهري لنشاطات المركز. وكان ذلك احتكاكي الأول بالأمريكيين، رغم أن الموظفين كانوا دمشقيين.

بدأت باستعارة الكتب الملونة عن أمريكا وبعض القصص عن الغرب الأمريكي الذي كنت قد تعرفت عليه عبر أفلام الكابوي ومجازر الهنود الحمر التي كنا نصفق لها. ثم تعرفت على شيء اسمه جمع الطوابع وتبادلها. وكنت أجمع كل ما يقع تحت يدي منها، وهو ليس قليلاً، ثم أضعه في البومات كنت أشتريها من عملي كبائع (كاتو) في سينما الحمراء في الصالحية، التي تحولت فيما بعد إلى مسرح. لم أكن أفهم لماذا الآخرون يختارون طوابع بعينها من بين طوابعي، ثم يطلبون مني أن أختار من عندهم ما أريد من طوابع معينة فقط، والحقيقة أن هواية تبادل الطوابع كانت بالنسبة لي مدخلاً للتعرّف على أطفال آخرين من رواد المركز.

أعجبتني الحياة الأمريكية حسب ما رأيت. فيها ترتيب وسلاسة وخدمات مجانية للناس ونظافة في كل شيء، استمر الأمر كذلك إلى أن حدثت حادثة جعلتني أغضب على الأمريكيين ومركزهم، ودفعتني كي أكون معادياً للفكر الأمريكي (وللامبريالية)، وعرفت حجم خداعهم لبلدان العالم الثالث وللطبقات الفقيرة من أمثالي....!!!. ففي إحدى النشرات التي وصلتني من المركز، كان فيها إعلان عن ثلاث حفلات لسماع موسيقى الجاز وهي مجانية. وأنا في طريقي إلى المركز، خطرت على بالي الآلات الموسيقية التي أعرفها من طبل وربابة ومجوز ودربكة وعود، وكنت أظن أن موسيقى الجاز ستكون مع هذه الآلات. سألت الموظف المختص عن مكان الحفلة فأشار إلى قاعة مغلقة، دخلت وجلست في القاعة بانتظار رؤية أمريكيين يعزفون على آلاتهم، وكان في القاعة أكثر من عشرة أشخاص. انتظرت ربع ساعة ثم نصف ساعة ثم انتهى الوقت المحدد دون أن أرى شيئاً، فخرجت غاضباً، ومستغرباً هذا الأمر. فالأمريكيون عادة ينفذون ما يعلنون عنه، فماذا حدث اليوم؟؟!!
في الموعد الثاني المحدد في النشرة، عدت إلى المركز، فتكرر المشهد نفسه، هناك دائماً ما بين عشرة إلى خمسة عشر شخصاً في القاعة، لا أحد منهم يتكلم مع جاره، ترى عيون بعضهم مغلقة، فكنت أظن أن أصحابها يأخدون غطة نوم سريعة بانتظار الحفلة. وفي الحلقة الثالثة من جلسات الاستماع تكرر الأمر وانتابني إحساس قوي بالإحباط نتيجة تخلف الموسيقيين الأمريكيين عن الحضور. وهكذا أمضيت ثلاث جلسات مجانية سخيفة في قاعة نصف مظلمة على أمل رؤية حفلة لموسيقى الجاز،ولكن دون فائدة.

كانت ثورة آذار قد استقر بها المقام في دمشق، وأصبح بعض جيراننا الريفيين مهمين كما كان يقول أبي، وكانت دائماً تسمع في الحي أصوات الربابة والدربكة والمجوز بسبب أو دون سبب، فقد ازدادت الأفراح الريفية على أطراف الحي الدمشقي، وكثرت الزيجات وكنت ترى في (الحوش) الواحد الذي يضم خمس غرف، خمس عائلات، كل واحدة تقطن مع أولادها في غرفة. أحد الأيام تعرفت على جارنا الطالب الجامعي القادم من قرية قرب قريتنا، وكان عازف ربابة، والذي أصبح فيما بعد مسؤولاً مهماً في وزارة التربية والتعليم، فرويت له ما حصل لي في المركز الثقافي الأمريكي بالنسبة لموسيقى الجاز، فقال:إياك والذهاب إلى هذا المكان، فهو ليس لنا، وثقافتهم غير ثقافتنا، بل هم ضدنا وضد العرب والوحدة والحرية والاشتراكية.

وهكذا حولتني حفلات موسيقى الجاز الفاشلة الافتراضية وابن الجيران والإذاعة إلى عدو لكل ما هو أمريكي.

في أواخر العام الدراسي، وقد أتيح لي فرصة أن أقف عدة دقائق قرب مدرس الفنون نفسه، خطر على بالي أن أسأله عن حفلات موسيقى الجاز، فشرح لي أن القاعة من أفضل القاعات في سوريا للاستماع للموسيقى وعندهم كل الاسطوانات المشهورة لهذه الموسيقى، وما عليك إلا أن تغمض عينيك وتستمتع بالموسيقى. تغمض عينيك، قلت له ولكن في الثلاث مرات التي ذهبت فيها إلى القاعة لم أرَ أي موسيقي ولا أي آلة، ولم أسمع (هات المجوز يا عبود ورقص أم عيون السود). ابتسم ذلك المدرس الدمشقي بلطف شديد وسحبني بعيداً قليلاً عن الطلاب الآخرين وشرح لي أن هذا النوع من النشاط الموسيقي في المركز الثقافي الأمريكي لا نرى فيه أشخاصاً وإنما نسمع عزفاً فقط. سألت هل يعني ذلك أن الأصوات التي كنا نسمعها، هي موسيقى الجاز ؟ قال نعم ..

فجأة اكتشفت كم كنت جاهلاً في الموسيقى، فحقدت على ابن جيراننا عازف الربابة، وعلى الأمريكي الامبريالي المعادي للفقراء.

بعد سنوات، ساهم عازف الربابة نفسه في الحملة الأمنية على فقراء سوريا بتهمة الإرهاب والعمالة للغرب عامة والأمريكيين منهم خاصة، في الوقت الذي كان فيه هو وأغلب رفاق دربه اليساريين يتسابقون للحصول على الجنسية الأمريكية.

(94)    هل أعجبتك المقالة (100)

abed joha

2013-02-12

الله يطول عمرك عموا ميخائل انت اجتهدت كتير بحياتك وربنا ما رح يضيعلك مجهودك هباء ... انت انسان مثالي و رائع .. حماك الله.


سلطان باشا

2013-02-12

عراب الثورة المناضل الكبير الذي, من فضل الله أن أمتنا ربحت الكثير في موته, كان ربان سفينة الهلاك في وطننا و تحت اسم التصحيح فانجرف سذج بلدنا و أغبياؤه مع دجله و لم ينتبهوا إلى أنه العميل الأكبر هو و طائفته البغيضة عملاء للغرب و أمريكا. فالنافق نفسه كان ,عندما كان طالبا في ثانوية البنين سابقا و جول جمال لاحقا, تحت رعاية مباشرة من أوصياء عليه معلمين و مدربين و موجهين و مربين من مدرسة الأمريكان في اللاذقية, و هي مدرسة تبشيرية كانت قد زرعت في جسد وطننا التربوي كما هي الحال في جميع الأمصار العربية و الاسلامية لتخريج قادة الأمة في كل بلد, و بالمناسبة حتى اليمن كان فيه مثيلات هذه المدرسة. و لم يقتصر الأمر على ذلك النافق و تلك المدرسة بل كانت هنالك مدارس و هيئات أخرى تقدم الخدمات ذاتها حتى يستمر عطاؤها مجتمعة إن فشل البعض في تحقيق المبتغى. غير أن طيبة و سذاجة شعوبنا و أهلنا سمحا لهؤلاء المندسين في هياكل كياناتنا التربوية بالاستمرار في عملها, فدمروا تراثنا و أنشؤا مجموعات تدعي الوطنية و بإخراجات تمثيلية حت أوصلونا جميعا إلى الاعتقاد بأننا أسرى رجعية و برجوازية إلى غير ذلك من مفردات التخوين و الثورجية و استغلوا أريحية مواطننا و ضربوه ببعضه. النتيجة كانت أنننا اسرنا و اتجاهنا كما رسم أولئك الحاقدون عى أمتنا و تحت إسم التحرير كتحرير المرأة و تحرير إرادة الأمة, و عن تخطيط مدروس, نحو ربطها بالفساد و الرذيلة بحجة الانفتاح و تنوير العقل و الانسلاخ عن عروبتنا و ديننا. لقد قام بتنفيذ هذه المخططات التي , مع اللأسف نجحت, أفراد و تجمعات كانت من حيث الشكل جزءا من نسيج المجتمع , غير أنها في الحقيقة سرطانات و طفيليات مازال البعض يظن فيها الخير, نلاحظ بين الفينة و الأخرى سمومها و رسائلها الواضحة و التي تبين ارتباطها الذميم مع الغرب و الصهيونية. بالمناسبة تقوم اسرائيل كل فترة من عمر ما يسمى بالربيع العربي بتوسعاتها الاستيطانية , و على المرتاح, فالكل مشغول بالكل, و الكل يتهم الكل بالتبعية و الانهزامية و أنه الطرف الوحيد صاحب الرأي السديد و صاحب الحق في إصدار القرار و توزيع النياشين على صدور المتآمرين ,عن غير قصد ,على هذا الوطن. متى سيصحو هذا الوطن و هؤلاء المخدوعين من هذه الغفلة؟ متى سنعرف أن بعض أدعياء الثورة و التغيير جنود للاستعمار عن جهل و أن الكثير من العاملين في الخفاء ليسوا إلا امتدادا للمستعمر الذي سطا على بلادنا بعد الحرب العالمية الأولى؟ هذا يوم طال انتظاره غير أنه آت بمشيئة و فضل الله.


حمصي

2013-02-13

شو مابيعرف يحكي السيد ميحائيل إلا عن حياته الخاصة؟؟ كل هذا المقال مشان يقول إنه كان جاهل ويصب كام كلمة على صديقه السابق، ليس هوي معه جنسية كندية؟ لإنها ليست امريكية .. كتابة ميخائيل سعد خواطر او مذكرات شخصية، فيها شوية تحريض على اصدقائه القدامي.. هل نسي انه نام ستة اشهر في كندا عند واحد علوي وتجيسس على دفتر حسابه البنكي؟؟؟؟ واليوم مابيحكي إلى عن اصدقائه السابقين انهم عملاء للنظام؟؟؟؟ هذا الإنسان ممثل كبير ، كان وسيبقى ، ويسترزق بالعواطف، وإلى اليوم لم ارى اية فكره لديه جديدة، إنما تحريض مستمر يقربه من الناس العاطفيين المؤيدين للثورة ، على حساب ذكرياته التي ... اقل مايقال انها اقل من عادية، خلي السيد ميخائيل المثقف، يتحدث لنا عن اي نظام يرغب ويريد، وماعلاقة مواقفه الدينية بالنظام القادم؟؟؟ أه ياثورة، كم من دم اريق على اهدابك الحزينة، ويسترزق على حسابك الكثير.


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي