أحلام الإعلام والح...رامي مخلوف
"شيلوا الفيش وما في تلفزيون" هكذا قال وزير الإعلام محسن بلال ليبدد حلم عشرات الشبان ومئات الأسر وربما ملايين المنتظرين إعلاماً يبتعد عن"استقبل وودع" ويسوّق سوريا والسوريين كما يحلمون ويستأهلون، ليتلاشى الحلم وتضيع الأموال ويُسرق حلم تلفزيون شام الذي انتظره السوريون ....وهاكم الحكاية من البداية.
لم تلدغ سوريا مراراً، كما لُدغت، ولم تزل، من جحر الإعلام، فالمنظومة الحديدية والصدئة التي أنشأها النظام، على نحو أقرب ليانصيب الدولة، من جوائز كبرى لأصحاب المفاصل وحراس النوايا والبوابات، وأخرى ترضية لغايات في نفس يعقوب والمحافظة على ستر العيوب، جعلت حتى من القضايا والمواقف المحقة والعادلة، موضع شك وريبة، إذ بقيت ترسل كما نحب أن نسمع ويدغدغ حالات التضخم التي انتقلت من الأنا إلى حدود التنزيه، ولا حوامل وطرائق مهنية تسوقها بلغة يفهمها الآخر. ما أغرى بعض الرساميل السورية للمجازفة بتأسيس مشروعات إعلامية مرئية، مغررين بمقولات نظرية أفرزتها مرحلة السوق الاجتماعي والتطوير والتحديث، رغم يقينهم "طول عمرك يا زبيبة .." .
ولكن، ومن قبيل وراك وراك والزمن طويل، كان يخرج عليهم الأستاذ المهندس المظلي رامي مخلوف في لحظات حاسمة، ليطالب بحصته من الميراث، وإلا ..
ليس من قبيل استهداف الرجل، ببساطة، لأنْ لا تقاطعات ومصالح بيننا، فليس ابن عمتي رئيساً ولم يك أبي يوماً مديراً "للريجة" أو لمصرف، كما لم يعيّن أبي وزراء ولم يحرف مسيرة أمة أو يشوه تاريخ بلاد كما وريث للسيد10% والذي زاد النسبة في زمن التطوير والتحديث ليقلع عيون الاستثمارات والوكالات ويغدو بلا منازع، السيد 100% وبامتياز.
أكيد، تغيرت المعطيات على الأرض، ولم يعد- ربما- من مبررات لإعادة طرح أسباب انتفاض السوريين على الظلم والمصادرة والامتهان، لأن "النظام " أخذ الانتفاضة إلى حيثما يريد، وهذا يُحسب له، في حين تفاقمت شرذمة المعارضة، لدرجة عدم القدرة حتى على البقاء حيث أراد لها أن تكون، ولعلّ في "فخ " المبادرة، أدلة لا تحتاج عناء الإثبات، وللأسف الشديد.
ولكن، ورغم تبدل المعطيات وتغير مسار الأحداث، ثمة غصات أوصلت القيح للحنجرة يوماً، إن لن تفيد في التعرية الآن، فلعلها تنفع للتاريخ حينما يصحو القوم ويقفون على الأسباب الحقيقية التي أوصلت السوريين ل"الموت ولا المذلة".
باختصار:عايشتُ حلمين تكلل الأول منهما بالخيبة والثاني استمر ولكن خارج الحدود، الثاني تلفزيون الأورينت والأول شام الذي سأوجز حكايته بقدر المستطاع والاحتمال من القهر والأسف.
استقدم أكرم الجندي"الحاج" كفاءات سورية مهاجرة وسورية لتأسيس تلفزيون يرقى إلى مستوى التطور في الأداء الإعلامي الذي وصل له الأشقاء، متأثراً ربما بما رأى، وهو القادم من دبي التي رخّص فيها لتلفزيون شام، وفتح الباب للكفاءات الشابة وبدأ العمل بالتأهيل وتحت الهواء لأشهر قربت من السنة، مرّت التجربة خلالها بانعطافات وأخطاء لا تحصى، إن على صعيد التدخلات والوصايات أم لجهة العراقيل التي وضعت في عجلات سير المشروع.
لكن الحلم لدى معظم العاملين عليه حينذاك، ذلل ربما تلك المعوقات التي زادت من التكاليف، لأن أكرم الجندي وللأمانة، فتح سقفاً جديداً للأجور ومناخات مختلفة للتعامل مع الكفاءات والإعلاميين، ولما زادت التكاليف عما رصد صاحب شركة عرب للإنتاج الفني، مد يده للاقتراض من مصرف حكومي- التجاري - ليحصل على قرض بقيمة 750مليون ليرة بضمانات عدة منها أرشيف شركة عرب.
خلاصة القول: بعد تبدل أكثر من مدير وانهمار شروط وزارة الإعلام التي لا تنتهي، وقف المشروع أمام منعطف خطر، الاستمرار بشرط دخول شريك أو إنهاء حلم أول تلفزيون سوري خاص، وقتها حاول أكرم الجندي إدخال مستثمر عربي للتمويل واستخدام اسمه عله يردع تدخل وعهر وزارة الإعلام، وفكرت أنا والمدير وقتذاك الصديق مأمون البني بحل جذري بعد أن علمنا يقيناً أن لا استمرار للمشروع إلا بدخول الأستاذ الممانع رامي مخلوف، الذي كان وراء كل العراقيل والممانعة..(هل الممانع ابن الممانع).
وأذكر أني نسّقت مع أحد شركاء سيدنا رامي واتفقنا على موعد ولاقت الفكرة رضى واهتمام بعض الكادر ممن تسلل اليأس إلى دواخلهم نتيجة المراوحة والتعطيل والاستهداف العلني غير المبرر الذي يلاقيه المشروع، إن من جهات مختصة أو من وزارة محسن بلال، ولما عرضت ومأمون البني الفكرة المخّلصة على رئيس مجلس الإدارة أكرم الجندي، رفضها بأدب وقال أن ثمة حلاً قادماً من خلال شريك عربي وأن الشيخ البوطي كلّم الرئيس والأمور بخير "يا عمي".
وقتها، وربما لعلمنا ببنية الفساد وأربابه أيقنا أن المشروع قد ضاع، إلى أن جاء أول سبت بعد عيد الفطر عام 2007 على ما أذكر، يوم البث على الهواء، وجاءنا هاتف وزارة الإعلام بأن لا تلفزيون شام وأوقفوا العمل، والحجة القانونية جاهزة أن الترخيص لمكتب فقط في دمشق.
للقصة تتمة أكثر إيلاماً إذ لم تنته بملاحقة أكرم الجندي قضائياً ورفع الحصانة البرلمانية عنه وضياع الكادر وتجهيزات المحطة وغرق أكرم الجندي في ديون قضايا وملاحقات، بل بكذب وخديعة جديدة، إذ أرسل النظام بعد الثورة أحد أبواقه إلى دبي والتقى الجندي وأقنعه أن دمشق تفتح ذراعيها له لتجدول القرض وتمنحه آخر ليعيد التجربة ويؤسس تلفزيون شام، لكن الرجل الذي رفض العودة للبرلمان رغم محاولات إقناعه أخيراً، لم يزل يأكل الوعود وينتظر أن يسقط العود عن الزبيبة ...ويسألونك لماذا انتفض السوريون؟!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية