أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

رهان الحزب الديمقراطي على "الصوت الأسود" ... هشام منور

جرت العادة والعرف الانتخابيين في الولايات المتحدة أن يقتسم الحزبان الرئيسيان فيها (الجمهوري والديمقراطي) أصوات الناخب الأمريكي بشكل يعكس توجهات وبرامج الحزبين المتقاربة عملياً، وبالذات في السنوات الأخيرة، مما جعل الانتخابات الرئاسية الأمريكية شديدة التنافس والاحتدام في ظل غياب الهامش المميز لرؤى وسياسات وتوجهات الحزبين الأكثر شعبية في الولايات المتحدة.
ومع اقتراب ساعة الحسم بالنسبة لترشيحات كلا الحزبين فيما بات يعرف أمريكياً (بالثلاثاء الكبير) والذي ستجرى خلاله انتخابات تمهيدية في أكثر من عشرين ولاية، وتحسم فيه بقية الولايات الأمريكية خيارها في كلا الطرفين لجهة اختيار ممثليهم في المؤتمرات الانتخابية الموكول إليها أمر حسم اختيار المرشح النهائي لسباق الرئاسة الأمريكية، تبدو الساحة (الديمقراطية) أكثر اشتعالاً من نظيرتها (الجمهورية)، فآخر استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم (هيلاري كلينتون) على (أوباما) بثلاث نقاط فقط في استطلاع هامش الخطأ فيه لا يتجاوز النقاط الثلاث، مما يعني تقارباً شديداً في حظوظ المرشحين المتبقيين بعد انسحاب (جون إدواردز)، الأمر الذي أكسب (أوباما) نقاطاً إضافية.
بيد أن احتدام المنافسة بين (كلينتون) و(أوباما) يكتسب بعداً عرقياً إضافياً عندما يتعلق الأمر بصوت الأمريكيين من أصول إفريقية، فرغم كون الأفارقة الأمريكيين من الداعمين التقليديين للحزب الديمقراطي تاريخياً، إلا أن شعبية المرشحين الكبيرة في صفوف السود الأمريكيين جعلت من خيار حسم المرشح الديمقراطي لسباق الرئاسة أمراً صعب التوقع. والحال أنه على الرغم من النشاط السياسي المتأخر للأمريكيين الأفارقة في الشأن السياسي الأمريكي، والذي ابتدأ نهاية الخمسينات وتصاعد بعد توقيع الرئيس الأمريكي (ليندون جونسون) عام 1964 القانون المتعلق بالحقوق المدنية، والذي منح السود بموجبه حق التصويت رسمياً، إلا أنه لا يمكن إلغاء دور سياسات الحزب الجمهوري الداعية إلى تقليص تدخل الدولة في الشؤون الاجتماعية آنذاك، وحدّهم من النفقات المخصصة لتنمية الفئات المهمشة أمريكياً (كالسود) ساهم إلى حد بعيد في تنامي رصيد المنافس الديمقراطي وانتساب وتأييد أغلبية السود للحزب الديمقراطي، إلى الحد الذي تفوق فيه الدعم الأسود للحزب الديمقراطي على نظيره الأبيض بأكثر من 44 نقطة بين عامي 1984 و2004.
على أنه وفي ظل حسم الخيار لدى (السود) في تأييد الحزب الديمقراطي، فإن المأزق الأصعب الذي يواجهونه هو في تفضيل أحد المرشحين المتبقيين على الآخر. فالمرشحة الديمقراطية (هيلاري كلينتون) لم تكن لتشك في ولاء السود لها بحكم شعبية زوجها الرئيس السابق (بيل كلينتون) الكبيرة بين السود الأمريكيين، إلى درجة اعتباره أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة، كما أن نشاط (هيلاري) نفسها في مجال الحريات المدنية، والذي يعني الكثير للسود في أمريكا، ساهم في تعزيز هذا التصور لدى حملتها. إلا أن بروز نجم (باراك أوباما) كمرشح أسود بالفعل حتم على (كلينتون) مراجعة حساباتها، سيما بعد الهزيمة الموجعة التي تلقتها في ولاية (أيوا) التي تكاد لا تضم أي ناخب أسود على الإطلاق.
والحال أن العامل العرقي قد أجج المشاعر لدى الناخب الأسود في الولايات المتحدة وهدد مسألة الحسم المبكر لورقة الترشح عن الحزب الديمقراطي، فغالبية الأمريكيين الأفارقة تود التصويت لصالح (أوباما)، إذ يمثل ذلك في رؤية الأمريكيين السود "حلماً على وشك التحقق"، وفي حال فوز (أوباما) في الانتخابات الرئاسية سيصبح أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية، كما أن حملة (أوباما) استفادت من تأييد الشخصيات العامة الأمريكية من أصول إفريقية مثل (أوبرا وينفري) التي تؤيده بشدة، مما عزز من رصيده بين صفوف السود والنساء بالذات. يضاف إلى ذلك تركيز حملة (أوباما) الانتخابية على الأجندة الداخلية للناخب الأسود، والمتمثلة في الرعاية الصحية وقضايا التعليم أكثر من حملة (كلينتون) والتي يلفها الصلف والغرور بحكم كونها زوجة لرئيس سابق، وما يعنيه ذلك من "خبرة" لازمة لإدارة الملفات السياسية من اليوم الأول لوصولها للحكم، على حد تعبيرها في أكثر من مقابلة إعلامية.
وعلى الرغم من أن (كلينتون) لم تفقد بعد جميع أوراقها ولم تستنفذ بعد شعبية زوجها بين صفوف الناخب الأسود قبل يوم الثلاثاء الكبير، وفي ظل تفوقها في معظم استطلاعات الرأي على خصومها، إلا أن انسحاب (جون إدواردز) قبيل موعد (تسونامي) الولايات المتحدة قد قلص الفارق إلى حد لا لم يكن معه التكهن بهوية المرشح الأوفر حظاً في مجتمع أنهكته الحروب المتوالية لإدارة رئيسه بوش، وبات همّ التغيير شعاراً مشتركاً لكلا الطرفين (الجمهوري والديمقراطي) لمحو آثار الصورة القاتمة لدولة يشكل اقتصادها عصب العالم، ويمثل جيشها، بحسب زعمها، (حامي) لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.

ويبقى أن ننتظر ما ستسفر عنه الجولة الحاسمة في سباق الترشح للرئاسة الأمريكية، وأن يحسم الناخب الأمريكي خياره بيده لا بيد عمرو، كما اعتاد شعوبنا دوماً.

كاتب وباحث فلسطيني خاص
(126)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي