أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عفاريت أم عطية

ذات يوم كنت طفلاً، وكان عمري أحد عشر عاماً، أعيش وحيداً مع جدتي في القرية بعد أن هربت من زحمة المدينة وازدحام الغرفة الوحيدة التي كانت العائلة المؤلفة من سبعة أفراد تسكنها.

عدت أحد الأيام إلى البيت جائعاً، ولما كانت جدتي غائبة، فقد قررت أن أفتش عن علبة الحلاوة التي كان والدي الشرطي قد أحضرها معه في آخر إجازة، وتخفيها عني. أغلقت الباب وبدأت عملية التفتيش بحرص ودقة كمن يفتش عن مخرب أو إرهابي، أخيراً وجدت علبة الحلاوة في صندوق الثياب، وهو الصندوق الذي كان يخرج مع العروس عند زواحها ويضم كل ثياب العرس وجهاز العروس، وغالباً ما يكون قطعة فنية، مزيناً بالألوان والصدف، مع أربعة أقدام أو دونها. وكانت جدتي تهتم بهذا الصندوق وتعتني به وترممه من وقت لآخر، لأنه من جهاز عرسها أولاً، ولأنه من بقايا جدي الذي تركها مع ولدين وهرب إلى الأرجنتين مع صبية أرمنية. والغريب أن جدتي لم تشمت بزوجها عندما وصلتها الأخبار بأن تلك الأرمنية قد طردته بمجرد أن لامست قدماها أرض الأرجنتين، بل قالت: إنها غبية، فهي لا تعرف كم من صبايا المنطقة كن يحلمن بالزواج منه، وأنا من فاز بذلك السباق، لقد كان أبو عطية رجلاً وسيماً وطيباً.

كنت على وشك الانتهاء من أكل علبة الحلاوة كاملة عندما سمعت حركة في الدار الخارجي فعلمت أن جدتي قد وصلت، ولما كنت مذنباً، فقد سارعت للاختباء وراء باب البيت معتمداً على الظلمة قليلاً، ومطمئناً إلى أن عيني جدتي لا تريان جيدا. تركت علبة الحلاوة وما تبقى فيها قرب الصندوق، وما إن فتحت جدتي الباب ودخلت لتضع حمل الحطب التي كانت تحمله، حتى تسللت بخفة دون ان تراني واختفيت.

مساء عدت إلى البيت فوجدت جدتي تروي لجاراتها كيف أن العفاريت قد أكلت علبة الحلاوة كلها، وأن من حسن حظنا أنا وجدتي والبقرة والحمار، أنّ هذه العفاريت كانت تحب الحلاوة مثلها مثل البشر تماماً، ولذلك اكتفت بأكلها، وإلا لكانت قد سببت مصيبة لا نعرف حجمها. ابتسمت وأنا أسمع حكاية جدتي، ولكن الطرافة في الموضوع أنه في اليوم التالي كانت القرية كلها تتحدث عن العفاريت التي زارت بيت أم عطية وأكلت الحلاوة. بعد ذلك، ولاأيام متتالية، وجد كتاب الحجابات والبصارات وخوري الضيعة مادة شائقة لنهب بيض دجاج الفلاحات المسكينات، وذلك لقاء طرد العفاريت من القرية.

خارج ترتيب المقالات الإسبوعية
(111)    هل أعجبتك المقالة (105)

سمير

2013-02-07

انت مبدع كالعادة رائع والى الامام.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي