كيف سنقنع هذا الكاتب العظيم بأن ثورتنا خفيفة دم كونه يحبّذ هذا النوع من الثورات، لكنّ ربما الحق معه، فبعد كل هذه الدماء لا يمكن أن يتوفر مستوى خفة الدم التي تليق بمقام صحفيي البلاط أو السيراميك و البورسلان، الذين يصرون على العمى أو التعامي مساويين بين خفة الضمير و العقل لدى الجلاد، مع المعارضين "ثقيلي الدم"الذين لا ولن يجدوا وقتاً للتهريج كي ينالوا شهادة حسن سلوك تدغدغ أقلاماً مفروشة للإيجار!
عندما يتمتع الكاتب بقامة طويلة قد لا يحق لمن هو أدنى التطاول عليها، لكن ماذا لو انحدر هو بنفسه لتقييم أناس ملّوا الكلام الفارغ والتنظير في حقول القتل والتدمير.
لم يُفاجأ أحد عندما صرّح الصحفي جهاد الخازن في إحدى زواياه (عيون وآذان) بأن المعارضة السورية "ثقيلة دم، وتضم في صفوفها إرهابيين"!
فقد تابع السوريون الرجل منذ بداية الثورة، فما غاب عن الذهن موقفه خلال برنامج أسبوعي يناقش أقوال الصحافة على فضائية البي بي سي من كاريكاتير متعلق باعتداء الشبيحة على الفنان علي فرزات، إمعاناً منه في تجاهل الحديث عن الثورة، مكتفياً بغزل الحروف وصفاً لأناقة زوجة الرئيس السوري ورقي وحضارة أهلها جيرانه في عاصمة الضباب، و أظن لو لم يكن ضحايا زوجها بعشرات الآلاف، لما قصّر الخازن بشيء من التقريظ، ثم سكت دهراً حتى نطق قهراً في أول مقال تناول فيه الوضع السوري، حين طلب منح الأسد فرصة لأول السنة الحالية، ومن ثم جاءت "قاصمة الظهر".
وإذا كان معيار الثورة ثقل الدم عكس الثورة المصرية كما ادعى الخازن، يهمنا أن نذكره بأن النكتة و أهل حمص لم يبرحوها فاجترحوها من قلب المأساة، وإذا كانت النكتة رافقت ثورة إخواننا المصريين وهم،لا شك، أهل الروح الخفيفة، فإن النكتة الحمصية كانت ثروة الثورة السورية.
نكفل للخازن ابتسامة عميقة بعد جولة على مواقع الثورة في (الفيس بوك) يمر خلالها على "مغسل ومشحم حمص الدولي للدبابات"، و"الثورة الصينية ضد طاغية الصين"و غيرهما الكثير من الصفحات التي تعكس روح الإبداع السورية.
وليقرأ السيد خازن ما يرفعه السوريون في لافتات مظاهراتهم، لعل أهالي كفرنبل الذين أذهلوا العالم بمفارقاتهم اللاذعة الجميلة ورسوماتهم غير المتكلفة يكسرون الهيبة بابتسامة لن تخرق جدار الاتزان و الثقل والأكابرية المنضوية بين الكلمات.
عاصي بن الميماس - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية