خبر غريب عجيب، إن صح فإنه سيفتح باب التساؤل على مصراعيه وسيدفعنا إلى فتح ملف مشكلة تجاهلها الكثيرون من أهل الكويت ليس لعدم أهميتها بقدر إيمان الكثير من الناس بأن الوقت كفيل بإنهائها! يقول الخبر الذي نشرته جريدة «الشاهد» في صفحتها الأخيرة إن وزارة الداخلية أحالت مواطناً إلى جهات الاختصاص للتحقيق معه بتهمة رفع علم الجمهورية العربية السورية على مخيمه الربيعي في بر «جبد»! واللافت أن يوصف المواطن الذي بلّغ الشرطة بأنه «غيور» على وطنه! ولا أعرف ما هو تعريف الغيرة التي تحلّى بها هذا الموصوف، والتي أحسب أنها تختلف عن التعريف الذي نعرفه ويعرفه البشر!
والله لقد أدهشني هذا الخبر وطريقة عرضه، وهالني تصرف هذا المواطن (!) وعجبت لاستجابة وزارة الداخلية له (!)، وكأن البلاد تخلوا من أعلام الدول العربية والأجنبية الأخرى، ولم يبقى سوى هذا العلم المرفوع لسورية الشقيقة في بلادنا! نعم... أدهشني هذا الخبر لأن البلاد تغرق ببحر من أعلام الدول الصديقة قبل الشقيقة والبعيدة قبل القريبة والأجنبية قبل العربية. فهناك أعلام دول مرفوعة فوق أسطح البيوت، وهناك أعلام ملصقة على السيارات التي تجوب الشوارع جهاراً نهاراً، وهناك أعلام على ألبسة الأطفال والكبار، بل وحتى في دوائر الدولة ومؤسساتها لا تخلو منها تلك الأعلام والملصقات، وها هي أعلام دول كثيرة تباع هذه الأيام في المحلات وعلى الطرقات للناس، بحجة أنها ساهمت في تحرير الكويت، ونحن نمر باحتفالات ذكرى يوم التحرير. فهل يعقل أن يكون هذا التصرف الذي جاء في الخبر «إن صح» في سياق ما هو متعارف في الكويت؟ أم أن ما وراء الخبر ما وراءه؟
إن كان رفع علم لبلد مدعاة لتوجس البعض، فلماذا تقبل الحكومة طوال الأعوام الماضية منذ التحرير وإلى اليوم برفع أعلام أميركا وبريطانيا وغيرها؟ ولو افترضنا جدلاً أنه ليس كل علم مقبول أن يرفع في الكويت؟ فهل يشمل ذلك علم سورية الشقيقة التي ساهمت في تحرير الكويت، والصامدة على خط الممانعة ضد الكيان الصهيوني والداعمة لصمود المقاومة البطلة في لبنان؟ سورية التي فتحت أبوابها لتحتضن مئات بل آلاف المهاجرين الكويتيين فترة الغزو العراقي أشهراً طوالاً، معززين مكرمين في بلدهم الثاني الذي تعامل معهم كأهل الدار، أهكذا جزاء الإحسان؟
ثم إن كان هناك من يتوجس عنصرية وحساسية من علم هذا البلد الشقيق، لأنه يقف ضد المشروع الأميركي في المنطقة، فإن جل الشعب الكويتي اليوم يتوجس ريبة ويمتعض بغضاً ويحتقن كراهية ويتأفف حرقة، حين يرى العلم الأميركي مرفوعاً بين يدي بعض البسطاء السذّج بتبرير أن هؤلاء الأميركيين قد حرّروا الكويت من نظام صدام الذي هم أنفسهم أعطوه الضوء الأخضر لاحتلالنا، فلماذا الكيل بمكيالين يا وزارة الداخلية؟
لذا، نرجو من لذا نناشد الشيخ جابر الخالد، وزير الداخلية، التدخل بنفسه في كشف حقيقة هذا الخبر الغريب بداية والتحقق في مدى صحته، والتمعن في حقيقة «الغيرة» التي دبّت في هذا المواطن المبلّغ، والبحث في من هاله الأمر من رجال وزارة الداخلية فهرع لاستدعاء المواطن صاحب المخيم والتحقيق معه! وما يؤسف أن يأتي الخبر مباشرة قبيل زيارة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد إلى دمشق من أجل تعزيز العلاقات وتقوية الصداقة بين البلدين وتكريس مبدأ الشراكة في الدين والقومية واللغة والهموم، ما يجعل من هذا الخبر لغماً مكشوفاً لا يجب أن يمر على الشيخ جابر الخالد الذي نكن له كل احترام وتقدير ونعرف جديته في وضع سمعة رجال الداخلية في مكانها الصحيح.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية