بدأ أهالي حماة يشعرون تدريجياً بمصائب موقعها الجغرافي المميز استراتيجياً والمعقد إنسانياً، فباتت المدينة تشبه مدينة الزاوية الليبية الملاصقة للعاصمة طرابلس والتي كانت تتنقل بين زمن وآخر ما بين أيدي قوات القذافي وثوار ليبيا، الأمر الذي جعلها من أكثر المدن الحائرة بين إرادة شعبها الثائر وسهولة السيطرة عليها.
قصف فقتل فنزوح وتشرد
جاء الإعلان عن بدء معركة تحرير حماة منذ أسابيع، ليأتي معه الهلع لدى معظم سكان المدينة مصاحباً للبهجة بإمكانية طرد قوات النظام التي تعيث فساداً دون حسيب أو رقيب تحت ذريعة مواجهة ما يسمونه بـ(الإرهاب)، وتمّ تحرير بعض المناطق الريفية فعليّاً بعد الاستفادة من الحاضنة الشعبية للجيش الحر وإرادة قادته وعناصره، وماهي إلا أيام حتى باتت طيبة الإمام ومورك وكفر زيتا وغيرها محررة جزئياً أو بالكامل.
ردّ النظام بسلاحه الجوي كما جرت العادة متبعاً سياسة الأرض المحروقة فعاقب الأهالي بقتلهم مباشرةً بالقصف المتواصل ممطراً أراضيهم الزراعية بعشرات القذائف يومياً غير آبه بعدد القتلى أو الجرحى، مبرراً لنفسه سيطرة عناصر الحر على المدن الرافضة لوجوده أساساً، فأصبحت هذه المدن بين شدّ وجذب، وكان الخاسر الأكبر كلّ من تجرأ على الاعتراض على النظام وتصرفاته.
وبالانتقال إلى المدينة نجد موتاً أشدّ قسوةً وتعقيداً، فسكان مشاع الأربعين الذين فقدوا مساكنهم التي قصفتها قوات النظام في فترة سابقة، توزّع المحظوظ منهم إلى مركزي الإيواء (السكن الشبابي في طريق حلب ومدرسة سمير الصواف في القصور) اللذين يخضعان لإشراف الهلال الأحمر، حيث تنعدم كافة الوسائل المعيشية باستثناء السقوف والجدران التي قد تطيل من بقاء قاطنيها على قيد الحياة، علماً أنّ المركزين شهدا حالتي ولادة منذ أيام.
معارك أساسية
أما سكان الأحياء الأخرى البعيدة عن القصف حالياً فباتوا يلهثون وراء تأمين الخدمات الأساسية التي باتت حلماً بعيد المنال لدى الكثيرين منهم، فالمحروقات من غاز ومازوت والمواد الغذائية راحت إلى قسمين، الأول لمن تبقى من الميسورين بأضعاف ثمنها المرتفع أساساً ليحصل عليها بعد يومين أو ثلاثة، والآخر للأناس العاديين الذين لا يستطيعون دفع أكثر من 15دولاراً كثمنٍ لاسطوانة الغاز، وذلك في سبيل جلبها خلال أسابيع (إن حالفه الحظ) وسط السرقات تحت إشراف قوات الأمن المسيطرة على المدينة.
وفيما يرتبط ببقية (الرفاهيات) كالكهرباء والاتصالات والإنترنت فهي لم تصل منذ قرابة الأسبوعين لعددٍ كبير من المناطق السكنية، بينما يقطعها الإرهابيون كما سماهم رئيس النظام السوري بشار الأسد بشكلٍ منظّم لتصل ساعات الاستفادة منها إلى عشر ساعات يومياً على فترات متقطعة، بحجة التقنين بحسب شركة الكهرباء.
وأمام كل ذلك يبدو أهالي المدينة أشد تمسكاً بخيار المطالبة بإسقاط النظام ومحاكمة عناصره، من خلال المظاهرات اليومية في معظم الأحياء، وهو ما تظهره مقاطع الفيديو التي تنشر يومياً على (اليوتيوب) ومواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، وتويتر) على الشبكة العنكبوتية.
جورج خوري - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية