ومن محاسن حب الزوجات للأزواج أن زوجتي اكتشفت أنني دون شوارب بعد أكثر من سنتين من حلاقتهما. فقد أرسل لي أحد الأصدقاء الحماصنة صورة لي في بيتهم وقد كنت في منتصف العشرينات من عمري، وأبدو فيها وسيماً على قدر ما وهبت الطبيعة من وسامة لشخص من أصول عربية. فأنا يحلو لي إعادة نسبي إلى الغساسنة (لإرضاء المسيحيين) أو قريش (لأغيظ الأقليات)، ولمَ لا؟ فكل الناس في معمعة انهيار الدولة أو الأمة تبحث عن هوية جديدة في أصول عرقية أخرى، تحقق لها الحد الأدنى من التماسك الروحي، هاربة من هويتها الضعيفة.
كان يمكنني القول إن أصولي فينيقية أو سريانية أو صليبية، ورغم أن الرائج في هذه الأيام الجري وراء الأصول اليهودية والتمسّح بها، فهي المرغوبة الآن، إلا أنني استغلظت فكرة اليهودية، ليس لأسباب عنصرية أو لا سامية، وإنما لأن رامي مخلوف قد اعلن انتسابه إليها وربط مصيرها بمصيره، وأنا لا أتحمل أي شراكة معه، رغم القواسم المشتركة بيننا في أننا ننتمي للأديان التوحيدية الثلاث.
واختياري للغساسنة أو لقريش كما قلت، ليس تقرباً من آل سعود ولا مالهم، رغم أنني لا أنكر صلة الرحم التي بيننا، وأسعى للحصول على بعض عطاياهم كما كان يفعل حافظ الأسد وابنه على مدى ٤٠ عاماً، وإنما فيه رغبة مني في تحدي بعض السوريين الذين يرون أن كل عربي سني هو بدوي متخلف وهمجي، وقد جاء غازياً لسوريا قبل ١٤٠٠ عام ودمر حضارتها، وأنا أحب الهمج والمتخفلين في هذه الأيام وأكره الحضارة، وخاصة حضارة حقوق الإنسان الأمريكية، وحضارة الروس التي تخشى من انقراض الأقليات في سوريا لذلك نصبت من نفسها حامية لهم، رغم إرثها الأممي على مدى ثمانين عاماً. المهم أنني ناديت على زوجتي لأريها صورة من صوري قبل الزواج، ولأستعرض عضلاتي الشبوبية أمامها حتى لو كانت من أيام زمان، ولأبرهن لها أن الإنسان يتغير وأنه خاضع لقوانين الطبيعة مثله مثل بقية الحيوانات التي تولد وتشيخ وتموت. نظرت السيدة إلى الصورة بتمعن ثم تمتمت: والله كنت حلو يا مضروب ! ثم فجأة نظرت إلى وجهي قائلة: ولك وين شواربك، إيمتى حلقتون؟ قلت لها: اتكلي على الله يا مدام، ألا تذكرين أنني حلقتهما مع بداية الثورة؟ قالت: لا اذكر شيئاً من هذا الكلام أبداً، وعليك إطلاقهما من جديد. قلت لها بلطف شديد كي لا تتهمني بأنني معادٍ لحقوق المرأة: أعتذر فعلاً، فأنا لا أستطيع تلبية طلبك، لأنني قطعت عهداً على نفسي بألا أطلقهما قبل انتصار الثورة وسقوط آل الأسد، وإطلاق سراح آخر سجين في سجون العصابة الحاكمة. قالت: أخشى أن يطول الأمر كما حصل مع الفلسطينيين وأهالي الجولان الذين أطلقوا لحاهم وشوابهم بانتظار العودة، فلماذا لا تفعل مثلهم وتطلق لحيتك وشواربك وإنما تفعل العكس؟ قلت لها: أرجوك، وحفاظاً على علاقتنا الأخوية التاريخية، أن تضعي مشروع شواربي على جنب. سكتت السيدة على مضض، ولم تخفِ امتعاضها من قراري، ثم ذهبت إلى السرير ونامت بعد أن أدارت ظهرها لي.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية