عندما قال رئيس النظام السوري بشار الأسد: "إنّ المجرمين يقتلون علماء الدولة وزهورها التي توشك أن تتفتح بأبشع الطرق"، كان أوجز وصف ما يحدث في سوريا، ففروع المخابرات التي ما زالت القوة الضاربة في حماية نظامه لم تجد حتى الآن وصفاً إنسانياً لِما تقترفه يوماً بعد آخر، ومن هنا تبدأ قصة مصعب الجرد.
من الجنازة إلى المعتقل
فلم يكن الطالب المتفوّق في كامل حياته الدراسية وصولاً إلى كلية الطب التي تشهد بتفوقه بمعدل جيد جداً (80%) في أول سنتين، يعلم أنّ وقوفه بجانب الحق -ولو كان من وجهة نظره فقط- ستجعل نهاية حياته الدنيا بالطريقة البشعة التي أصبحت منهجاً معتمداً لدى النظام الحاكم.
مصعب المولود في تفتناز بأول يوم من سنة 1992نشأ في جوعائلة علمية بين أخوته الثلاثة الطبيب والمهندس والصيدلي، وأختين صغيرتين، وعُرٍف بأخلاقه العالية، وهو الأمر الذي فرض عليه الخروج في المظاهرات المناهضة للنظام والذهاب إلى تشييع عالم حلب إبراهيم السلقيني في6-9-2011 بعد أن سمّمته قوات النظام، فأودت به المشاركة إلى الزيارة الأولى لمعتقلات النظام لدى الأمن السياسي وتعرّف خلالها على العديد من أنواع التعذيب لمدة شهرٍ كامل.
إسلام الإنسان و الطبيب
تحوّل إسلام (الاسم الحركي لمصعب) بعد إخلاء سبيله إلى العمل الميداني، وبرز دوره الإنساني في إنقاذ الجرحى دون الالتفات إلى توجهاتهم السياسية، فكان لا يكلّ أو يملّ من حمل حقيبته الإسعافية المتواضعة إلى مكانٍ فيه أحد المصابين مهما بلغت درجة إصابته في ظلّ الحالة الطبية السيئة التي تعاني منها المناطق الثائرة.
عادت قوات الأمن لاعتقاله وصديقيه في كلية الطب باسل أصلان وحازم بطيخ، ولكن هذه المرة كانت الزيارة إلى المخابرات الجوية في يوم الأحد 17-06-2012، ولم تطل المدة لدى هذا الفرع الذي غالباً ما ينافس بقية الأفرع في الإجرام والظلم والتعذيب، فكان الفرمان بإنهاء حياة الثلاثة بعد أسبوع واحد من اعتقالهم.
احتراق الأخلاق
أُعيد الشهداء إلى ذويهم جثثاً هامدة وكانت المصيبة الأكبر في عدم القدرة على التمييز بينهم بعد أن تعرضوا لأشد أنواع التعذيب غير المصنّفة في تاريخ البشرية جمعاء، الشهداء كانوا محروقين، وتمكّن شقيق مصعب من التعرف على جسم أخيه المحترق بالكامل حتى شعره، وهو ما أكّده الطبيب الشرعي بالإضافة إلى طلقة الرصاص التي اخترقت جسمه أيضاً.
ذهب مصعب إلى جوار ربه وبقيت حقيبته الطبية، ذهب وأثبت الآلاف بأنهم لن يكونوا أقل تضحيةً منه بعد أن قاموا بتشييعه وزملاءه في حي سيف الدولة بمدينة حلب، ذهب الشهيد الشاب وبقيت أفكاره محفورة في نفوس كلّ من عاشره وجلس معه.
جورج خوري - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية