أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المحروقات في السوق السوداء وإسطوانة الغاز بقوة السلاح....

لم يكن السوريون يتخيلون أن يعود بهم الزمن في عهد الأسد الابن إلى ما قبل خمسينيات القرن الماضي ليعيشوا بالطريقة التي عاش بها أجدادهم من قبلهم، قبل أن تتوافر لهم منتجات التكنولوجيا الحديثة، لم يخطر ببال أحد أن يعود السوريون في القرن 21 لاستخدام الخشب كوقود للطهي أو استخدام مصباح الكاز للإنارة أو استخدام كافة وسائل الحياة القديمة في ظل قلة مصادر الطاقة في بعض المناطق وانعدامها في البعض الآخر.
مع استمرارالانتفاضة الشعبية ضد حكم الأسد وفي ظل خروج العديد من المناطق عن سيطرة نظامه، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، بات توفُّر مصادر الطاقة في مختلف أنحاء البلاد أمراً شبه مستحيل ولا سيما في المناطق التي تشهد اشتباكات بين الجيشين الحر والنظامي، أما المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة فإن النظام يحرمها من الإمداد بمصادرالطاقة من مشتقات نفطية وغاز وكهرباء، في حين لا تعيش المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام حالاً أفضل من باقي المناطق.

دمشق حارة "كل مين إيدو إلو"
لم يعد غريباً أن تجد أحياء كاملة في العاصمة دمشق غارقة في عتمة الليل، حيث يشكو أهل المدينة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة خلال اليوم لتصل في بعض الأحياء مدة الانقطاع إلى 12ساعة يومياً، وفي مواعيد مختلفة دون التقيد بأوقات محددة لتطبيق سياسة التقنين التي تعتمدها وزارة الكهرباء في هذه الأيام، حتى بات البعض يطلق عليها اسم "وزارة الشمع" بسبب كثرة استخدام الناس للشموع في منازلهم والتي بات الطلب عليها أكبر من الكميات المتوفرة في الأسواق ،أو مصباح الكاز"السراج" فقد أصبح موجوداً في كل منزل دمشقي لكن البحث عن مادة الكاز يحتاج إلى"سراج وفتيلة"حسب تعبير السوريين.

على صعيد آخر فإن المحروقات بأنواعها أصبح توافرها أمراً شبه مستحيل لتجد طوابير السيارات تمتد لمسافات طويلة بانتظار دورها في الحصول على المادتين النادرتين لتصل مدة الانتظار إلى ثلاثة أيام في بعض الأحيان، وعند الدخول في معمعة محطات الوقود يتبيّن أن لكل محطة قانوناً خاصاً بها، فبعض المحطات تسمح بتعبئة20 ليتراً لكل سيارة فقط وبعضها الآخر يسمح ب30، وقلة قليلة من المحطات من يسمح بتعبئة خزان السيارة كاملاً، أما الإكرامية فهي أيضاً تختلف بين محطات الوقود لكن الحد الأدنى لها في جميع المحطات 100 ليرة سورية. 
أما إذا انتقلنا إلى مادة أخرى وهي مادة الغاز فإن الطلب يتزايد عليها بشكل كبير في الأسواق السورية التي تشهد عجزاً كبيراً في تأمين هذه المادة، حيث بات الحصول على اسطوانة غاز حلماً صعب المنال بالنسبة لكثير من السوريين وخاصة أن الحاجة إلى الغاز ملحّة لاستخدامه في الطهي والتدفئة المنزلية في ظل انقطاع المازوت والكهرباء واعتماد الناس بشكل كبير على هذه المادة.

السوق السوداء للمحروقات:
لم تعد السوق السوداء في سوريا تقتصر على العملات، وإنما دخلت فيها سلع جديدة هي من أساسيات المواطن اليومي، وأهم هذه السلع هي المحروقات لتجد أسعاراً جديدة يومية لسعر اسطوانة الغاز الذي وصل إلى 2500 ليرة سورية، وسعر ليترالبنزين وصل في السوق السوداء إلى70 أو80 ليرة، وليتر المازوت فقد تجاوز 90 ليرة، أما عن آلية التعامل في السوق السوداء فما عليك إلا أن تجد شاباً أو طفلاً بالقرب من محطة الوقود أو مركز الغاز لتتفق معه على تأمين حاجتك من الوقود أو الغاز مقابل مبلغ معين حيث يقوم بتأمين احتياجاتك من هذه المواد، وغالباً ما يضطر الكثيرون للجوء إلى هؤلاء الباعة تجنباً للانتظار الطويل والدخول في معمعة محطات الوقود التي يطغى عليها العنصر التشبيحي من قبل قوات الأمن السوري والعناصر الشعبية التابعة له، والتي غالباً ما تقوم بإطلاق النار في محطات الوقود بحجة تنظيم الدور ولكن السبب الرئيسي والواضح للعيان هو الحصول على المحروقات أو تأمينها لأحد أولئك الشبان الذين يعملون ببيع المحروقات في السوق السوداء.
يقول خالد الطويل في مركز غاز برزة ل"زمان الوصل" إنه اليوم الخامس الذي يحضر فيه إلى مركز الغازمن الساعة الخامسة صباحاً للحصول على اسطوانة غاز، مؤكداً أنه مع قدوم السيارات المحمّلة بالغاز تأتي سيارات محملة بقوات النظام لتحصل على الغاز بقوة السلاح، كما يحضر عناصر اللجان الشعبية من منطقة عش الورور ومنطقة البيادر، ليطلقوا النار بشكل جنوني لإبعاد الناس عن مركز الغاز وأخذ ما يحلو لهم من اسطوانات الغاز.

وعند سؤالنا لخالد عن باعة الغاز والمحروقات في الجانب المقابل للمحطة ومركز توزيع الغاز أجاب "هؤلاء يحصلون على الغاز إما من عناصر الأمن أو من العمال في المركز ليبيعوها بأسعار خيالية ويتم اقتسام الأرباح فيما بينهم ونحن كمواطنين ليس لدينا القدرة على دفع تلك الأسعار".
يبدو أن لسان حال معظم السوريين يقول إن نضالهم ليس في سبيل الحرية فقط، بل الحصول على لقمة العيش وأبسط مقومات الحياة الطبيعية تحتاج إلى نضال أيضاً.

عمر الأتاسي - زمان الوصل
(113)    هل أعجبتك المقالة (94)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي