سامر لاجىء سوري اضطرته الحاجة إلى السكن في فندق وسط مدينة المفرق لأنه لم يجد منزلاً يؤويه مع عائلته، وبعد أشهر من الضيق المادي قاده حظه العاثر إلى شخص ادعى أنه يملك بيتاً ويريد تأجيره في الحي الجنوبي ، ولأن أجرة البيت المذكور زهيدة مقارنة بآجار البيوت الأخرى استطاع هذا الشخص أن يستدرجه لدفع أجرة منزل لم يسكنه، متذرعاً تارة بأنه يريد دفع فواتير الكهرباء وتارة أخرى فواتير الماء، وهكذا وجد تعيس الحظ نفسه أمام محتال اتضح أنه امتهن هذا العمل ومارس النصب على الكثير من اللاجئين والمواطنين الأردنيين على حد سواء.
قصة سامر هي واحدة من قصص معاناة اللاجئين السوريين مع بيوت الآجار التي أصبحت كالعملة النادرة في مدينة لا يجد الكثير من أبنائها أحياناً منازل تؤويهم وبخاصة الشبان الذين يريديون إكمال نصف دينهم - كما ذكر لنا بعض أهالي المفرق - والملاحظة الأولى الجديرة بالاهتمام هنا هو غياب المعايير في تأجير البيوت، فالبيت الذي كان يؤجَّر منذ أسابيع للأردني بـ 50 ديناراً أصبح يؤجَّر للاجىء السوري بأكثر من 100دينار، والبيت الذي كان يؤجَّر بـ 100 دينار أصبح يؤجر بـ 200 أو 250 ديناراً في بعض الأحيان، عدا فواتير الكهرباء والماء التي قد تتجاوز في كثير من الأحيان الـ 30 ديناراً ، بل إن أحد المؤجرين فرض على مستأجر سوري 40 ديناراً في عقد الآجار للمياه والكهرباء حتى قبل أن يسكن.

"زمان الوصل" جالت في حي الحسين بمحافظة المفرق الذي يضم عشرات العائلات السورية التي تعيش واقعاً مأساوياً في بيوت تفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة فلا أثاث ولا غذاء ولا كساء، عدا عن أن البنية الإنشائية لهذه البيوت متهالكة، وذلك لأن الكثير منها كانت عبارة عن خرائب وحظائر تم ترميمها لتكون سكناً لمن "يدفع أكثر".
منازل وهمية
صفوق العوض لاجىء سوري من محافظة حمص حدثنا عن معاناته الشخصية في تأمين سكن قائلاً:
منذ شهرين استأجرت منزلاً في أحد أحياء محافظة المفرق وكتبت عقده مع شخص اصطحبني إليه ليلاً على أنه منزله، وفي اليوم التالي عندما نقلت حاجاتي المنزلية فوجئت بأن المنزل ليس له، وتبين لي أنه مارس النصب بهذه الطريقة على الكثيرين من غيري، ولدي أسماء بعض الضحايا الذين وقعوا مثلي في فخه.
ويضيف صفوق وهو يتنهد حسرة: هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها لمثل هذا الموقف فقد سبق لشخص آخر يدعى (ف . ع ) أن أخذ مني 40 ديناراً كعربون لآجار شقة صغيرة مؤلفة من غرفة ومطبخ ومنافع بتاريخ 8-7- 2012 وعندما طلبت منه مفتاح الشقة أًصبح يتهرب مني ولا يرد على اتصالاتي، وعندما واجهته قال لي ليس لدي مال ولن أعطيك شيئاً، وبعد هذين الموقفين أصبحت لا أثق بأحد من المؤجّرين مالم يصبح مفتاح الشقة في يدي كيلا أتورط باستئجار منازل وهمية.
أجرة مضاعفة لِما يشبه بيتاً
ولم يكن اللاجئ السوري الآخر نزار الحسين أفضل حالاً،إذ قال لـ"زمان الوصل":
"عندما جئت إلى الأردن منذ أشهر أمضيت أكثر من أسبوعين أبحث عن شقة للآجار وأًصدقُك القول أن قدميَّ تورمتا من كثرة البحث، فهذا منزل آجاره مرتفع، وذلك لا يرغب صاحبه في تأجيره للسوريين، وثالث غير صالح للسكن، وبعد جهد جهيد وجدت منزلاً عبارة عن غرفتين وحمام في الفناء الخارجي، وهذا المنزل سيء للغاية وغير ملائم للسكن، فالمجارير فيه تطوف باستمرار لدرجة أن أطفالي أصيبوا بأمراض مختلفة من البكتيريا والجراثيم التي استوطنت فيه وفوق هذا آجار المنزل دون تكاليف الكهرباء والما ء 150 ديناراً".
"استأجرت بيتاً في منطقة الزعتري بسعر غال جداً يتجاوز الـ 150 ديناراً رغم أنه متهالك ويفتقر إلى أبسط شروط السلامة الصحية والإنشائية، فالحمام في الفناء وهو في حالة يُرثى لها والمطبخ حيطانه من الخشب وسقفه من التوتياء" يروي السوري عبد الناصر الدرويش قصته شاكياً صاحب البيت الذي" لا يصبر يوماً على الآجار ولا يراعي ظروفي كلاجىء"مشيراً إلى اضطراره لترك منزلين قبله لعدم القدرة على دفع الآجار، مع تأكيده أن بعض الجمعيات كانت قد تكفلت بدفع أجور البيوت لبعض اللاجئين السوريين وهو منهم ولكن بعد شهرين توقفت هذه المساعدات لأسباب غير معروفة.
أما اللاجىء ميزر الخالدي الذي أمضى وقتاً طويلاً في البحث عن مأوى له ولعائلته فبحكم عمله كان يرغب بالحصول على منزل في مدينة المفرق للتقليل من نفقات التنقل، يقول ميزر:
"بعد رحلة طويلة من البحث المضني وجدت منزلاً كان يستأجره مواطن أردني بـ 80 ديناراً ولكن المؤجر أخرجه من المنزل ليسكنني فيه مقابل 160 ديناراً أي ضعف الآجار الذي كان يدفعه المستأجر الأردني إلى جانب مصاريف الكهرباء والماء".

الحلقة الأضعف !
مسألة تفضيل أصحاب البيوت للمستأجر السوري على حساب الأردني تطرح أكثر من سؤال فهؤلاء يرغبون باللاجىء السوري لأنه الحلقة الأضعف إذ بالإمكان إخراجه من المنزل في أي وقت وحيثما كان، أما المستأجر الأردني فيصعب إخراجه، إذ قد يلجأ إلى المحاكم والدعاوى القضائية التي تُدخل صاحب البيت في دوامة هو في غنى عنها.
وفي هذا السياق يقول علي شديفات الذي يمتلك ثلاث شقق قام بتأجير اثننتن منها لسوريين والثالثة لأردني إنه يفضل أن يؤجر العائلات السورية لأنه يستطيع إخراجها من المنزل في أي وقت لافتاً إلى أنه عانى الكثير من المشاكل مع المستأجرين المواطنين ومنهم سيدة استأجرت منزلاً له لمدة ثلاث سنوات لم تدفع خلالها أجور الكهرباء والماء و أجرة بعض الشهور لدرجة أن المبلغ المتوجب عليها تجاوز الـ 500 دينار، ما اضطره إلى رفع دعوى قضائية ضد هذه المستأجرة، أما الأمر بالنسبة للمستأجر السوري فمختلف تماماً إذ يستطيع إخراجه في أي وقت يشاء.
تكفُّل 68 عائلة سورية
ولكن ماهو دورالجمعيات الخيرية والهيئات الإنسانية في تغطية نفقات أجور المنازل بالنسبة للاجئين السوريين في المفرق وماالجهات التي تدعم ذلك؟
يجيب الأستاذ "محمد الخالدي"رئيس الهيئة الأردنية للإغاثة - فرع المفرق عن هذا السؤال قائلاً:
نحن كهيئة أردنية للإغاثة قمنا بتكفّل 68 عائلة من عائلات اللاجئين السوريين في محافظة المفرق من خلال تبرعات عينية مخصصة لأجور المنازل من أمراء وشيوخ خليجيين ومن رابطة العالم الاسلامي، وكان العدد أكبر من ذلك ولكن ثمة أمورسلبية متعلقة ببعض الأسر تعيق عملنا، ومنها ازدواجية الصرف حيث اكتشفنا أن هناك بعض الأسر تستفيد من أكثر من جمعية، ويتم تكفّلها من أكثر من شخص على حساب العائلات الأخرى التي ليس لها كفيل ولا تستفيد من الإعانات المالية، ولذلك اضطررنا لشطبها من قائمة المستفيدين. وأضاف:لدينا أسرعلى قائمة الانتظار سيستفيدون من تكاليف أجور البيوت في حال توفر متبرع أو تغطية لهذه التكاليف ونتمنى من الله أن لا نقصر مع أي لاجىء سوري محتاج.
وحول آلية العمل في تحديد العائلات المحتاجة لآجارالبيوت يقول الاستاذ الخالدي:
يتم ذلك عن طريق الباحثين الاجتماعيين الذين يعملون معنا حيث يقومون بزيارة بيوت اللاجئين وتحديد احتياجاتهم الأساسية ومنها أجرة المنزل ومعرفة المردود المادي الذي تحصل عليه هذه العائلات، وفيما إذا كانوا يستفيدون من الهيئات أو الجمعيات الأخرى، وعلى ضوء ذلك يُصرف له راتب شهري يغطي نفقات استئجار البيوت التي يقطنونها، علماً أن هناك أولويات في عملنا، فأسرة الشهيد أو الأرملة التي لا معيل لها أو العائلة كثيرة الأفراد التي يكون معيلها من كبار السن كل هذه الحالات توضع في سلم أولوياتنا.
وتقول الآنسة " زينب الحسبان " نائبة رئيسة جمعية الأرامل والأيتام في المفرق:
تكفلت بعض الجمعيات الخيرية وأهل الخير بأكثر من 60 % من أجور بيوت اللاجئين السوريين، وهناك توجه لتخصيص الأرامل والأيتام وزوجات الشهداء بمنازل مدفوعة الأجر لمدة عام كامل، وبعض المتبرعين كانوا يدفعون للمؤجر مباشرة وبعضهم الآخر يدفع للمستأجر اللاجىء، وثمة أسر كانت عاجزة عن دفع الآجار وعليها تراكم فتم تسديد هذه الأجور وسد العجز.
وهكذا يمكن القول أن مسألة المأوى حاجة أساسية للاجىء السوري، وكل الحاجات بما فيها الغذاء والكساء يمكن أن يصبرأو يتحايل عليها إلا أن يبيت مع عائلته وأطفاله في الشارع فمتى يُنظر في معاناة اللاجئين السوريين مع أزمة السكن وهل هناك حل على المدى المنظور؟
عمان - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية