من لمى شماس إلى برهان غليون... "دخيل ربك"

لاشك أنَّ حافظ اﻷسد نفّذ مخطط تهجير النخبة المثقفة من سوريا بدقة متناهية، فباستثناء مثقفي البلاط، خلت سوريا في فترة حكم اﻷسد من نخبها القادرة على قيادة وتوجيه الرأي العام، ومن استطاع البقاء في وطنه سُلبت منه صلاحياته الفكرية والثقافية، فشُلّت قدرته كمحرّك فعّال في المجتمع.
مع انطلاق الثورة استنشقت النخب المثقفة رائحة الحرية، فأعاد الشارع السوري تعرّفه عليها كأحد الناطقين باسمه.
وعلى الرغم من أن البعض نأى بثقافته عما يحدث في سوريا، معلناً عن نفسه، كمثقف وليس كسياسي، ومتمسكاً بنظرية فصل الثقافة بحياديتها عن السياسة ببراغماتيها، وجد الدكتور برهان غليون نفسه مضطراً ﻷخذ موقع المثقف في ثورة بحاجة لممثل سياسي، فكان أن وقع فخّ وطنيته وتحول مدير مركز الدراسات الشرق المعاصر في (السوربون) إلى مادة دسمة تتقاذفها بعض اﻷلسنة المؤيدة للنظام، أو المنظّرة على الثوار.
غليون وحرق الورقة السياسة
لست من هواة نبش الماضي، ولا الدفاع عن شخوص سياسيين ومثقفين، ﻷنهم أقدر مني في الدفاع عن أنفسهم، إلا أن ما يخيفني حقاً، استمرار نجاح مخطط التصحر النخبوي الثقافي اﻷسدي، ولذلك أريد التذكير بأن برهان غليون أسس المجلس الوطني وتسلّم رئاسته، بعد أن طالبه ثوار الدخل بتمثيل الثورة سياساً، وأنَّ تحميل غليون وحده أوزار فشل المجلس الوطني أمر غير دقيق.
أما الهجوم الشرس الذي يشنه المؤيدون وبعض المعارضين على الدكتور برهان وغيره من المثقفين الذين فضلوا المشاركة في الثورة، فأخشى ما أخشاه أن يفقد الثورة قاعدتها المثقفة، في فترة حرجة يحتاج، فيها الشارع لموجّه ودليل.
وإذا كان الشعب السوري فقد في الفترة الماضية ثقته بقاماته الثقافية، ورفع شعار (الشعب السوري عارف طريقه) فإن بعض الممارسات التي نشهدها تشير إلى أننا بحاجة إلى من يذكرنا بالطريق الصحيح، ولا أظن أن نسف اﻷسس المثقفة في أي مجتمع يجلب له الخير، فكيف إن كان المجتمع يمر في حالة استثنائية تستنزفه اجتماعياً وثقافياًوأخلاقياً؟!
والختام أقول لبرهان غليون "دخيل ربك" ﻷنك لم تتحاشَ الحرق السياسي، ووافقت أن تراهن على ورقتك السياسية والثقافية، ولم تكن من الذين ابتعدوا عن الواجهة السياسية المضطربة ووقفوا بانتظار هدوء العاصفة ليتسابقوا إلى صناديق الاقتراع.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية