اشتد الخناق على الأسر المهجرة يوماً بعد يوم، بسبب الظروف المعيشية القاسية، ما دفع مجموعة من الفتيات المتطوعات في العمل الإغاثي إلى تنفيذ مشروعٍ للأعمال اليدوية يؤمّن قوت يوم عائلاتٍ لا معيل لها.
رؤية جديدة
محاكاة الفنون الشرقيّة القديمة كتطريز لوحاتٍ إسلاميّة وحياكة الصوف والدقُّ على النَّول الخشبي القديم، أعمال تقوم بها النساء المهجرات لتحقيق كسبٍ يسد حاجتهم ويحميهن من العوز، هذا ما تطلعنا عليه إحدى المتطوعات في هذا المشروع، والتي تؤكد أن رؤيتهم الجديدة تقوم على مبدأ كونفوشيوس بأن "لا تعطه سمكة بل علّمه صيد السمك"، حيث شهد العمل الإغاثي في سوريا تطوراً سريعاً، ويعود ذلك إلى تسارع الأحداث وتفاقمها، وحاجة الناس الملحة.
عائلات الشهداء أولاً
وبينما يحاول النظام تضييق الخناق على الأسر والعائلات المهجرة، نجد أن الفئة المستفيدة من هذا المشروع هم أسر الشهداء والمعتقلين والمهجّرين, وتوضح الناشطة أن بداية العمل كانت منذ عامٍ تقريباً في ريف دمشق لأمانها في تلك الفترة، ومن ثمّ انتقل إلى القابون وبرزة ودوما وما لبث أن تسارع الإنتاج وتزايدت الأعداد حيث امتدَّ إلى درعا والسويداء ومناطق من حمص وإدلب.

عمل مستمر
وعلى الرغم من التضييق الأمني والتكاليف العالية قامت المتطوعات بتأمين المواد الأولية الخاصة بهذا العمل ومن ثم أحدثت ورشات متخصصة لتدريب النساء، وفق ما تشير الناشطة "م . س"، مؤكدةً أن الهدف ديمومة العمل وليس آنيته.
ومع ازدياد عدد المهجرين اتسعت رقعة المشروع لتغطي حاجة ما يقارب 200 أسرة، وفق الأرقام الأولية، وعن آلية تنفيذ المشروع تطلعنا الناشطة "س . و" أن النساء تقوم بالحياكة، ومن ثم تؤخذ المنتجات وتطبق بمساعدة أحد الخياطين ومحل للجلديات على قطعٍ خشبيّة وحقائب بمختلف المقاسات، وكذلك أحذية بسيطة وشراشف للأسرّة والمناضد وغيرها الكثير من الإبداعات الفنيّة التي تستخدم في المنازل.
منتجات الثورة في أوروبا
وربما أكثر الأسئلة إلحاحاً تلك المتعلقة بالتسويق والذي يتم عن طريق المشاركة في المعارض الأوروبيّة والعربية الخاصّة بالفنون الشرقيّة باسم نساء الثورة السّورية حيث وصل إنتاجهم إلى مختلف دول العالم وخاصةً (فرنسا إنكلترة , كندا , الكويت , والإمارات العربية المتحدة)، ويعود ريع المشروع بالدرجة الأولى للنساء العاملات فيه والذي خفّف عنهنّ الكثير من أعباء الحياة وسدّ احتياجاتهم فضلاً عن إحساسهنّ بالثقة بأنفسهن بأنه على الرغم من الدمار المحيط بهنّ مازلن قادرات على الإنتاج ولسن بحاجة للإغاثة من أحد، كما يخصصن جزءاً من الربح لتغطية المواد الأوليّة وتأمينها بشكل دائم ولفترات طويلة (ويعود السبب في ذلك بأنّ الأسواق قد تغلق أثناء تدهور الأوضاع )، في حين يرصد مبلغاً للقيام بنشاطات مدنيّة متعددة خاصة بأطفال الثورة كتأمين احتياجاتهم المدرسيّة ودورات تعليمية بالمجان بالإضافة إلى محاولة تدريبهم عن طريق المسرح للتخلص من أزماتهم النفسية بوجود متخصصين في ذلك، وفق ما تؤكد إحدى الناشطات، التي تشير إلى أنَّ هذا العمل مازال بالنسبة للناشطات القيّمات عليه عملاً تطوعياً، لكنّه يحمل أحلاماً مستقبلية كبيرة لهنّ وللنساء العاملات فيه.
دخل مقبول
وفي الوقت الذي تستغل فيه حاجة الأسر والعائلات النازحة، تجد النساء في هذا المشروع ملاذاً يحميهن من سوء ظروف التهجير، ولعل أم محمد المهجرة من حمص واحدة من اللواتي يحققن دخلاً يقارب 9000 ليرة شهرياً من خلال عملٍ يدويٍ لا مشقة فيه، حيث تقول: أعمل في هذا المشروع منذ أشهر أنا وبناتي الثلاثة، حيث يصل دخلنا منه إلى 27 ألف ليرة، نستطيع من خلالها أن نعيش دون مساعدة من أحد، فنحن بطبيعة الحال كنا نقوم بأعمال الصوف والحياكة.
بينما تشير سلمى المعيلة لأخوتها الصغار وأمها المريضة بعد أن استشهد والدها واعتقل أخواها، أنها عملت مع بعض أصحاب الورش الذين استغلوا حاجتها وكانوا يعطونها أثماناً بخسة على القطع التي تقدمها، لا تتجاوز في كثيرٍ من الأحيان 15 ليرة سورية، لكن الحال اختلف عندما بدأت بالعمل مع متطوعات مشروع الأعمال اليدوية الشرقية،"جهدي بات في مكانه الصحيح".
ويأتي هذا المشروع وفق القيمين عليه تكريساً لهتاف الشعب المنتفض "خبز وكرامة وحرية"، فكما وحدة الدم اتحدوا الآن في عملٍ مشترك عبّر عن سوريا في مختلف أنحاء العالم.


زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية