أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

في الخوف، في السجن، في الهجرة، ٤- في الرغبة... ميخائيل سعد

قال لي الطبيب اللبناني الشهير، الذي زرته برفقة صديق مشترك، والذي كان من أشهر اطباء النسائية في بيروت قبل ان يقتل في عيادته لاسباب لها علاقة برغبات الاخرين: لا استطيع أن أصدق أن رجلا في القرن العشرين، بكامل قواه العقلية والجسدية، يبلغ من العمر ٣٤ سنة وغير مصاب بتشوه جسدي او نفسي، لم يمارس الجنس كاملا مع امرأة! قلت له: هذا أنا. باستطاعتك أن تقول عني: حمصي، سوري، فلاح، مسيحي، مثالي، جبان أو أي شيء آخر، ولكنها الحقيقة. كانت رغبتي بالمرأة حبا وجنسا، ولا تزال، مثل رغبات بقية الشباب، الا أنها، في تشخيص أولي، هي رغبة سجينة المثالية والعفة المسيحية والخوف من الاخر والخوف من الفشل والخوف من الفضيحة والخوف من الاغتصاب والخوف من العادات والخوف من الكتاب الذي كان يقدم لي المرأة كما اشتهي، وحيدا وبعيدا عن عيون الناس والنساء.

رفض الطبيب أن يفحصني، موجها كلامه الى الصديق المشترك: على صديقك ان يجد صبية تحبه ويكون بالها طويلا عليه وغير خجولة وغير شبقة، هذا ما يحتاجه صديقك..

سألني صديقي بعد خروجنا من عيادة الطبيب: هل ما ذكرته للطبيب صحيحا؟ وتابع قال ضاحكا: يعني انت عذراء حتى الان، رغم السنين التي امضيتها في بيروت؟ قلت له مغتاظا: اين المشكلة في الامر، الا يبحث كل رجال الشرق، على مختلف اديانهم وثقافاتهم عن فتاة عذراء عند الزواج؟ لماذا نعتبر الفتاة غير العذراء يجب ان تموت، ولا يغسل عارها الا القتل، في الوقت الذي يتم تباهي الرجل بعدد المرات التي مارس الجنس فيها قبل الزواج، والسخرية والاستغراب من رجل عربي بقي دون جنس الى منتصف الثلاثينات من عمره؟، سأقول لك بعض الاسرار الصغيرة من اجل ان تعرف الظروف التي اصلتني الى هذه الحالة. كنت في الثانية عشرة من عمري عندما تعرضت لمحاولة اغتصاب فاشلة من قبل فتاة في الخامسة عشر من العمر. كنا في حماه، وكان الوقت ربيعا، اتت تطرق بابنا لتستعير شيئا ما، وكنت وحيدا، قالت كلاما لا اعرف معناه، ثم حاولت ان تعبث ببنطالي، في النهاية حاولت الهرب فصفعتني على وجهي قائلة: كنت اظن انك رجل، وغادرت البيت بعد ان صفقت الباب وراءها بقوة لا ازال اسمع صداه حتى الان. كتمت الامر الى الصيف التالي، وكنت قد بلغت الثالثة عشرة من العمر، فرويت الحادثة لبعض الاصدقاء في القرية الذين سخروا مني، وخاصة الاكبر بالعمر. كنا في الحقول، وكانوا يتكلمون عن العادة السرية ومن ابلغ ومن ما زال طفلا صغيرا مثلي، لأنني سألت: شو هي العادة السرية.

في ذلك الصيف دخلت عالم المتعة الذهنية. وفي ذلك الصيف قرأت الانجيل كاملا، وفي الكنسية تعرفت على المرأة الاكثر جمالا ونقاء وطهارة في الدنيا، انها مريم العذراء، ام المسيح التي ضحت بحياتها من اجل رعاية الاله مخلص البشر من الخطيئة الاولى، خطيئة عصيان أوامر الله عن طريق حواء. في ذلك الصيف، كما اذكر الأن، اتضحت لي معالم اولية عن تضاد المتعة الجنسية مع الجمال، ومع الخوف من الرذيلة، وسيضاف لها لاحقا البحث عن الطهارة في العمل السياسي وممارسة دور المرشد الروحي اكثر مما هو دور السياسي.
اصبحت معلما وطالبا جامعيا وناشطا سياسيا في الوقت نفسه، وكنت ماهرا في اكتساب الصداقات، وخاصة صداقة الصبايا من مختلف الاديان والطوائف، وكانت حدودي دائما هي حدود الحكي، مما افسح في المجال لشباب آخرين في الشلة من متابعة ما بعد الحكي. كنت سعيدا ان تبقى صداقاتي بحدود الكلام، وكنت اتمنى ان تبادر احدى الصبايا وتبدي رغبتها ان ننام معا، لانني كنت اخشى لو انني انا من كان المبادر، ان لا تكون هذه رغبة الفتاة، كانت ترعبي وأموت خوفا من فكرة انني قد اغتصب فتاة ومن فكرة ان ترفضني الفتاة، للاسف لم يحدث ذلك الا بعض المرات، وكانت النتائج مخيبة لتصوراتي عن المرأة والجنس.

كنت احترق شوقا لملامسة امرأة، وكنت ألوم نفسي على ذلك، لذلك كنت اغرق في القصص التي تتكلم عن الحب والجنس، وكنت اعيد رسم المرأة في ذهني مع كل قراءة جديدة. التجارب الثلاث التي خضتها قبل الزواج، اثنتان منهما في حمص قبل السجن، واخرى في دمشق بعد السجن وأثناء خدمتي الالزامية، كانت فاشلة. احد الايام كنت في البيت وحيدا، وكان الوقت صيفا، وكنت قد أنهيت لتوي قراءة رواية فيها بعض مقاطع تصف علاقة حميمة بين رجل وفتاة، القيت بالكتاب جانبا وخرجت الى باب الدار واذ بصبية من الحي تعبر من أمامي، وكان بيننا مرحبا. قلت لها ان تدخل دون مقدمات، ففعلت ذلك دون اسئلة. قبلتها من شفتيها واحسست انني اشرب سمنا نباتيا او زيتا، تركتها وذهبت الى الحمام لاتقيأ كل ما في معدتي. بعدها طلبت منها المغادرة ففعلت دون احتجاج. في المرة الثانية كان سبب قرفي مشابها. على الأغلب المشكلة كانت في رأسي، فصورة المرأة التي تكونت في مخيلتني لم تتطابق مع وضع المرأة الحقيقية، فأقفلت دكان الحب وذهبت الى السجن السياسي.

تزوجت وكنت سعيدا بزواجي، ولم اكن اعرف هل هذا هو الجنس، هل هذه هي المتعة التي يتحدث عنها الناس، المتعة اجمل في العادة السرية !؟ كنت اشبه بالسوريين الذين ولدوا تحت حكم حافظ الاسد، يعرفون ان حالهم السياسي فيه الكثير من العيوب ولكنهم اعتادوا هذه العيوب وادمنوا عليها، حتى غدت جزءا بديهيا من حياتهم اليومية ومن عاداتهم السرية. في يوم ما، وبعد ستة عشر عاما من الزواج المسيحي، قالت لي زوجتي لم اعد اريدك، عليك مغادرة البيت، كانت الصدمة كبيرة، ولكنها مبررة، فالفقر حول حياتنا الى جحيم، واصبح اي سلوك لأي واحد منا يسبب مشكلة، فكان الانفصال حلا، او هكذا تصورت زوجتي.

في الخمسين اصبحت عازبا سوريا فقيرا في مونتريال احدى اجمل مدن العالم، ولما كنت معروفا في مونتريال العربية نتيجة النشاط الثقافي والصحفي والاجتماعي الذي كنت قد مارسته عبر سنوات، فقد انفتحت فجأة طاقة في السماء هبطت منها عشرات النساء العربيات المطلقات، بفتح الطاء وكسرها، وبدا ان هاتفي قد اصيب بإسهال، وكثرت الزائرات الى بيتي المتواضع، وجاءتني عروض ذهبية للزواج رفضتها، وبدأت أتعلم لغة الحواس وعلى رأسها لغة الجسد، وعرفت ان ما كنت اعرفه من متعة جنسية لا علاقة له بالمتعة، وكان اقرب الى تفريغ بعض الفضلات منه الى متعة رائعة لا يمكن وصفها. تعرفت على جسدي اولا بفضل نساء سوريات ولبنانيات ومصريات وفلسطينيات، مسيحيات ومسلمات، ولكل واحدة منهن تجربتها الخاصة وثقافتها الاجتماعية والجنسية الخاصة، وتوصلت الى نتيجيتين، اولاهما ان الرجال العرب جاهلون ومعرفتهم الجنسية مشوهة، وهي تشبه بقية معارفهم العامة، والنتيجة الثانية أننا كنساء ورجال، ونتيجة القمع السياسي والاجتماعي، لا نعرف بعضنا، وما يعرف كل طرف عن الاخر فيه الكثير من الخرافات والاوهام والعادات الاجتماعية المكبلة للحرية، بالاضافة الى كل ما يجعلنا دائما على طرفي نقيض، المرأة مرأة والرجل رجل وكل كلام عن تفاهم بينهما هو كلام، اننا ابعد ما نكون عن الحرية وسجناء كل شيء.

كلمة اخيرة: اسعدني الحظ وخضت تجربتي الجنسية الكاملة والاكثر متعة في حياتي المتواضعة في هذا المجال وانا في عمر الستين، فقد التقيت في كندا بسيدة كنت قد احببتها قبل ثلاثة وثلاثين عاما في دمشق، وعشنا تجربة حب فاشل يومها. التقينا عبر الانترنيت اولا واستحضرنا تاريخ تجربتنا المشتركة، واكتشفنا مندهشين ان تفاصيلها ما زالت في ذاكرتنا رغم تقادم الزمن، وعندما استقبلتني على باب بيتها قبلتها وقبلتني وكأننا كنا قد افترقنا البارحة، والتصقنا ببعضنا اربعة ايام، نأكل معا ونتحدث معا ونزور الاماكن والبشر معا وننام معا، فكانت كما قال لي طبيب بيروت: عليك ان تجد صبية تحبك ويكون بالها طويلا عليك وغير خجولة وغير شبقة، هذا ما تحتاجه. ولكن مع كل هذا الجمال، كان لا بد من الاستسلام لحكم الزمن والعمر والمجتمع فافترقنا على امل اللقاء في دمشق محررة من الطغيان والاستبداد والقمع والسجون.

ميخائيل سعد... 


في الخوف، في السجن، في الهجرة، ٤- في الرغبة... 
2013-01-15
قال لي الطبيب اللبناني الشهير، الذي زرته برفقة صديق مشترك، والذي كان من أشهر اطباء النسائية في بيروت قبل ان يقتل في عيادته لاسباب لها علاقة برغبات الاخرين: لا استطيع أن أصدق أن رجلا في القرن العشرين، بكامل قواه العقلية...     التفاصيل ..

٣- في الهجرة... 
2013-01-12
بعد خروجي من السجن عام ١٩٨٩، قال لي والدي يجب ان تزور المحامي المسيحي (س) وهو ضابط أمن في الوقت نفسه وتقدم له الشكر على ما بذله من اجل مساعدتك. اخذت معي مجموعة من الكتب الهامة كهدية توجهت الى دمشق لزيارة هذا المحامي في...     التفاصيل ..

زمان الوصل
(104)    هل أعجبتك المقالة (100)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي