اجتماع حروف الباء الثلاثة (الإبراهيمي/ برنز/ بوغدانوف) لم يثمر ولم يكن من الممكن أن يثمر مع استمرار غياب إرادة سياسية دولية تنزع إلى فرض الحل على النظام المجرم...
ومع أننا نعرف ذلك وكان أكثرُنا يتوقعه، فإننا مازلنا نطالب المجتمع الدولي بما لن يقدمه لنا في هذه المرحلة. إذا كان هدفنا من المطالبة بتسليمنا مقعدي سوريا في الجامعة العربية والأمم المتحدة هو مجرد الضجيج فقد حققنا نصراً مبيناً في ذلك. أما إذا كان الغرض هو أن نستلم المقعدين بالفعل لنكون ممثلين للثورة السورية في المحافل الدولية، فلنتذكر ما يعرفه جميع طلاب السنة الآولى في كليات العلاقات الدولية: المنظمات الدولية لا تعبر إلا عما يجتمع عليه أعضاؤها نتيجة وقائع ملموسة وتحولات مادية على الأرض. أن "تمنح" الأمم المتحدة الآن مقعد سوريا للائتلاف أو للثورة بهذه البساطة أمر في حكم المستحيل وإن اعترف بنا شكلياً أعضاءُ جمعيتها العامة جميعهم.
الاعتراف الذي حصلنا عليه، على ما له من قيمة رمزية، لن يتحول إلى اعتراف فعلي تتحمل بموجبه الدول ما يترتب عليها من مسؤوليات قانونية وأخلاقية إلا إذا نجحنا في أربعٍ مترابطات:
• أن يسيطر الجيش الحر على امتدادات متواصلة أوسع من الأراضي السورية. ولا أقصد بالسيطرة مجرد الاستيلاء على الأرض وإنما القدرة على حمايتها من القصف الأرضي والجوي، فبدون هذه الحماية تعتبر سيادتنا على الأرض المحررة منقوصة؛
• أن يتحقق الترابط العضوي والهيكلي والهرمي بين الائتلاف والجيش الحر، فعمل الجيش الحر لوحده لن يكون فعالاً إلا إذا كان له ما يمثله على الصعيد السياسي الدولي، كما أن عمل الائتلاف لوحده، على قيمته، لن يكون أكثر من ضجيج وتشويش قد يضر بالنظام المجرم إعلامياً ولكنه لن يحقق النتيجة المرجوة منه دولياً؛
• أن يكون للائتلاف وجود سياسي وإداري قوي فعلي، وليس مجرد وجود رمزي، على الأرض السورية المحررة؛
• أن يمارس الائتلاف نفسه المهام التنفيذية للوزارات السيادية السورية.
فيما يتعلق بالنقطة الرابعة، أقول: دعونا نتجنب في هذه المرحلة الدخول في متاهات وخلافات إقامة الحكومة المؤقتة العتيدة (وهي كما نعلم مطلب من "أصدقاءٍ" ليسوا بالصدوقين وليسوا بصادقي النية)، وليمارس الائتلاف المهام التنفيذية للحكومة (الائتلاف أو هيئته المصغرة التي سمعنا أن الأخ الشيخ أحمد معاذ قد شكلها منذ يومين). أما المهام التنفيذية الأساسية المطلوبة فهي اليوم ثلاث لا غير: شؤون الإغاثة وشؤون الجيش الحر وشؤون العلاقات الخارجية. ويمكن أن تتوسع هذه المهام لاحقاً بالتوازي مع النجاح في تحقيق النقاط أعلاه لتشمل، مثلاً، شؤون إعادة البناء والداخلية والعدل. أما أن نبدأ بخلق كيانات جديدة أوسع من ذلك بعد فترة قصيرة من إنشاء الائتلاف فهذا يعني أننا نريد أن نركض قبل أن نتعلم المشي...
فقط بتوفر هذه العناصر الأربعة يحق لنا أن نطالب المجتمع الدولي بمسؤولياته القانونية والأخلاقية فالمجتمع الدولي ليس لديه ما يعطينا إلا ما نفرضه بأنفسنا عليه. وبتوفر هذه العناصر الأربعة نكون قد قطعنا الشوط الأهم نحو النصر الذي وعدنا به أنفسنا ونعلم علم اليقين أن ربنا قد وعدنا به، وعندها فقط يمكننا أن نطالب المجتمع الدولي والمنظمتين بمقعد للشعب السوري فيهما ولن يتمكنا من منع ذلك عنا.
كفانا استثماراً في مواقف دولية نعلم مسبقاً أنها لن تجلب أي جديد...
الطريق الوحيد المتبقي أمامنا هو ما يدركه كل ثائر على الأرض السورية المقدسة ويغيب عن بال الكثيرين منا نحن معشر المعارضين: هذا الطريق هو تأمين المزيد من السلاح النوعي للجيش الحر إما عن طريق ما يغنمه من النظام المجرم، أو من خلال كيانات "من غير الدول" تستطيع أن توصل السلاح النوعي إلى المقاتلين. وبصراحة، أقصد بالكيانات "من غير الدول" جهات من قبيل بعض الفصائل أو الفرق النافذة في البلدان المجاورة أو حتى تجار السلاح الدوليين (المال سيتوفر إذا توفرت الفرصة)، بل وكيانات أخرى ساعدت في الماضي على إنجاح الثورات. بعض هذه الكيانات يمكن أن تضطلع بدور في ذلك وأن تتحدى وتكسر الحظر الدولي المفروض علينا والذي تشارك فيه دول إقليمية تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري وللثورة السورية، فأولويات وأجندات هذه الدول وإن اتفقت مع بعض ما نطرحه ليست أولوياتنا ولا أجنداتنا. أنا أوافق تماماً على أن هناك في العالم من يتآمر علينا ولكني لا يسعني أن أصدق أن العالم كله وبأجمعه متآمرٌ ولا أن أقبل أن حظر السلاح كتيمٌ لا يمكن اختراقه.
هذا هو ما أدعو الائتلاف ومكوناته، بما فيها العناصر التي لا تزال فاعلة كالمجلس الوطني السوري، أن يحوّل إليه طاقته. فإذا نجح في ذلك فقد أدى دوره في إنجاح الثورة.
العاصمة دمشق
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية