إن من أهم عوامل استمرار الثورة السورية كون الحامل كان ولا يزال ممثلاً بمئات الآلاف من الشباب السوري غير المسيس في البداية، والذي أبدع طرائق التنسيق والتنظيم التي كانت متقدمة دوماً على الرقابة المخابراتية الشديدة، وساهمت في حفظ المكتسبات والحفاظ على الصفة التثويرية للحراك ما ساهم في اتساع رقعته.
ومن أبرز النشاطات التي يقوم بها الشباب السوري تلك التي تٌعنى بالتوثيق لمختلف الأشكال والأنواع والطرائق، وأهمها توثيق شهداء الثورة السورية، وهو نشاط بدأ عفوياً بلا ملامح، ليرتقي إلى الاحترافية و ينتزع احترام وثقة منظمات دولية عريقة.
"زمان الوصل" التقت ديمة عطار المسؤولة في إحدى المجموعات التي تقوم بتوثيق أسماء الشهداء في حلب، ورغم أن هذه المجموعة ليست الوحيدة إلا أنها حازت بجدارة وصف المجموعة الأكثر رصانة في العمل لجهة المتابعة والدقة.
وفيما يلي نص الحوار:
تعلمون منذ بدء الحراك الثوري في حلب على توثيق أسماء الشهداء، في البداية: كيف يمكن التعريف بكم؟ وما هي الأدوات والآليات لتوثيق أسماء الشهداء؟ وكيف يتم تقييم وثوقية عملكم؟
بدأ العمل كجهود فردية محضة، وكان العمل يقتصر على توثيق أسماء الشهداء الذين سقطوا عقب المظاهرات برصاص الأمن وكانوا قلة، رغم أن الحراك الثوري في سورية كان قد دخل عامه الأول تقريباً، وكنا أيضا في حينها نعمل على توثيق أسماء الجنود النظاميين بعد تسلميهم لذويهم، حيث كان يتضح في أكثر من مرة أنه استشهد بطلقة في الرأس.
ومع تغوّل آلة القتل من قبل الأمن في حلب، وارتفاع معدل سقوط الشهداء كان لابد من توحيد الجهود الفردية، ورفع مستوى التنسيق، حيث تم تشكيل نواة صغيرة لهذا الشأن، وتم التواصل مع الشبكة السورية لحقوق الانسان، وحصلنا منها على نماذج موثقة لديهم للاستفادة منها، إذ أننا في السابق لم نكن نملك نماذج جاهزة، وكنا نعاني في البداية صعوبة كبيرة لجهة التفاعل والتعاون مع الناشطين والأهالي.
و بعد ذلك أصبحنا مصدراً للشبكة نفسها، ولكثير من الشبكات والمنظمات والمواقع، وكما بات لدينا أشخاص ثقات نتيجة العمل معهم لفترة طويلة
-كيف تتم عملية التوثيق؟
يتم توثيق الاسم الثلاثي لكل شهيد، و الوضع الاجتماعي و العمل وتاريخ وظروف الاستشهاد مع صورة أو فيديو في حال توفر، ونعمل دائما للحصول على المعلومة من مصدرين مستقلين على الأقل.
ونحن الآن بصدد إطلاق موقع إلكتروني، يحتوي على بيانات كافة شهداء حلب، مع خاصية فهرسة مرنة، وتبويبات منها المنطقة، وكون الشهيد مدنياً أو عسكرياً، والعمر، وطريقة الاستشهاد (قصف / قناص / اشتباك / إعدام ميداني)، وكون القتل تم إما من قبل الأمن أو الجيش.
ونأمل إطلاق الموقع في أسرع وقت ممكن، حيث أن العمل جارٍ منذ نحو ثلاثة أشهر، وقمنا بأكثر من تحديث له حتى تكون الفهرسة شاملة، وإمكانية البحث فيها سهلة.
-ماهي الجهات أو المنظمات التي يتم التعاون معها؟
هناك جهات نخدمها، وأخرى تقدم الخدمات لنا، حيث أننا مثلاً نقوم بتزويد المعلومات للشبكة السورية لحقوق الإنسان، وهناك تنسيق بيننا وبين مركز دمشق للدراسات، وأيضا مع لجان التنسيق إلا أننا توقفنا عن التعاون معهم لأنهم يعتمدون فقط الأرقام.
وكان ثمة تعاون مع المركز السوري للتوثيق VSD، إلا أنهم اختاروا فيما بعد أحد الناشطين ليتفرغ للعمل معهم.
وهناك تعاون مع منظمة العفو الدولية، إضافة إلى العديد من الجهات الحقوقية التي نتواصل معها في حوادث محددة كـ وقوع مجزرة أو الحصول على إحصائيات عامة فقط.
-كم عدد الشهداء الموثقين لديكم حتى اليوم ( يوم الأحد 30–12-2012)؟
تم توثيق 5930 شهيداً منهم 1200 شهيد مجهول الهوية.
-هل هناك جهة أخرى تعمل على توثيق الشهداء في حلب؟
نعم هناك مجموعتان الأولى تعمل في الريف الحلبي بشكل أساسي، وكان بيننا تعاون إلا أن الصفحة المعتمدة على (الفيسبوك)اتجهت إلى التغطية الإخبارية لعمليات الجيش الحر وهو ما اعتبرناه أن الصفحة والمجموعة فقدت الوظيفة الأساسية لها.
وهناك مجموعة تابعة للمجلس الانتقالي الثوري لمحافظة حلب، في مكتب الإغاثة تحديداً، ولديهم قاعدة بيانات إلا أنها غير منشورة.
-هل هناك محاولات لتوحيد الجهود معهم؟
في الحقيقة مسألة توحيد الجهود في أي اتجاه تعتبر من أكبر التحديات، حاولنا ولكن تعثر ذلك لأسباب لا مجال لذكرها الآن، لأن قاعدة التعاون شبه غائبة باعتبار أن التعاون أخذ وعطاء، وليس أخذاً فقط، وهذا في الأساس الهدف من توحيد الجهود والتنسيق.
ونحن في مجموعتنا منفتحون أمام الجميع ونأمل أن يكون هناك قاعدة بيانات واحدة لمحافظة حلب، نظراً لأهميتها الإنسانية والحقوقية الآن ومستقبلاً.
-تحدثنا في الشأن العام، كمجموعة متطوعة هل هناك ما يمكن أن يُقال في الشأن الخاص وفي إطار هذه المهمة التي تصديتم لها؟
خلال عملنا في الثورة في مجالات عدة، ميدانية وإعلامية، إلا أن المهمة الأصعب كانت هذه المهمة، لأن شهداء الثورة في النهاية ليسوا أرقاماً، فوراء كل شهيد قصة، وأهل وزوجة وحبيبة، ونشعر دائماً أننا مسؤولون أمامهم، على عدم ضياع ذكرى هؤلاء الشهداء.
في كل يوم نبكي لأن من نوثّق أسماءهم هم في النهاية جزء من وجداننا، لا يمكن أن يكون مجرد عمل، لأننا حينها سننفصل عن إنسانيتنا، وعن ثورتنا، لأننا نبقى جزءاً منها.
وفي النهاية أشكر كل من ساهم في البداية، أو التحق للعمل معنا، ونشكر كل دعم معنوي على الأخص قُدم لنا.
-شكراً لكِ
شكراً لكم ، ولموقعكم
رأفت الرفاعي - حلب - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية